اضطر الكثير من الشركات والمؤسسات الزراعية والسمكية والصناعية وشركات تقديم الخدمات التسويقية وتجهيز الصادرات في اليمن إلى تسريح أعداد كبيرة من العمالة نتيجة للتدهور والتعثر الذي طاول معظم هذه الأنشطة الاقتصادية.
وحسب تقرير صادر عن مركز تنمية الصادرات، فإن الانخفاض الكبير في الواردات من السلع الغذائية الأساسية وغير الأساسية بالإضافة إلى توقف إنتاج أعداد كبيرة من المصانع الغذائية المحلية بسبب الانخفاض الكبير في الواردات من المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، زاد من اعتماد اليمن على الاستيراد لتشمل معظم احتياجاته الغذائية والاستهلاكية، وبنسبة تصل إلى أكثر من 85 في المائة.
وفاقم ذلك من حدة الأزمة الإنسانية مع ارتفاع فاتورة الغذاء والدواء المستورد من الخارج إلى ما يزيد عن 5 مليارات دولار سنوياً. ويحتاج اليمن كما ورد في التقرير إلى توفير احتياطي نقدي بالعملات الأجنبية لا يقل عن 10 مليارات دولار يغطي تكاليف الواردات السلعية والخدمية للفترة القادمة وتنمية الأنشطة الإنتاجية والتصدير للمنتجات اليمنية، وذلك بدلاً عن الاحتياطات النقدية التي استنفذت بسبب الحرب ولم تعوض.
ويؤكد نبيل عبد القادر من مركز تنمية الصادرات الحكومي لـ"العربي الجديد"، أهمية إيجاد احتياطي نقدي لتغطية تكاليف الواردات السلعية والخدمية وإعادة النشاط التصديري والمساهمة في إيجاد استقرار في أسعار صرف الريال اليمني أمام العملات الأجنبية.
وشدد على ضرورة إعادة أسعار السلع والخدمات في الأسواق المحلية إلى المستوى التي كانت عليه قبل الحرب، بعدما سجلت ارتفاعات كبيرة جداً خلال الأعوام الثمانية الماضية، بشكل ضاعف من معاناة المواطنين في الحصول على احتياجاتهم الغذائية والسلعية والخدمية الضرورية.
فيما تكشف أحدث إحصائية صادرة عن الهيئة العامة اليمنية للمصائد السمكية مطلع يناير/ كانون الثاني 2023، عن تكبد القطاع السمكي في البحر الأحمر خسائر مادية بلغت 12.6 مليار دولار، منها 5.6 مليارات دولار خسائر ناتجة عن توقف الإنتاج السمكي والمشاريع الاستثمارية وتعثر شركات التصدير.
ويشدد عمار العبسي، مدير جمعية للإنتاج السمكي، في حديث مع "العربي الجديد"، على أهمية إيلاء ملف القطاعات الإنتاجية حقه من الاهتمام في أي مفاوضات ومناقشات لإحلال السلام في اليمن، وحل مشكلة العاملين في هذه القطاعات كالقطاع السمكي الذي تكبد خسائر جسيمة وفقد عدداً كبيراً من الأيدي العاملة.
ويدعو العبسي إلى إنشاء صندوق لدعم الإنتاج والصادرات من الأسماك ومنتجاتها بتمويل من الجهات المانحة الدولية، لانتشال هذا القطاع من وضعيته المتدهورة ومساعدة مصدري الأسماك اليمنيين على المنافسة في الأسواق الدولية.
والحقت الحرب أضرار بالغة في قطاعات اليمن الإنتاجية والخدمية بالذات القطاع السمكي الذي يمثل أهمية كبيرة في الاقتصاد اليمني نظرًا لتنوع وتجدد موارده، التي يمكن استغلالها في تنويع موارد الدخل ومكافحة البطالة والفقر بالنظر إلى قدرة هذا القطاع والأنشطة المرتبطة به على توفير الآلاف من فرص العمل لليمنيين.
وتسبب الانكشاف الاقتصادي في اختلال الميزان التجاري بشكل واسع بين صادرات اليمن من الأسماك والمنتجات الزراعية لصالح الواردات بنسبة تزيد على 85 في المائة، في حين كانت هناك تبعات عديدة في تراجع عملية الاصطياد واتساع الفجوة الغذائية، في ظل أزمة إنسانية يكتوي بنارها معظم سكان البلاد.
بالمقابل، أدى التوقف شبة التام للصادرات بالأخص النفطية والغازية إلى عدم القدرة على تمويل الواردات من السلع الغذائية، ناهيك عن دفع قيمة الواردات من المشتقات النفطية التي تصل إلى أكثر من 4 مليارات دولار خاصة بعد ان توقفت مصافي عدن عن العمل والذي يشكل إنتاجها حوالي 90 في المائة من المشتقات النفطية لأغراض الاستهلاك الداخلي.
الخبير في القانون التجاري إبراهيم عقلان يقول لـ"العربي الجديد" إن الوقت قد حان، في ظل التحركات الدائرة أخيراً لوقف الصراع، لحل مختلف الملفات المعقدة وإعادة بناء ما دمرته الحرب بالذات فيما يتعلق بنشاط التجارة الخارجية اليمنية من بنية تحتية أساسية وخدمية مؤسسية وإدارية وفنية والطرق والجسور.
ويلفت إلى أن المنشآت والأسواق والمراكز التجارية ومستودعات السلع والمشتقات النفطية، والمؤسسات العاملة في الإنتاج الزراعي والسمكي والصناعي، كانت تستوعب كتلة كبيرة من الأيدي العاملة والأخيرة فقدت مصدر دخلها الوحيد مما فاقم من حدة الأزمة الإنسانية إلى مستويات حرجة في اليمن.
ويرى عقلان أن الضرورة تقتضي كذلك إعادة تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية لليمن مع مختلف الدول العربية والإسلامية والأجنبية وتعزيزها وتطويرها لتعظيم الاستفادة منها في إعادة الإصلاح والإعمار وبناء ما دمرته الحرب. كما يتطلب ذلك إعادة تفعيل العلاقات الاقتصادية والتجارية لليمن مع البنوك والمصارف والصناديق المالية الإقليمية والدولية.
العربي الجديد
التعليقات