تواجه صناعة الإسمنت في اليمن تحديات جسيمة تهدد القدرات التشغيلية والإنتاجية للمنشآت العاملة مع تفاقم الأزمات الاقتصادية وتدهور القطاعات الخدمية وتفكك المنظومة التمويلية والاستثمارية الحاضنة الرئيسية لتشجيع ودعم ونمو مثل هذه الصناعات والمنشآت الإنتاجية.
ويواصل هذا القطاع الصناعي تدهوره وانحداره في مرحلة مهمة قد تجعله محور اهتمامات وتزيد الحاجة لمثل هذه المنتجات الصناعية لبرامج ومشاريع إعادة الإعمار.
ويعتبر المسؤول السابق في المؤسسة العامة اليمنية للإسمنت (حكومية)، عادل سعيد، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الإغراق والتقليد والغش والاستيراد المفتوح بدون معايير أو ضوابط أهم تحد يواجه صناعة الإسمنت والمنشآت العاملة في هذا المجال، بالإضافة إلى تراجع الإنفاق الحكومي بالتوازي مع انخفاض قدرات البنوك وتأثير ذلك على إحجامها ومشاركتها في تمويل مشاريع الإسمنت وتقديم القروض اللازمة لتحديث المصانع العاملة في قطاع الإسمنت.
وتبرز كلفة الإنتاج المرتفعة كتحدٍّ يهدد بقاء المنشآت المحدودة العاملة في صناعة الإسمنت في اليمن، وعائق أساسي أمام أي جهود تهدف لانتشال هذا القطاع الصناعي الحيوي، حسب سعيد.
الخبير الهندسي والفني في مجال الصناعات الاستخراجية يحيي العوامي، يوضح لـ"العربي الجديد"، أن اليمن يتميز بتوافر فرص واعدة في صناعة الإسمنت التي تعتمد على المواد الخام المتوفرة محلياً بنسبة تزيد على 85%، لكن المشكلة التي تواجهها هذه الصناعة مؤخراً تتمثل في ارتفاع تكاليف الإنتاج وتدهور المنشآت العاملة وحاجتها للتحديث والتأهيل، إذ إن تقادم معداتها التشغيلية وطريقة عملها التقليدية أثر على قدراتها الإنتاجية بنسبة تتراوح بين 30 و50%.
وتقدر الدراسات الاستكشافية الصادرة عن الهيئة العامة للمساحة الجيولوجية والثروات المعدنية، احتياطي اليمن من خام الحجر الجيري، الخام الرئيسي في صناعة الإسمنت، بنحو 13.6 مليار متر مكعب، بالإضافة إلى حوالي 4.6 مليارات متر مكعب الاحتياطي المقدر من خام الجبس.
ويشير العوامي إلى مشكلة ارتفاع أسعار الطاقة لتشغيل مصانع ومنشآت الإنتاج، إضافة إلى البنية التحتية المتدهورة وارتفاع تكاليف النقل، والإغراق والغش والتقليد وجودة المواد والخامات المستخدمة في هذه الصناعة.
وحسب بيانات رسمية، حقق القطاع الصناعي في اليمن بشقيه الاستخراجي والتحويلي انكماشاً سنوياً مستمراً وصل إلى حوالي 17% جراء توقف الكثير من العمليات الإنتاجية في القطاع بسبب عدم وجود الطاقة الكافية (كهرباء، مشتقات نفطية) واللازمة لعملية الإنتاج، فضلاً عن صعوبة حصول القطاع على المواد الخام والمستلزمات الوسيطة اللازمة للعملية الإنتاجية.
ويربط خبراء اقتصاد بين تفشي الفساد بكافة أشكاله وصوره والزيادة المطردة في التكاليف الإنتاجية، إضافة إلى محدودية البنية التحتية لعمل القطاعات الصناعية وبالذات مصادر الطاقة اللازمة لعملية التشغيل (كهرباء، مشتقات نفطية).
من جانبه، يشدد رئيس اللجنة الصناعية بالاتحاد العام اليمني للغرف التجارية والصناعية أنور جار الله، في حديثه لـ"العربي الجديد"، على أن الوقت حان للنظر إلى هذا النوع من الأنشطة الصناعية التي تساهم في امتصاص البطالة ومكافحة الفقر في اليمن، إذ إن المطلوب تكوين شراكات متعددة وخطط عمل للارتقاء بمثل هذه الصناعات في اليمن وتطوير جودتها، فضلاً عن دعم ومساندة القطاع الخاص والاستفادة من تجربته وإمكاناته في تطوير القطاعات الصناعية الواعدة.
ويلفت جار الله إلى مشكلة تكاليف الحصول على الطاقة التي يؤكد أنها تفوق قدرات القطاع الصناعي في اليمن وتجعل استمراره على المحك في حال استمر الوضع على ما هو عليه.
تنتج مصانع الإسمنت العاملة في اليمن أكثر من طاقاتها التصميمية، غير أنه لا يلبي حاجة السوق المحلية، ويتم تغطية هذا الاحتياج عن طريق استيراد الإسمنت من الخارج على الرغم من توفر المواد الخام الأولية الداخلة في صناعة الإسمنت في اليمن بكميات اقتصادية ونوعيات جيدة تسمح بإقامة العديد من مصانع الإسمنت.
في السياق، تجري الاستعدادات لتشغيل أول مصنع إسمنت في عدن العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، بتكلفة 70 مليون دولار، وبقدرة إنتاجية تصل إلى نصف مليون طن من مادة الإسمنت سنوياً.
ودعت هيئة المنطقة الحرة الحكومية في عدن التي تشرف على مثل هذه المشاريع التي تنفَّذ في المنطقة الحرة، المستثمرين المحليين إلى الاستفادة من الفرص المتوفرة للاستثمار في هذا المجال والنهوض بالقطاع الصناعي لتعزيز الإنتاج المحلي وتنويع واستقلالية الاقتصاد الوطني.
وتدرس الجهة المختصة بالمواصفات والمقاييس إصدار تحديث جديد للمواصفات القياسية لمادة الإسمنت، وتطبيق اشتراطات ومعايير حماية البيئة.
كما أطلقت جمعية حماية المستهلك مجموعة من الأنشطة والبرامج الهادفة إلى رفع الوعي لدى المجتمع وتعزيز الثقافة الاستهلاكية لاستخدام منتجات الإسمنت في البناء لضمان كفاءتها وجودتها.
بدوره، يؤكد الباحث الاقتصادي منير القواس لـ"العربي الجديد"، على ضرورة تقديم الحوافز الاستثمارية لتشجيع القطاع الخاص على الدخول في صناعة الإسمنت، وإزالة العقبات التي تواجههم، وإعادة تأهيل المصانع الحكومية والخاصة المدمرة والمتوقفة.
العربي الجديد
التعليقات