اشتد الصراع الدائر في اليمن حول قطاع الطاقة في ظل ما يجري من ترتيبات ترتبط بالملف السياسي وجهود التهدئة وحل الملفات الشائكة والمعقدة والتي يتصدرها إعادة تشغيل أكبر مشروع اقتصادي في البلاد متمثل بمشروع الغاز الطبيعي المسال.
وساهمت الحرب الروسية في أوكرانيا وما رافقها من تبعات وأزمات اقتصادية في لفت الأنظار لقطاع الغاز المسال في اليمن وتوقف عملية التصدير منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يزيد على سبع سنوات.
ويواجه اليمن ضغطا دوليا لتحسين مركز المالية العامة واستغلال مختلف القنوات الإيرادية والقطاعات الإنتاجية التي توفر جزءا من احتياجات البلاد من العملة الصعبة، وتشكل أرضية مناسبة للحل السياسي وجهود السلام وإعادة تجديد وتوسيع الهدنة المتعثرة منذ 2 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي 2022، بسبب ما ظهر أنه خلاف حول عدة محاور منها إعادة تصدير الغاز المسال واستخدام جزء من عائداته لصرف رواتب الموظفين المدنيين.
وعلمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة أن جهود إعادة تصدير الغاز اليمني المسال تصطدم بعقبات وتحديات متعددة أهمها ما يتعلق بمراجعة التسعيرة السابقة والتي في حال العمل بها قد تكون استفادة اليمن ضئيلة من عائداته نتيجةً لبروز مقترحات تعرض أن تتولى إحدى الدول في التحالف مهام الإشراف على إعادة تشغيل مشروع بلحاف وتصدير الغاز اليمني المسال، إضافة إلى موقف الشركات المستثمرة والمصدرة بحجة تكبدها لخسائر فادحة بسبب توقف التصدير وتعثر المشروع.
ويعتبر الخبير الاقتصادي مطهر عبد الله، في حديثة لـ"العربي الجديد"، أن التحركات الراهنة لإعادة تصدير الغاز المسال قضية جوهرية تتطلب التعامل معها بمسؤولية وبشكل وطني بما يؤدي إلى تغليب المصلحة العامة وتعظيم فوائد ومكاسب اليمن في الظرف الصعب الراهن الذي يمر به.
ويحذر من إعادة تصدير الغاز اليمني المسال وفق الآليات السابقة والتي تحدد سعر المليون وحدة حرارية بحوالي 3 دولارات، إذ ستكون بمثابة فضيحة وجريمة بحق الوطن والبلد والشعب والأجيال القادمة، لأن هناك تغييرات واسعة في السوق الدولية ووصول سعر المليون وحدة حرارية من الغاز المسال إلى نحو 60 دولارا.
لذلك يدعو عبد الله الحكومة اليمنية إلى أن ترمي بكل ثقلها في العمل على مراجعة تسعيرة الغاز والوقوف على حصة الحكومة من عائداته والتي بحال تمت مراجعة الأسعار، فسترتفع بحوالي 20 ضعفا عما هو محدد بالتسعيرة السابقة.
وبدأ اليمن إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي المسال عام 2009، ويبلغ إجمالي الطاقة الإنتاجية للمشروع 6.7 ملايين طن متري سنوياً.
وساهمت عائدات صادرات الغاز فقط بحوالي 6.9 % و5.1 % من إجمالي إيرادات الموازنة العامة عامي 2014 و2015 على التوالي. في السياق، يقول الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن مشكلة الاقتصاد اليمني وحلحلة الملفات الشائكة والمعقدة أكبر من عملية تصدير الغاز الطبيعي المسال، لكن إيراداته مهمة بالنسبة لليمن في توفير العملة الصعبة.
وتقدر عائدات تصدير الغاز الطبيعي المسال في اليمن بنحو مليار دولار سنوياً بالأسعار القديمة، وهذا الذي من المفترض ألا يستمر بحسب العوبلي الذي يشدد على أن إعادة التصدير يجب أن تترافق مع مراجعة بنود الاتفاقية وتطبيق الأسعار العالمية للغاز ومعالجة مختلف أوجه الفساد التي رافقت الاتفاقية السابقة وتطبيع وتسوية جميع المتعلقات مع الشركة المستثمرة "توتال" الفرنسية.
يتطرق العوبلي إلى عدم القدرة حتى الآن على استعادة ما كان اليمن ينتجه من النفط الخام قبل الحرب الدائرة منذ ما يزيد على سبع سنوات، إذ كان حجم الإنتاج يصل إلى نحو 150 ألف برميل يومياً، بينما لا تصل الكمية المنتجة حالياً إلى نصف هذا الرقم من الإنتاج السابق قبل العام 2015، بالرغم من أن هناك حقولا جاهزة للإنتاج مثل حقل "جنة هنت" في شبوة والذي بإمكانه أن يرفد اليمن بما يقارب 25 إلى 30 ألف برميل يومياً وبالتالي رفع عائدات اليمن من النفط الخام بأكثر من 30%.
كما أن هناك متعلقات مهمة ترتبط بهذا القطاع خاصة بالمشتقات النفطية كما يشرح هذا الباحث الاقتصادي، "فعندما تبيع مثلا برميل النفط بنحو 100 دولار، في المقابل تقوم بشراء نفس الكمية بما يناهز 300 دولار، الأمر الذي يقتضي إعادة تشغيل مصافي عدن لتكرير النفط أو بناء مصاف جديدة".
أمر يعتبره العوبلي بمثابة الحل الأفضل للاقتصاد اليمني الذي يتكبد مبالغ طائلة توجه لشراء المشتقات النفطية والتي وصلت بحسب تقديرات البنك المركزي اليمني في عدن إلى ما يقارب 2.8 مليار دولار عام 2021.
وطالب صندوق النقد الدولي في تقرير صادر بتاريخ 5 أكتوبر/ تشرين الأول الحكومة اليمنية بالعمل على مراجعة الدعم المقدم للكهرباء والخاص باستيراد المشتقات النفطية، والذي من شأنه إلى جانب إجراءات أخرى تحسين مركز المالية العامة على نحو دائم، وخفض التمويل من البنك المركزي اليمني، بما يخفف من شدة الضغوط على سعر الصرف، وحماية القوة الشرائية للأسر المعيشية.
ويرى خبراء اقتصاد أن أسعار المشتقات النفطية في اليمن ستظل عند مستويات مرتفعة، مما يشير إلى أن التداعيات والآثار السلبية للحرب الروسية الأوكرانية ستكون أكثر عمقا على أسعار السلع والخدمات الأخرى لارتباطها الوثيق بالوقود، مما يزيد معاناة الفئات الضعيفة ومعدلات الجوع وانعدام الأمن الغذائي.
ويلفت الباحث الاقتصادي سامي الشميري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن جزءا من متطلبات خلق بيئة مواتية لعملية سياسية شاملة تنهي الصراع الدائر يتمثل في تفعيل مجمل النشاط الاقتصادي في البلاد والذي يأتي في طليعته إعادة تصدير الغاز المسال.
والذي كما يبدو من الشروط التي يضعها المانحون والداعمون والمؤسسات المالية والنقدية الدولية، لأنه من غير المعقول أن تطالب بدعم المجتمع الدولي وفي نفس الوقت لديك موارد متعثرة لا تعمل على تفعيلها وفق الشميري.
الجدير بالذكر أن إيرادات النفط والغاز تعد المورد الرئيسي للموازنة العامة للدولة في اليمن، حيث ساهمت بحوالي 53.6% من إجمالي الإيرادات العامة للدولة خلال الفترة 2010 – 2014. وانخفضت إيرادات النفط والغاز بحوالي 77.1% بسبب تداعيات الصراع الدائر في العام 2015.
في المقابل، انكمشت إيرادات النفط والغاز بمبلغ قدره 3.7 مليارات دولار سنوياً. وهذا المبلغ يتجاوز إجمالي نفقات الموازنة العامة للدولة على التعليم والصحة والحماية الاجتماعية، مما أجبر الموازنة على وقف معظم بنود النفقات بما فيها تعليق مشاريع البرنامج الاستثماري العام، وتعليق صرف الإعانات النقدية للفقراء.
التعليقات