نشرت وكالة "رويترز" تحليلا، تناولت فيه تداعيات نشر الولايات المتحدة لتقرير استخباراتها بشأن مدى تورط ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، بقتل الصحفي جمال خاشقجي، عام 2018.
واعتبرت الوكالة أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تسعى لـ"تحجيم ابن سلمان في الوقت الحالي".
وأوضحت رويترز أن ولي عهد المملكة، وإن نجا من العقاب المباشر إزاء تأكيد الاستخبارات الأمريكية تورطه بالأمر بقتل أو خطف خاشقجي، إلا أنه "لم يخرج سالما تماما".
وبقرار بايدن نشر التقرير، الذي رفض سلفه دونالد ترامب نشره، يعود التركيز العام من جديد في موقف واشنطن من التعامل مع المملكة على سجلها في حقوق الإنسان، وعلى مشترياتها الضخمة من السلاح الأمريكي.
وبتوجيه الاتهام علنا لابن سلمان، الذي يتولى فعليا إدارة شؤون المملكة، جعلت واشنطن من الصعب على حلفائها الغربيين التعامل معه، وفق تحليل رويترز، الذي استدرك بالإشارة إلى أن واشنطن تدرك أنها لا تستطيع أن تتحمل قطيعة مع أقدم حلفائها العرب وقوة التوازن الرئيسية في المنطقة في مواجهة إيران.
وتنقل رويترز عن "إليزابيث كيندال"، الزميلة الباحثة في الدراسات العربية والإسلامية بجامعة أكسفورد، قولها إن التقرير "محرج بدرجة شديدة للسعودية"، كما أنه "يضع زعماء عالميين آخرين في وضع حرج يتعين عليهم أن يقرروا فيه ما إذا كانوا سيواصلون التعامل مع ولي العهد، ومتى وكيف ذلك".
"حقوق الإنسان" تضبط إيقاع العلاقات
ونفى الأمير محمد ضلوعه بأي شكل من الأشكال في قتل خاشقجي، الذي أدى إلى الزج بثمانية أشخاص في السجن في السعودية العام الماضي، لكنه قال إنه يتحمل المسؤولية النهائية؛ لأن الجريمة حدثت وهو في موقع السلطة.
وفرضت الإدارة الأمريكية عقوبات على 76 سعوديا، من بينهم معاونون مقربون من الأمير، لكنها استثنت ولي العهد نفسه.
غير أن بايدن أشار إلى أنه سيبحث بصفة أعم وضع حقوق الإنسان في السعودية، التي سحق فيها ولي العهد المعارضة، وعمل على تحييد خصومه، أو الزج بهم في السجون، وبعضهم من أقرب أقاربه، في إطار حملته لإحكام قبضته على السلطة.
وقال بايدن، يوم الجمعة، إنه أوضح في مكالمة مع الملك سلمان أن قتل المعارضين السياسيين غير مقبول، وأنه لابد من معالجة انتهاكات حقوق الإنسان.
وقد أفرجت السلطات السعودية بالفعل بكفالة عن اثنين من الناشطين السعوديين يحملان الجنسية الأمريكية، وذلك لحين تقديمهما للمحاكمة.
كما أخلت سبيل الناشطة لجين الهذلول، المدافعة عن حقوق المرأة، بعد أن قضت قرابة ثلاث سنوات في السجن، حيث قال أقاربها إنها تعرضت للتعذيب، غير أن السلطات نفت ذلك.
وقال مصدر مطلع على آراء الأجهزة الرسمية في الرياض إن هاتين الخطوتين جاءتا "في إطار الدفع من أجل علاقة جديدة مع إدارة بايدن"، بحسب رويترز.
وكان الاتصال الهاتفي بالملك سلمان برهانا على نية بايدن المعلنة العودة إلى البروتوكول المعتاد بالتواصل مع العاهل السعودي وليس ولي العهد.
وقال دبلوماسي غربي في الرياض إن هذه الخطوة "رمزية بما يكفي لإظهار أن ترامب وضع الأمير محمد في مكانة لا يستحقها، ولا تلائمه، وأن الوقت قد حان لإعادته إلى مكانه الصحيح".
السلاح مقابل النفط
ووفق تحليل رويترز، فإنه ربما يتجاوز بايدن الخطوات الرمزية، إذ أشارت إدارته إلى أنها ربما تلغي مبيعات أسلحة للسعودية التي تعد من أكبر مشتري السلاح الأمريكي إذا كانت تمثل مصدرا للقلق فيما يتعلق بحقوق الإنسان، وربما تقصر صفقات السلاح المستقبلية على الأسلحة "الدفاعية" فقط.
كذلك رفعت واشنطن الحظر الذي فرضه ترامب على التعامل مع حركة الحوثي المدعومة من إيران، والتي أطاحت بالحكومة اليمنية المدعومة من السعودية وتخوض حربا الآن مع القوات السعودية وحلفاء المملكة.
فقد دفعت الحرب الملايين إلى صفوف المعوزين على شفا المجاعة، وتريد واشنطن إنهاء ذلك الوضع.
غير أن بايدن ما زال يتحسس خطاه؛ فالملك سلمان في الخامسة والثمانين من عمره، ومعتل الصحة، وربما يتولى ابنه السلطة في السعودية، أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم، والحليف المهم في مواجهة إيران الخصم المشترك منذ عشرات السنين.
وقال نيل كويليام، الزميل في مؤسسة تشاتام هاوس البحثية، إن التقرير يمثل "انتقادا قويا"، غير أن واشنطن ستظل المصدر الرئيسي للدفاع والأمن بالنسبة للمملكة، رغم اكتساب العلاقات طابعا أكثر رسمية.
ويرجع التحالف السعودي الأمريكي إلى عام 1945، عندما التقى الرئيس فرانكلين روزفلت والملك عبد العزيز بن سعود على ظهر فرقاطة تابعة للبحرية الأمريكية، ووعد بحماية عسكرية مقابل تيسير الاستفادة من احتياطيات النفط السعودية.
وقال دبلوماسي غربي في الرياض ببساطة: "المصالح المشتركة لن تكون في خطر".
التعليقات