[ حزب الله: أبعاد الحملة الجديدة في بريطانيا وأوروبا على التنظيم اللبناني ]
لم تشغل أزمة فيروس كورونا، بكل تبعاتها الضاغطة، أعضاء في البرلمان البريطاني عن مواصلة الحملة على حزب الله.
ففي الفترة بين أوائل مارس/آذار الماضي حتى أوائل شهر يوليو/تموز الحالي، قدم أعضاء في البرلمان، بمجلسيه العموم واللوردات، 12 استجوابا، بمعدل 3 استجوابات شهريا، للحكومة عن أنشطة الحزب اللبناني.
ووفقا لسجل البرلمان، سبق هذه الاستجوابات، 15 استجوابا مماثلا في الفترة بين شهري أبريل/نيسان حتى سبتمبر/آيلول (نهاية الدورة البرلمانية) عام 2019، أي بمعدل يقترب من ثلاثة استجوابات في الشهر أيضا.
تناولت الاستجوابات كل ما يتعلق بالحزب، الذي حظر بفرعيه السياسي والعسكري معا في بريطانيا يوم 25 مارس/آذار عام 2019، بداية من سياساته في لبنان وتحركاته العسكرية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية السورية، مرورا بأنشطته المزعومة في المملكة المتحدة ودول أوروبا، وانتهاء بادعاءات تدخله لدعم نظام الحكم في فنزويلا.
أعلام حزب الله
امتنع النواب البريطانيون عن الرد على تساؤلات بي بي سي بشأن أهداف حملتهم على الحزب.
غير أن طبيعة الاستجوابات، التي يتكرر بعضها بالصيغة نفسها تقريبا، تشي بأن الهدف هو الإبقاء على الحملة السياسية على الحزب مستمرة.
أكثر الأسئلة الموجهة للحكومة تتعلق بالوجود المزعوم للحزب في المملكة المتحدة، وبعدد الأشخاص الذين قبض عليهم، أو أخضعوا للتحقيق، أو أحيلوا إلى المحاكمة بتهمة "رفع أعلام الحزب أو الترويج لأفكاره أو جمع التبرعات له في الأراضي البريطانية."
ولم تعط وزارة الداخلية البريطانية ردودا، على النواب، تجزم بأن أحدا في بريطانيا قد اتهم بأي من هذه التهم، التي يعاقب عليها قانون مكافحة الإرهاب لعام 2000 الذي حُظر بمقتضاه الحزب في بريطانيا.
تقول الوزارة إن "التحقيق في الجرائم المتعلقة بالمنظمات المحظورة وملاحقتها قضائيا أمر يخص الشرطة وهيئة النيابة الملكية" (النيابة العامة).
وفي رده في 20 يونيو/حزيران الماضي على أحد الاستجوابات، قال جيمس بروكينشير، وزير الدولة للشؤون الأمنية بوزارة الداخلية إن الوزارة " لا تجمع إحصائيات محددة عن عدد الأشخاص في المملكة المتحدة الذين تم التحقيق معهم أو اتهموا بعرض العلم أو الرموز الأخرى لحزب الله أو المنظمات المحظورة الأخرى".
ووفق القانون، فإن الشرطة والنيابة يعلنان دائما عن أسماء الأشخاص الذين يحالون إلى القضاء إذا توفرت ضدهم أدلة كافية لإدانتهم أمام المحاكم.
خلص بحث بي بي سي إلى أنه لم يتم توجيه اتهامات لأشخاص في بريطانيا بالاتصال بحزب الله أو الترويج لأفكاره أو جمع تبرعات له.
وأكدت متحدثة باسم الشرطة لبي بي سي هذه النتيجة، وقالت "لا يوجد لدى الشرطة إحصائيات وطنية عن الإرهاب". وأضافت أن "هذه (الإحصاءات) تحتفظ بها وتنشرها وزارة الداخلية".
إلا أن الوزارة لم توضح، في آخر تقرير أًرسل إلى بي بي سي، ما إذا كان أحد قد اتهم في قضية تتعلق بحزب الله بالتحديد، أم لا.
كما أكد متحدث باسم النيابة العامة لبي بي سي "عدم وجود سجل لإحالة أي شخص إلى القضاء بتهمة تتعلق بحزب الله".
وهذا يثير تساؤلا عن ما وراء هذه الحملة.
الهدف الرئيسي، كما يقول كريس دويل، مدير مركز التفاهم العربي البريطاني "كابو"، هو مواصلة الضغط على إيران باعتبار أن الحزب أحد أذرعها في الشرق الأوسط. فالحملة "لن يكون لها سوى تأثير سياسي رمزي على الحزب نفسه، لكنها قد ترمي إلى تخويف الناس في بريطانيا من أي حوار مع إيران".
وفي هذا السياق، يشير دويل إلى حالة الاستنفار التى أعلنها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأنصار إسرائيل في أوروبا عندما أبدى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استعداده للقاء قادة إيران، وعندما أشار بيان ثلاثي بريطاني ألماني فرنسي إلى ضرورة استمرار الحوار مع طهران بعد اغتيال الولايات المتحدة القائد العسكري الإيراني اغتيال الولايات المتحدة القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني.
سياسة القنوات المفتوحة
لم تغب المزاعم التي تتحدث عن نشاط الحزب في دول أخرى عن استجوابات النواب البريطانيين.
وسأل أحدهم وزير الخارجية (الذي يتبعه جهاز الاستخبارات الخارجية البريطاني إم آي 6) عن "دقة التقارير عن وجود حزب الله في فنزويلا لدعم الرئيس مادورو".
ورد وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط على الاستجواب قائلا "نحن على دراية بالتقارير الإعلامية، غير أننا لا نستطيع تأكيد دقة هذه التقارير".
كان قرار الحكومة البريطانية وضع حزب الله بكل فروعه على قائمة الإرهاب قبل أكثر من عام مفاجئا، في ظل ما كان معروفا عن اتصالات سياسية مستمرة بين الحزب وبريطانيا وفق السياسة البريطانية القائمة، كما يقول الدبلوماسيون البريطانيون دائما، على "إبقاء القنوات مفتوحة مع كل الأطراف، في كل الصراعات".
فوزارة الداخلية البريطانية وضعت جناح الأمن الخارجي لحزب الله على قائمة الإرهاب عام 2001 ، ثم مددت الحظر في عام 2008 ليشمل مجلس شورى الجهاد، الذي يمثل الذراع العسكري للحزب وكل الوحدات التابعة له. وابقت على سياسة "القنوات المفتوحة" مع الجناح السياسي للحزب حتى مارس 2019، عندما أدرجته الوزارة ضمن 75 منظمة دولية أخرى اعتبرتها إرهابية.
ويذكر أن القرار البريطاني بوضع الحزب بقائمة الإرهاب يطبق داخل بريطانيا فقط، ما يعني أن أي بريطاني يتصل بممثلي الحزب، أو أي منظمة أخرى مدرجة بالقائمة، في الخارج لا يقع تحت طائلة القانون.
وهذا ما سئلت بشأنه - في البرلمان- وزارة الداخلية بعد أسبوعين من حظر الحزب، فقالت: "حظر أي تنظيم يجعل الدعوة لدعمه، أو ترتيب أو إدارة أو المساعدة في ترتيب أو إدارة اجتماع لدعمه مخالفة جنائية. وهذه الجريمة ليست لها ولاية قضائية خارج الأراضي (البريطانية)".
أخذت الحملة في بريطانيا على حزب الله بعدا جديدا، لبنانيا هذه المرة.
بعد إعلان بريطانيا الحظر الشامل على الحزب، رد سعد الحريري، رئيس وزراء لبنان حينها بأن القرار"يخص بريطانيا ولا يخص لبنان". وانتقد وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل بريطانيا وقال إنه "إذا وقف العالم كله وقال إن المقاومة إرهاب، فهذا لا يجعلها إرهابا بالنسبة للبنانيين".
بعد مرور أكثر من عام على هذا الموقف اللبناني الرسمي، يستغل نواب بريطانيون أزمة لبنان الاقتصادية الخانقة، للضغط على حكومتهم كي تعمل على أن يربط صندوق النقد الدولي منح لبنان قرض إنقاذ بشروط منها "إعادة الهيكلة السياسية لتقييد قدرات حزب الله على الاستيلاء على الإنفاق الحكومي ومنع سيطرته عليها".
ويكشف رد الحكومة، عبر وزارة الخزانة على هذا الطلب، عن أنها تسير في هذا الاتجاه في إطار "عملية تصميم برنامج الإقراض وتحديد شروطه".
وقال رد الوزارة في السابع من الشهر الحالي "نحن نستفيد من خبرة شبكة علاقات سفارتنا ( في الولايات المتحدة) لضمان أن تعكس ظروف البرنامج الوضع السياسي المحلي مع الحفاظ على اتساقها مع تفويض صندوق النقد الدولي".
عندما حظرت بريطانيا الحزب بكل مؤسساته، أرجعت السبب إلى أن الحزب" ملتزم بالمقاومة المسلحة لدولة إسرائيل ويرمي إلى الاستيلاء على كل الأراضي الفلسطينية والقدس من إسرائيل. كما يساند الإرهاب في العراق والأراضي الفلسطينية".
وقال وزير الداخلية حينها إن الحزب "يواصل محاولاته لزعزعة استقرار الوضع الهش في الشرق الأوسط - ولم نعد قادرين على التمييز بين جناحهم العسكري المحظور بالفعل والحزب السياسي. ولهذا السبب اتخذت قراراً بحظر المجموعة بكاملها."
أما وزير الخارجية فقال إنه "من خلال حظر حزب الله بجميع أشكاله، ترسل الحكومة إشارة واضحة بأن الأنشطة المزعزعة للاستقرار في المنطقة غير مقبولة تماماً وتضر بالأمن القومي البريطاني".
حينها دعا وزير الداخلية الإسرائيلي جلعاد إردان الاتحاد الأوروبي إلى أن يحذو حذو بريطانيا.
بعد حوالي شهر من الخطوة البريطانية، فعلت ألمانيا الشىء نفسه ليصبح عدد دول الاتحاد الأوروبي التي تحظر حزب الله بالكامل ثلاثة فقط بعد إضافة هولندا. (تضم قائمة الدول التي تنتهج السياسة نفسها الولايات المتحدة وكندا وإسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية واليابان).
لم تستجب بقية دول الاتحاد الأوروبي حتى الآن، إلى أن تأخذ الحملة في بريطانيا بعدها الأوروبي.
فقد سأل أكثر من نائب بمجلس العموم عن مدى التنسيق بين الحكومة البريطانية ونظيراتها الأوروبية بشأن جمع التبرعات لحزب الله في أوروبا.
وطمأن رد وزارة الداخلية النواب على وجود "تعاون وثيق" بشأن كل عمليات تمويل الإرهاب، لكنه لم يشر إلى الحزب بالاسم، قائلا إن "تعاوننا مع الاتحاد الأوروبي هو جزء من مشهد أوسع من العمل الدولي لمكافحة الإرهاب، يتضمن التعاون من خلال العلاقات مثل الإنتربول، والعيون الخمس (تحالف استخباراتي يضم المملكة المتحدة والولايات المتحدة واستراليا وكندا ونيوزيلندا)، والعمل الثنائي مع الدول فرادى."
مستوى جديد للضغط
في نهاية الشهر الماضي، انتقل الضغط إلى مستوى جديد. وبعث 11 من أعضاء البرلمان الأوروبي الحاليين والسابقين خطابا إلى وزيرة الداخلية البريطانية، بريتي باتل، يطالب بريطانيا بأن "تؤدي دورا حيويا في إقناع الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء بوضع حزب الله كله على قائمة الاتحاد الأوروبي الإرهابية".
وقالت الرسالة، التي كان من بين الموقعين عليها ثلاثة أعضاء بريطانيين سابقين بالبرلمان الأوروبي، إنه "في أوروبا يشارك حزب الله في أنشطة إجرامية مثل غسل الأموال وتجارة المخدرات وجمع التبرعات والتجنيد لما يسمى ببرامجه الخيرية".
وشملت الاتهامات أيضا "ممارسة الحزب نشاطاً إرهابياً مزعزعا للاستقرار يمتد عبر الشرق الأوسط" و"التآمر لشن هجمات ضد أهداف غربية وإسرائيلية".
لم يقدم الموقعون، ولا وسائل الإعلام اليمينية الأوروبية والبريطانية المناهضة لحزب الله، أدلة على هذه الاتهامات . فإذا أضيف إلى ذلك أن بريطانيا لم تحاكم أحدا بتهمة تتعلق بحزب الله، ما يشير إلى أنه ليس للحزب وجود مؤكد على أراضيها، فإن خطاب النواب الأوروبيين التحريضي على حزب الله يثير، هو الآخر، تساؤلات.
صراعات الشرق الأوسط ليست بمنأى عن الحملة. فهناك دول عربية، إضافة إلى إسرائيل، تسعى جاهدة لاستمرار الضغط على إيران وأذرعها، وخاصة حزب الله.
يعتقد دويل أنه "رغم سجل حزب الله غير الهائل في سوريا وأماكن أخرى، فإنه لا يزال قويا وله شعبية في لبنان". ويضيف أن "هناك دولا في الشرق الأوسط تروج لأجندة مناهضة لإيران في أوروبا وبريطانيا... كما أن لهذه الدول جماعات ضغط سياسية وأعضاء في البرلمان الأوروبي والبريطاني يروجون لهذه الأجندة".
ومن المعروف أن دولا مثل السعودية والإمارات والبحرين تلتقي مصالحها مع إسرائيل في محاربة حزب الله في سياق صراعها مع إيران.
تزامنت رسالة البرلمانيين الأوروبيين إلى وزيرة الداخلية البريطانية مع عاصفة من الانتقادات غير المعتادة لإسرائيل بسبب "خطة" ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. وكان الساسة البريطانيون الأعلى صوتا بين الأوروبيين في الهجوم على إسرائيل.
وفي خطوة غير مسبوقة، أرسل 127 سياسيا وبرلمانيا حاليا وسابقا ودبلوماسيا سابقا ومحاميا رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ووزير الخارجية دومينيك راب تعتبر الخطة الإسرائيلية "عدوانا يجب الوقوف ضده".
وحذرت الرسالة من أن " الكلمات لا تكفي، فرئيس الوزراء نتنياهو يتجاهل كلماتنا. يجب منع حكومته من أن تضع هذه السابقة الخطيرة بشكل مزعج في العلاقات الدولية".
قالت الرسالة "إذا أردنا منع دول أخرى لها أطماع في الأراضي من أن تقلد سلوك إسرائيل غير القانوني، فيجب على المملكة المتحدة أن تأخذ موقفا قياديا في الوقوف ضد هذا العداون."
لا يرى دويل علاقة مباشرة بين هذه الرسالة والحملة على حزب الله لأن هناك، كما يشير، مشاركين في الحملة "هم فعلا ضد حزب الله وأفكاره"، غير أنه يؤكد أن "الموقعين جميعا مؤيدون تماما لإسرائيل ويروجون لأجندتها ضد إيران وحلفائها"، ولهذا فإن "الحملة سوف تستمر".
التعليقات