حوالي مليار دولار تكبدتها الحكومة اليمنية جراء استمرار توقف تصدير النفط منذ نحو ثمانية أشهر، وسط شكاوى من أزمة مالية حادة يعانيها البلد الذي يواجه واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم.
وتوقف تصدير النفط في أكتوبر العام الماضي إثر هجمات شنها الحوثيون على عدد من الموانئ النفطية الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا، في محافظتي حضرموت وشبوة في جنوب البلاد.
وحينها قوبلت هذه الهجمات بإدانات محلية ودولية واسعة، فيما شدد الحوثيون على أنهم نفذوا فقط “رسائل تحذيرية لمنع نهب ثروات اليمن إلى الخارج”.
ويعتبر قطاع النفط والغاز أهم مصدر لمعظم إيرادات الحكومة في اليمن، أحد أشد البلدان العربية فقرا. وتراجع إنتاج النفط إلى 55 ألف برميل يوميا، بعد أن كان قبل الحرب ما بين 150 و200 ألف برميل يوميا، في حين كان يزيد عن 450 ألف برميل يوميا في العام 2007، وفقا للبيانات الرسمية.
تحذيرات متصاعدة
في أكثر من مناسبة حذرت الحكومة اليمنية من عواقب اقتصادية كارثية جراء استمرار توقف تصدير النفط، مطالبة بضغط دولي على الحوثيين لوقف هجماتهم على الموانئ النفطية.
وفي آخر المواقف الحكومية، صرح رئيس مجلس الوزراء معين عبدالملك، خلال اجتماع بالعاصمة المؤقتة عدن في الرابع والعشرين من مايو الماضي، بأن “الحكومة اليمنية تتحمل أعباء باهظة جراء الأثر الاقتصادي للاعتداءات الحوثية على قطاع النفط، واستمرار نهبها للإيرادات وتعميق معاناة المواطنين في مناطق سيطرتها”.
وكشف عبدالملك عن "تحديات تمويلية تواجه الحكومة في تنفيذ التزاماتها الحتمية، مع تراجع الإيرادات العامة جراء الاستهداف الحوثي لموانئ تصدير النفط، وتأثير ذلك على جهود تحسين الخدمات"، حسب بيان لرئاسة مجلس الوزراء.
وتزامنا مع تصريحات عبدالملك، قال مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة عبدالله السعدي في اليوم نفسه إن “بلاده خسرت حوالي مليار دولار جراء توقف تصدير النفط، كانت مخصصة لتحسين الخدمات العامة ودفع المرتبات في كافة أنحاء اليمن”.
وحذر السعدي خلال جلسة نقاش مفتوحة في مجلس الأمن الدولي “من تداعيات استنزاف قدرة حكومة اليمن على الصمود بسبب انكماش الاقتصاد الوطني إلى النصف نتيجة الحرب”.
وطالب السعدي المجتمع الدولي “بالضغط على الحوثيين لوقف خروقاتهم ونهبهم لمقدرات الشعب اليمني واستهداف المنشآت الحيوية والبنى التحتية، والالتزام بالتهدئة كأولوية إنسانية”.
ووصل القلق بشأن مستقبل اقتصاد اليمن جراء توقف تصدير النفط، إلى الأمم المتحدة، وجلسات مجلس الأمن الدولي.
وفي هذا الشأن، أعرب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ عن قلقه “من تردي الوضع الاقتصادي في البلاد، والقيود المفروضة على الحركة، وما يتبع ذلك من أثر على النشاط الاقتصادي وحياة الناس”.
وأفاد غروندبرغ خلال إحاطة له في جلسة لمجلس الأمن الدولي في السابع عشر من مايو الماضي بأنّ “عدم تمكن الحكومة اليمنية من تصدير النفط، الذي مثّل أكثر من نصف إجمالي الإيرادات الحكومية العام الماضي، يفرض ضغوطا عليها تؤثر على الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب”.
أزمة نقد أجنبي
أدى توقف تصدير النفط إلى فقدان الحكومة المعترف بها لمورد نقدي مهم، ما تسبب في استمرار تراجع الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.
وحاليا يشهد الريال أدنى تراجع له منذ أكثر من عام، حيث وصل سعر الدولار إلى أكثر من 1300 ريال، ما أدى إلى ارتفاع في الأسعار وتأثير مباشر على حياة اليمنيين.
ويرى الخبير الاقتصادي ماجد الداعري أن “توقف تصدير النفط أدى إلى حرمان الدولة الشرعية أكثر من 70 في المئة من مواردها المالية لتمويل ميزانيتها العامة، إضافة إلى تسببه بغياب النقد الأجنبي في السوق المحلية”.
وأضاف الداعري أن ذلك يعني “عجز الدولة وبنكها المركزي عن أي تدخل بسوق الصرف أو إيجاد أي سياسة نقدية لتعزيز قيمة العملة المحلية، إضافة إلى عجز عن إيجاد أي مصدر آخر مواز لتوفير مصدر دخل بالعملة الصعبة”.
وشدد الباحث اليمني قائلا “أجزم بنجاح ضغوط الحوثيين في فرض شروطهم بصرف مرتبات كافة موظفي الدولة اليمنية بكل المناطق من عوائد النفط ،كشرط لسماحهم باستئناف تصدير النفط وإيقاف هجماتهم على موانئ التصدير”.
ويتخذ الحوثيون بشكل متكرر إجراءات عسكرية وسياسية في سبيل الضغط على الحكومة من أجل تقديم المزيد من التنازلات في أي مفاوضات مقبلة. كما يشترط الحوثيون على الحكومة صرف جميع رواتب الموظفين في صنعاء والمحافظات الأخرى الخاضعة لسيطرة الجماعة مقابل السماح بإعادة تصدير النفط.
ويفيد الكاتب والباحث عزيز الأحمدي بأن “الحوثيين يهدفون من وراء منع الحكومة من تصدير النفط إلى فرض المزيد من الإملاءات عليها”.
وأضاف الأحمدي أن “الحوثيين يريدون إجبار الحكومة على القبول بصرف رواتب مقاتليهم من عوائد النفط، كمرحلة أولى نحو مقاسمتها كافة الموارد في المناطق الواقعة تحت سيطرتها”.
وتابع الأحمدي “الحوثيون اعتادوا على فرض شروطهم ومطالبهم عبر التصعيد واستخدام كافة الأوراق المتاحة لديهم، وهم يستثمرون مؤخرا حالة ‘السأم’ التي وصل إليها التحالف العربي، والتي دفعته إلى تركيز كل جهوده لدعم مساعي وقف الحرب وإنهاء الصراع”. وحذر الباحث اليمني من أن “استمرار توقف تصدير النفط خطوة لها تبعات قاسية على الاقتصاد المتدهور في البلد الفقير”.
ورجح الأحمدي أن “يؤثر توقف تصدير النفط بشكل كبير على المالية العامة للحكومة التي تعتمد على النفط كمورد رئيسي، ما يهدد بحدوث شلل في نشاطها يفقدها القدرة على الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه الإنفاق على الخدمات، لاسيما دفع الرواتب وتشغيل القطاعات الحيوية”.
وعلى الرغم من المطالبات الدولية والأممية المتكررة بضرورة تحييد الاقتصاد في الحرب اليمنية، فإن الوضع العام لا يزال مستمرا في التفاقم.
ويشير عبدالله الصبري، موظف في القطاع الخاص في مدينة تعز جنوب غربي اليمن، إلى أنه يفترض من جميع أطراف النزاع الالتزام بأخلاقيات الحرب. وأضاف أن من الضروري دائما تحييد الجانب الاقتصادي والإنساني عن الصراع العسكري والسياسي المستمر في البلاد.
ولفت إلى أن المواطن اليمني البسيط هو المتضرر من أي صراع اقتصادي، بينما أطراف النزاع تواصل تكديس الأموال دون أي رحمة بالشعب. وطالب الصبري بضرورة التوافق على تجنيب اقتصاد البلاد المزيد من الدمار، كون اليمنيين لم يعد بوسعهم تحمل المزيد من المعاناة والمأساة.
المصدر: د. ب. أ
التعليقات