[ انفجار بيروت ]
في الوقت الذي انشغلت فيه آلاف الأسر اللبنانية بدفن أكثر 140 قتيلا وتضميد جراح أكثر من أربعة آلاف والبحث عن ملاجئ لإيواء أكثر من 300 ألف مشرد، استمرت خلافات سياسييهم سرا وعلنا، وهذه المرة بين مؤيدي ومعارضي إجراء تحقيق دولي في ملابسات كارثة مرفأ بيروت، ولكل طرف أسبابه ومسوغاته منها المعلن ومنها المخفي.
فقد اصطف أمام كاميرات وسائل الاعلام على مدى الساعات الثلاثين الماضية قادة وزعماء تيارات سياسية بارزة، شارك معظمها في مختلف الحكومات المتعاقبة، على رأسها كتلة المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية.
وعلى التوالي، طالب كل من سعد الحريري رئيس الوزراء السابق ووليد جنبلاط وسميع جعجع بضرورة تشكيل لجنة تحقيق دولية أو عربية للكشف عن الأسباب التي أدت الى وقوع كارثة المرفأ.
وفي خطاب تليفزيوني اليوم لحسن نصر الله، زعيم حزب الله، نفى نفيا قاطعا وجود أي أسلحة أو متفجرات أو ذخيرة للحزب في مرفأ بيروت، وتحدث عن التجني والظلم في المسارعة باتهام الحزب بالمسؤولية عن الانفجار.
وطالب نصر الله بتحقيق من قِبل الجيش اللبناني الذي يحظى باحترام اللبنانيين، أو بتحقيق مشترك بين الأجهزة اللبنانية لضمان ثقة الجميع بها.
وقال إن الموضوع هو موضوع الدولة اللبنانية، إذ أن تعامل المسؤولين والطبقة السياسية مع الحادث سوف يحدد موقف اللبنانيين من الدولة، وإذا فشلت السلطات فلا أمل ببناء دولة في لبنان.
ورفض الرئيس اللبناني، ميشال عون، فكرة التحقيق الدولي بدوره، وقال في تغريدة عبر تويتر إن "المطالبة بالتحقيق الدولي في قضية المرفأ الهدف منه تضييع الحقيقة. ولا معنى لأي حكم إذا طال صدوره، والقضاء يجب أن يكون سريعاً لأن العدالة المتأخرة ليست بعدالة."
وانضمت كتل برلمانية في مجلس النواب إلى المطالبين بالاستعانة بلجان دولية لأنها لم تعد تثق في "لجان تحقيق محلية وسلطة أهملت الحفاظ على حياة مواطنين أبرياء" على حد قولها.
ويتزعم تيار المستقبل دعوات المشاركة الدولية في التحقيق عبر خبراء واختصاصيين أجانب لكشف حقيقة ما حدث، وتحديد المسئوليات بدعوى أن إمكانيات القضاء اللبناني عاجزة عن كشف الحقائق كاملة علاوة عن أن هذا الأمر يتطلب تقنيات وأدوات غير متوفرة في لبنان حسب رأي قياديين في التيار.
وتصاعدت هذه المطالب يوم الخميس بدعوة صادرة عن أربعة رؤساء وزارات سابقين إلى إجراء تحقيق دولي في الانفجار، عززتها تصريحات للرئيس الفرنسي صبت في الاتجاه نفسه. وقال إيمانويل ماكرون في ختام زيارته لبيروت "يجب إجراء تحقيق دولي مفتوح وشفاف للحيلولة دون إخفاء الأمور أولا ولمنع التشكيك".
غير أن وزير الداخلية اللبناني رد قائلا إن اللبنانيين ليسوا بحاجة لمحققين أو خبراء أجانب، فلديهم الكفاءة الضرورية للقيام بهذه المهمة منتقدا في الوقت ذاته المشككين في نزاهة القضاء اللبناني.
وقد تعهدت الحكومة بالانتهاء من التحقيق بحلول يوم الإثنين المقبل والكشف عن نتائجه ومحاسبة المسؤولين عن هذه الكارثة أيا كانوا.
ونقل عن مصدر أمني لبناني أن التحقيقات الأولية تشير إلى أن سبب الكارثة يعود لتخزين مادة شديدة الانفجار في ميناء بيروت وإهمال وجود هذا الخطر من قبل مسؤولين على مدى سنوات طويلة. كما أعلن عن وضع مسؤولين مدنيين وأمنيين في المرفأ رهن الإقامة الجبرية للتحقيق في مسؤوليتهم عن الحادث.
وعلى عادة الانقسام الذي يطبع مواقف الأحزاب اللبنانية من القضايا السياسية، لا يبدو أن نتائج التحقيق الجاري ستنال قبولا وإجماعا من كل الكتل والتيارات.
فالحكومة مطالبة بكشف كامل الحقيقة ومعارضوها بقيادة حزب المستقبل يروا في تكليف خبراء دوليين بالتحقيق فرصة لاستغلال ظروف الغضب الشعبي والعالمي مما جرى لتقليم أظافر حزب الله - خصمهم السياسي الذي يتهمونهم بالاستقواء صراحة بقوى أجنبية.
التعليقات