وضعت الإمارات يدها بالكامل على جزيرة سقطرى، إذ إنها لم تكتفِ بمنع المسؤولين اليمنيين من العودة إليها، بل تقوم بعملية تغيير ديمغرافي بمنع العاملين اليمنيين من دخول الجزيرة إلا بإقامات عمل، ضمن مساعيها لتغيير الخريطة الديمغرافية والجغرافية للجزيرة.
وتثير سلسلة من التحركات التي تتعامل مع سقطرى كأرضٍ إماراتية، مخاوف اليمنيين من أن تؤدي إلى فرض واقع مغاير في الجزيرة، يلغي ارتباطها باليمن، وسط تصاعد الغضب اليمني حيال ذلك.
ويفسر كثير من المراقبين أن التحركات الإماراتية المتسارعة بجزيرة سقطرى، تأتي في سياق تحويل الجزيرة إلى قاعدة عسكرية "إماراتية-إسرائيلية"، لا سيما بعد الإجراءات الإماراتية ضد اليمنيين في الوصول إليها.
اليمنيون عمالة وافدة!
وكانت آخر التحركات التي أثارت استياء اليمنيين، قرار المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتياً باليمن، تأسيس مكتب في سقطرى جنوب شرقي البلاد، لتسجيل العمالة اليمنية الوافدة من خارج الجزيرة، كما يجري مع الأجانب.
وكشفت وسائل إعلام يمنية مطلع نوفمبر 2020، قيام "قوات المجلس الانتقالي بتأسيس مكتب للعمالة اليمنية الوافدة إلى سقطرى"، بالمخالفة للقوانين اليمنية.
وتابعت: "المكتب يسجل بيانات اليمنيين الوافدين من خارج سقطرى، ومنحهم تصاريح عمل في الجزيرة، ومعاملتهم كأجانب رغم جنسيتهم اليمنية".
وأوضحت أن "القرار يعد تعزيزاً للأطماع الإماراتية في السيطرة على جزيرة سقطرى، ذات الموقع الاستراتيجي المميز (جنوب شرقي البلاد)، حيث تعد نقطة التقاء المحيط الهندي ببحر العرب".
وكان "المجلس الانتقالي" بسقطرى أعلن على موقعه الإلكتروني، أنه أقر في اجتماع للجنة الأمنية، برئاسة رئيس القيادة المحلية في المحافظة رأفت الثقلي، إنشاء مكتب العمالة الوافدة.
غضب شعبي
ولاقت هذه الخطوة غضباً في أوساط اليمنيين، فقد شارك الصحفي الجنوبي أنيس منصور، مقطعاً مسجلاً سابقاً له، تحدث فيه عما يجري في سقطرى، وعلق عليه قائلاً: "هل تذكرون عندما حذَّرت ونبَّهت بأن هادي (الرئيس اليمني) باع سقطرى، وانهال ضدي كثيرون بالتكذيب والنفي والدفاع عن هادي، أين سقطرى اليوم ومن يحكمها بقانون العمالة الوافدة؟!".
أما محمد النعماني فقد نشر سلسلة تغريدات، قال في إحداها: "الإمارات منعت مواطني اليمن سواء كانوا من الشمال أو الجنوب، من دخول الإمارات ضمن مواطني 13 دولة، وفي الوقت نفسه تحتل محافظات الجنوب اليمني وتوفد مواطنين إماراتيين للسكن والإقامة في بعض محافظات الجنوب، وهي ترسل العمالة الأجنبية من البنغال إلى جزيرة سقطرى تحت ستار إعادة الإعمار".
أما المحلل السياسي اليمني خليل العمري، فقد كتب على صفحته بـ"تويتر": "كان لديَّ بصيص أمل في أن الانتقالي لا بد أن يأتي يوم ويكون مكوناً يمنياً محترماً، لكن بعد افتتاح مكتب العمل لتنظيم العمالة الوافدة إلى سقطرى، عرفت أنه جماعة عنصرية غارقة في الوسَخ".
فيما رأى الكاتب والمحلل السياسي عادل دشيلة، أن تدشين الإمارات مكتب العمالة الوافدة "محاولة لجرف كل ما له علاقة بالدولة الوطنية اليمنية، كما أن هناك محاولة لطمس الهوية الثقافية اليمنية، فيما ما زالت الحكومة منتظرة تطبيق اتفاق الرياض!"
حكومة فاشلة
وبدا أنَّ صمت الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، عن تلك الخطوة، خيَّب آمال كثير من اليمنيين، فقد رأى الباحث اليمني نجيب السماوي، أن ما تقوم به الإمارات ومليشياتها في سقطرى وعدن، يرجع إلى "الصمت المستغرب وربما التواطؤ مع أبوظبي".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، يقول السماوي: إن "الإمارات ترغب في السيطرة كلياً على سقطرى، والاستفادة منها سياحياً؛ لما تملكه الجزيرة من مناظر خلابة، إذ تعد واحدة من أجمل الجزر بالعالم".
ويضيف: "يظل الهدف الأهم للإمارات في جزيرة سقطرى هو موقعها الاستراتيجي الذي يتلاءم تماماً مع تصور الإمارات لنفسها كإمبراطورية بحرية، تسيطر على خطوط إمدادات الطاقة عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب، والسيطرة على ميناء عدن الاستراتيجي، ولذلك فهي تريد التخلص من أكبر عدد من سكانها وجلب مواطنيها وجنسيات مختلفة".
وتابع: "استغلت الإمارات انشغال الحكومة الشرعية والرأي العام في البلاد، بالحرب أواخر عام 2015، لبناء نفوذ لها في محافظة أرخبيل سقطرى، تحت لافتة العمل الخيري، مستغلةً إعصاري (تشابالا) و(ميغ) اللذين ضربا الجزيرة وأحدثا دماراً هائلاً في بنيتها التحتية، وصولاً إلى دعم الانتقالي والانقلاب على الحكومة الفاشلة".
وأشار إلى أنَّ منع اليمنيين من دخول سقطرى لم يكن وليد اللحظة؛ بل بدأ منذ نحو عام وتصاعد بشكل تدريجي حتى وقع الانقلاب منتصف 2020، وصولاً إلى خطة ما سمي "استقدام العمالة من اليمن"، معتقداً وجود مخططات أخرى قد تقوم بها الإمارات خلال الفترة المقبلة.
الإماراتيون في سقطرى
منتصف شهر يونيو 2020، بدأت القوات الموالية للإمارات بإجبار كثير من العمالة اليمنية في الجزيرة من خارجها على مغادرتها، وترك أعمالهم فيها، ومنع السياحة لليمنيين.
وفي مقابل ذلك ازدادت أعداد الإماراتيين بالجزيرة، والطائرات والسفن القادمة من الإمارات، ضمن رحلات يومية، تارة تنقل جنوداً ورجال مخابرات وتارة مليشيات، فيما غاب الدور السعودي بشكل شبه كامل، رغم وجود نحو 1000 جندي.
كما اتهم نائبان في البرلمان اليمني شركة اتصالات إماراتية بإنشاء 8 أبراج للاتصالات في سقطرى دون علم الحكومة اليمنية، وإجبار المواطنين على الاشتراك في كهرباء استقدمتها أبوظبي، وإيقاف محطة الكهرباء الحكومية.
وبدأ الحديث عن العلاقة المتخيلة بين سقطرى والإمارات منذ 2018، عندما سُرّب للمؤرخ الإماراتي حمد المطروشي فيديو خلال لقاء جمعه بعدد من شيوخ وأفراد من أرخبيل سقطرى موالين للإمارات، قال فيه: إن سكان سقطرى "سيكونون جزءاً من دولة الإمارات، وسيُمنحون جنسيتها"، ويضيف: إن هذا الأمر أصبح "مفروغاً منه".
ووصل الأمر بالإماراتيين أيضاً إلى هدم إحدى المناطق الأثرية المطلة على البحر لبناء قصور شخصية، كما برز قيام مندوب "مؤسسة خليفة"، خلفان مبارك المزروعي، المكنى بـ"أبو مبارك"، بشراء أراضٍ بمساحات شاسعة في السواحل بالقرب من الميناء وأخرى في منطقة نوجد، جنوبي الجزيرة، إضافة إلى الاستيلاء على مساحات في محمية دكسم، المحميَّة من البناء عليها بموجب القانون اليمني.
ومؤخراً كشفت وسائل إعلام ومنظمات دولية، أواخر أغسطس 2020، عن إنشاء الإمارات و"إسرائيل" بنية تحتية لجمع المعلومات الاستخباراتية في جزيرة سقطرى اليمنية، التي يسيطر عليها "الانتقالي" الموالي لها منذ يونيو 2020.
ومن بين تلك المنظمات، "ساوث فرونت" الأمريكية، التي قالت إنها حصلت على معلومات من مصادر عربية وفرنسية تفيد بأن "إسرائيل" والإمارات ستنشئان بنية تحتية لجمع المعلومات الاستخباراتية العسكرية في جزيرة سقطرى اليمنية.
التعليقات