[ وول ستريت جورنال : السعودية تريد استعادة مسؤول مخابراتها الهارب (نص كامل) ]
نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية تقريراً عن مسؤول المخابرات السعودية الهارب سعد الجبري والذي تسعى الرياض بكل ثقلها إلى استعادته من الولايات المتحدة حيث يقيم حاليا.
ونقلت الصحيفة عن مصادر رسمية سعودية الاتهامات الموجهة للجبري والتي تتحدث عن شبكة مالية كان يديرها أهدرت من الأموال المخصصة لمكافحة الارهاب أكثر من 11 مليار دولار، كما أن الجبري ورجاله منحوا أنفسهم أجورا فلكية تصل الى مليار دولار.
لكن الصحيفة الأمريكية التي نقلت الاتهامات عن المصادر الرسمية السعودية والردود عليها من قبل عائلة الجبري تقول إن "هذه القضية فتحت الدفاتر بشأن المحسوبيات والاثراء غير المشروع والصفقات المشبوهة التي تتم داخل السعودية، والتي يتم إدراجها جميعا تحت لافتة مكافحة الارهاب دون أن تمت لهذا الملف بأي صلة".
وفيما يلي نعيد نشر تقرير الصحيفة الذي أثار جدلاً واسعاً :
يقول المسؤولون إن مليارات خصصها السعوديون لمكافحة الإرهاب والتي كانت تحت تصرف مسؤول المخابرات سعد الجبري قد اختفت، ويقول أنصار الجبري إن الأموال استخدمت فعلاً في قتال الإرهابيين.
كان سعد الجبري أوثق من تتواصل معهم الولايات المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب في العالم العربي على مدى خمسة عشر عاماً، بدءاً من هجمات الحادي عشر من سبتمبر / أيلول. كان لدى الجبري تحت تصرفه مخبرون ومليارات من الدولارات الحكومية، وكانت لديه علاقات وثيقة مع أهم شخصيات العائلة الملكية، وكان يتمتع بقدرة على إنجاز الأمور كان الأمريكيون يجدونها عملة نادرة ضمن من تتواصل معهم في منطقة الشرق الأوسط.
غدا السيد الجبري الآن هارباً دولياً من العدالة. فهو مطلوب من قبل المملكة العربية السعودية حيث يزعم المسؤولون أن مجموعة من الرجال الذين كان يرأسهم حينما كان يعمل في وزارة الداخلية أهدروا ما قيمته 11 مليار دولار من أموال الحكومة، ودفعوا لأنفسهم أجوراً لا تقل قيمتها عن مليار دولار.
أصدرت الحكومة السعودية بحقه طلبات تسليم ومذكرات إنتربول، بينما يعتقد السيد الجبري أن السلطات السعودية أرسلت صديقاً قديماً إليه ليغريه بالعودة، وفي شهر مارس / آذار سجنت السلطات اثنين من أنجاله الشباب.
يفتح النزاع المر بين الحكومة السعودية والسيد الجبري دفاتر نظام المحسوبية في البلاد ويسلط الضوء على الصفقات التجارية وعمليات الإثراء الذاتي، والتي تتم جميعها باسم مكافحة الإرهاب.
يقول مسؤولو المخابرات الحاليين والسابقين في الولايات المتحدة وأوروبا إن التحقيق يجازف بالكشف عن أسرار بالغة الحساسية تتعلق بالعمليات الأمريكية السعودية ضد المتطرفين الإسلاميين. ويقولون إن أحد الطرفين أو كلاهما قد يسرب مثل هذه الأسرار بهدف تعزيز موقفه في القضية.
يقول أحد المسؤولين الأمريكيين: "لا نريد بالضرورة الكشف عن عمليات مكافحة الإرهاب".
من خلال التأكد من صحة تفاصيل التحقيق السعودي، ثم التوسع في المعلومات عبر التواصل مع مسؤولي المخابرات في الولايات المتحدة وأوروبا، تمكنت صحيفة ذي وال ستريت جورنال من تجميع الأجزاء المتناثرة لشبكة بالمليارات كانت تعمل على إثراء كبار المسؤولين في الحكومة السعودية بينما تمارس النفوذ باسم المملكة في الخارج.
استخدمت الأموال لأغراض متعددة، بما في ذلك لدفع أجور المخبرين والزعماء الأجانب مثل دكتاتور السودان السابق عمر البشير وشراء المعدات الشرطية والهواتف الآمنة.
يزعم المحققون أن الشبكة استفادت من خلال تكليف الحكومة رسوماً مبالغاً فيها للعقود التي أبرمت مع شركات غربية كبرى مثل مؤسسة إنترناشيونال بيزنيس ماشينز ومؤسسة أوراكيل. واستخدمت حسابات أوفشور ترتبط ببنوك غربية كبرى لنقل الأموال، بحسب ما صرح به أشخاص لديهم اطلاع على عمل المحققين.
لا ينكر أنصار السيد الجبري حركة الأموال ولكنهم يقولون إن تلك الإجراءات هي نفسها المعمول بها كالمعتاد في المملكة العربية السعودية وأن ذلك كان يتم بمباركة من المسؤول الذي كان يكفله، وهو الأمير محمد بن نايف الذي كان حينها ولياً للعهد. وكان الأمير قد أجبر على التنحي من منصبه بضغط من ابن عمه، محمد بن سلمان، الذي استولى من بعد على منصب ولي العهد. كما أخرج محمد بن نايف من وزارة الداخلية، ثم هذا العام ألقي القبض عليه ووجهت له تهمة الخيانة.
غادر السيد الجبري المملكة العربية السعودية في عام 2017، ويعيش الآن في مدينة تورنتو. ويذكر أن كندا لم توافق على طلب تسليم السيد الجبري.
تقول عائلته إن الحكومة السعودية تريد استعادته لأنه مطلع على أسرار العائلة الملكية، وأن ولي العهد محمد بن سلمان لديه ثأر شخصي ضده بسبب الخلاف حول سياسة البلاد تجاه اليمن بالإضافة إلى خلافات أخرى بينهما. وقالوا إن ابنة السيد الجبري وابنه، وهما في العشرين وفي الحادية والعشرين من العمر على التوالي، يحتجزان الآن رهائن لإجبار والدهما على العودة.
رفض السيد الجبري التعليق على الأمر. إلا أن نجلاً آخر من أنجال السيد الجبري، خالد الجبري، وهو طبيب يقيم في بوسطن، قال في رسالة نصية: "نرحب بأي إجراء قضائي محايد حسب الأصول لا يشتمل على محاولات إلحاق ضرر أو ممارسة ابتزاز من خلال أخذ الأبناء رهينة".
يقول ناطق باسم الحكومة السعودية إنها لا تعلق على التحقيقات الجارية، بينما يقول المسؤولون السعوديون المعنيون إنهم يسعون لجلب السيد الجبري ليمثل أمام العدالة كجزء من حملة الأمر محمد بن سلمان ضد الفساد.
ما لبث الرئيس ترامب يعبر عن دعمه للأمير محمد بن سلمان، بينما ينتقده الكونغرس الذي مرر قراراً يحمل الأمير المسؤولية عن قتل الصحفي جمال خاشقجي من قبل رجال يعملون لدى الأمير، كما صوت الكونغرس على حظر مبيعات السلاح إلى المملكة العربية السعودية. وقد تؤدي مزيد من التحركات السعودية ضد السيد الجبري وأنصاره إلى تأجيج مزيد من المشاعر ضد السعودية. وأما منافس السيد ترامب على الرئاسة، نائب الرئيس السابق جو بايدن، فلم يزل أكثر انتقاداً للأمير محمد بن سلمان.
فعلياً، كان السيد الجبري، البالغ من العمر واحداً وستين عاماً والحاصل على شهادة الدكتوراه في علوم الحاسوب، الشخص الثاني في وزارة الداخلية السعودية، والتي أدارها لسنوات الأمير محمد بن نايف. كان السيد الجبري مكلفاً بإدارة صندوق خاص تابع للوزارة كان تمتزج فيه مخصصات الإنفاق الحكومي على جهود مكافحة الإرهاب ذات الأولوية العليا مع المكافئات التي تمنح للسيد الجبري ولغيره، وذلك بحسب وثائق اطلعت عليها الصحيفة ومقابلات مع المسؤولين السعوديين ومع مقربين من السيد الجبري لديهم اطلاع على شؤونه الخاصة.
خلال السبعة عشر عاماً التي كان فيها مشرفاً على الصندوق، مر من خلاله ما يقدر بحوالي 19.7 مليار دولار. تدعي الحكومة أن ما يقرب من 11 مليار دولار منها تم إهدارها من خلال دفعات مبالغ فيها ثمناً لعقود أو تم تحويلها إلى وجهات ما بما في ذلك حسابات بنكية في الخارج يتحكم بها السيد الجبري وأفراد عائلته وشركاؤه، بما في ذلك محمد بن نايف نفسه.
يقول أنصار السيد الجبري أنه بما أن المملكة العربية السعودية ملكية مطلقة، فإن تصريح الأمير بالطباعة يعني أن الدفعات كانت قانونية. ويضيفون إن بعض الدفعات كانت مكافئات عن مهام تم إنجازها بنجاح.
ويقول المسؤولون في الولايات المتحدة إن الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة الذي يدير شؤونها اليومية، يستخدم في بعض الأوقات التحقيقات في الفساد كغطاء لملاحقة الخصوم السياسيين والمنافسين المحتملين، بما في ذلك أبناء وأولياء العاهل السابق للمملكة السعودية. وكان الملك سلمان، والد الأمير محمد، قد اعتلى العرش في 2015. ويشير هؤلاء المسؤولون إلى ما وقع في عام 2017 من اعتقال بعض كبار الأثرياء في المملكة العربية السعودية في فندق فاره في الرياض، حيث أجبروا على التنازل عن ممتلكاتهم مقابل إطلاق سراحهم.
ظلت المنظومة التي يشرف عليها السيد الجبري قائمة لسنوات بمعرفة أجهزة المخابرات الأمريكية وموافقتها الضمنية، حيث كان المسؤولون فيها يرون أنه طالما أن الأموال لا تمول الإرهاب، فليفعل بها السعوديون ما يرونه مقبولاً لديهم، بحسب ما صرح به مسؤول سابق في المخابرات الأمريكية.
كانت أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة مطلعة على تدفق الأموال من صندوق السيد الجبري إلى بلدان مثل السودان وأندونيسيا وإلى زعماء العشائر في العراق، وإلى الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا، وإلى الحسابات الأجنبية التي يتحكم بها السيد الجبري وحلفاؤه. ولطالما دخلت الشركات المرتبطة بعائلة الجبري في شراكات مع موردي الأسلحة في الولايات المتحدة، وتجني الأرباح من مشتريات الحكومة لسعودية من تلك الشركات. وكانت الأموال تتدفق عبر البنوك الدولية مثل إتش إس بي سي، بحسب ما يقوله مسؤولون حاليون وسابقون في الولايات المتحدة والسعودية وطبقاً لما هو مثبت في وثائق البنك التي اطلعت عليها الصحيفة. إلا أن ناطقة باسم بنك إتش إس بي سي رفضت التعليق على الموضوع.
ليس من غير الشائع أن يعمد أصحاب النفوذ في السلطة إلى جني الأموال من التعاملات التجارية للدولة السعودية. وفي ذلك يقول مسؤول أمني سابق في الولايات المتحدة إن هيكلة الصندوق كانت متوافقة مع التوقعات بشأن الكيفية التي يشتغل بها الناس داخل المملكة وفي البلدان الأخرى في المنطقة.
إلا أن مسؤولاً حالياً في المملكة العربية السعودية قال إن مثل هذه التعاملات غير قانونية وهي سرقة للمال العام. وقال إن تدفقات الأموال كانت مختلفة عن الهدايا التي تقدم لموظفي الدولة من الثروة الشخصية لأعضاء العائلة الملكية، والتي تعتبر سليمة وماتزال مستمرة اليوم داخل البلاد.
وكان الصندوق الذي أشرف عليه السيد الجبري قد أسسه العاهل الراحل الملك عبدالله لاستخدام الأموال في مكافحة الإرهاب المحلي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وكانت الاستراتيجية تتمثل في تعزيز قدرة وزارة الداخلية على الإنفاق من خلال السماح لها باستبقاء 30 بالمائة من الإيرادات من معاملات مثل تجديد جوازات السفر ورسوم التأشيرات وغرامات المخالفات المرورية. وبعد سنوات قليلة بدأت الأموال المخصصة لمكافحة الإرهاب تنقل وتوزع في المجمل من خلال شراكات يتم إبرامها مع مؤسسات القطاع الخاص لضمان سرعة الحركة وتجنب الإجراءات البيروقراطية وإنجاز الأمور بشكل سري. وكانت إحدى المشاريع التجارية شركة طيران خاصة، كانت تسمح للعناصر السعودية بالتنقل بسهولة حول العالم.
وفعلاً، استخدم السيد الجبري المال لإبرام شراكات مع مؤسسات في القطاع الخاص تعمل في مجال ذي علاقة بالأمن، ولكنه أوجد منظومة تمكنه هو شخصياً وشركاءه من جني الأرباح، كما تشير وثائق الحكومة وكما يقول أشخاص على اطلاع بالتحقيق.
كانت الأرباح ترد من شركات مثل تكنولوجي كونترول، والتي سجلت في عام 2008. كانت وزارة الداخلية هي التي تمول تكنولوجي كونترول ولكنها كانت في أوقات مملوكة لشقيق السيد الجبري، ولابن أخيه وبعض المعارف المقربين، كما يظهر من سجلات الشركات السعودية.
كانت تكنولوجي كونترول تشتري البرامج والأجهزة من شركات في الولايات المتحدة بما في ذلك آي بي إم، وأوراكل، وسيسكو سيستمز، وفي إم وير ثم تبيعها إلى الحكومة وتجني في العادة أرباحاً ضخمة. كانت التكنولوجيا تستخدم لإنشاء قواعد البيانات للتعرف على بصمات الأصابع ورصد تويتر تحسباً لأي تهديدات أمنية محتملة، وغير ذلك من الأمور.
هناك شركة أمريكية أخرى تتخذ من نورث كارولاينا مقراً لها وتتخصص في إنتاج برامج التحليل اسمها ساس إنستيتيوت. أعلنت هذه الشركة في عام 2012 عن شراكة استراتيجية مع تكنولوجي كونترول لتقديم خدمات لوزارة الداخلية، بما في ذلك القيام بمهام في كلية التدريب على الخدمات الاستخباراتية في المملكة العربية السعودية.
لم توجه لهذه الشركات تهم بارتكاب أي مخالفات، ومع ذلك رفض الناطقون باسم آي بي إم وأوراكل التعليق على الموضوع، بينما لم ترد الشركات الأخرى على طلبات وجهت لها للتعليق.
وفي عام 2013 استثمرت تكنولوجي كونترول مبلغاً قيمته 50 مليون دولار حصلت عليه من الحكومة في شركة أمريكية اسمها ديجيتال سيغنال كورب، قال عنها السيد الجبري إن لديها تكنولوجيا واعدة للتعرف على الإرهابيين في الزحام. قال المدير التنفيذي السابق للشركة دافيد غوتاداورو إن الحكومة السعودية أصبحت أكبر زبون لديها بينما كانت تكنولوجيا كونترول أكبر مستثمر فيها.
انتقل السيد غوتاداورو إلى الرياض وكان يلتقي من حين لآخر بالسيد الجبري. يقول غوتاداورو إنه عندما كان في المملكة العربية السعودية، كان السيد الجبري يسعي لجلب أحدث وأرقى التقنيات إلى وزارة الداخلية التي كانت تعاني من البيروقراطية. والسبب في تأسيس شركات مثل تكنولوجي كونترول هو التمكن من تقييم وشراء المنتجات دون الاضطرار للدخول في الإجراءات البيروقراطية البطيئة.
وكانت الشركة تدار من قبل أشخاص مقربين من السيد الجبري كما يقول غوتاداورو، وذلك جزئياً لأنهم كانوا يملكون خبرات عسكرية أو حكومية سابقة مما منحهم مصداقية كانوا بحاجة إليها عند التعامل مع موظفي الوزارة، الأمر الذي كان يسهل الحصول على موافقة الوزارة بتبني التكنولوجيا الجديدة.
وقال إنه في الحالات التي اطلع عليها، كانت الشركة تسعى للحصول على عروض متعددة قبل شراء التكنولوجيا للحكومة، وأنها كانت تستخدم عمليات المناقصة من أجل تخفيض الأسعار.
جل النقد الذي كان يتدفق خارج الوزارة كان يتوجه نحو شركة اسمها ساكب السعودية القابضة، والتي تلقت ما يزيد عن 26 مليار ريال سعودي (ما يعادل 6.9 مليار دولار) من عام 2008 وحتى عام 2014، طبقاً للحساب البنكي ووثائق التحويل التي اطلعت عليها الصحيفة. لم ترد ساكب على طلب تقدمت به الصحيفة لها للتعليق على الأمر.
وكانت الوزارة تحول بشكل منتظم عشرات الملايين من الدولارات إلى حساب ساكب في البنك السعودي البريطاني، وهو شركة منبثقة عن بنك إتش إس بي سي. ثم تقوم ساكب بعد ذلك بتحويل معظم المال إلى حسابها في بنك إتش إس بي سي الخاص في جنيف، حيث يتم إرسال بعض الأموال منه إلى حسابات بأسماء مساعدي السيد الجبري.
كان التحويل الشهري الأضخم يتم لصالح شركة مسجلة في جزر فيرجين البريطانية اسمها دريمز إنترناشيونال أدفايزري سيرفيسز ليمتد، وهي مملوكة بالكامل للسيد الجبري كما يظهر من وثائق البنك. فعلى سبي المثال، في الثالث من إبريل / نيسان 2017، دفعت ساكب مبلغاً قدره 28،289،316 دولاراً لشركة دريمز إنترناشيونال، ودفعت مبلغاً قدره 14،955،983 دولاراً لحليف السيد الجبري واسمه الحمد عبدالله، ودفعت مبلغاً قدره 2،716،026 دولاراً لماجد المزيني، نجل شقيق (أو شقيقة) السيد الجبري، كما يظهر من الوثائق.
لم يكن ممكناً معرفة إلى أين آلت هذه الأموال في النهاية ولا فيم تم استخدامها.
تلقى محمد بن نايف مئات الملايين من الدولارات من ساكب بشكل مباشر، ولكنه كان في بعض الحالات يدفع ذلك لشركات أخرى كانت تنجز أعمالاً لصالح وزارة الداخلية، بحسب ما يظهر من سجلات البنك وكما يقول أشخاص لديهم اطلاع على التحقيقات السعودية. يذكر أحد المدراء الأمريكيين أنه كان يتساءل لماذا جاءت الدفعة التي تلقاها مقابل عقد كان مكلفاً بتنفيذه مع الوزارة من الحساب الشخصي للأمير مباشرة.
تلقى السيد الجبري مبلغاً قدره 250 مليون دولار من ساكب ومن شركات أخرى ممولة من قبل وزارة الداخلية، بحسب ما يظهر من وثائق البنك وطبقاً لما يقوله أشخاص على معرفة بالتحقيقات التي تجريها حالياً المملكة العربية السعودية.
وحسب الحسابات التي أجراها المحققون السعوديون يكون السيد الجبري وشقيقه واثنان من أبناء أشقائه واثنان من شركائه قد تلقوا أكثر من مليار دولار على شكل دفعات مباشرة. كما ينظر المحققون في أمر مليارات الدولارات من الأموال التي تدفقت بطرق ملتوية وعبر عقود يزعم أنها أبرمت بالباطن.
فيما عدا السيد الجبري، فإن الأشخاص الآخرين كلهم الآن رهن الاعتقال داخل المملكة العربية السعودية ولم يمكن الوصول إليهم للتعليق على الموضوع.
انتهى الترتيب في عام 2017 عندما استبدل محمد بن نايف كولي للعهد وبدأ الأمير محمد بن سلمان، الرجل الثاني الجديد في المملكة، في تفكيك نظام المحسوبية والقضاء على منافسيه.
وكان السيد الجبري قد فصل من عمله قبل ذلك بعدة شهور، رسمياً بسبب لقاء لم يخول بعقده مع رئيس المخابرات الأمريكية (السي آي إيه) جون برينان، الذي قال في مقابلة أجريت معه إن السبب المعلن لم يكن سوى ذريعة، مضيفاً أن الأمير محمد بن سلمان لاحق السيد الجبري "ظناً منه أن سعداً شخص لا يمكن السيطرة عليه أو التحكم فيه".
تم نقل تكنولوجي كونترول إلى الحكومة، وكان المحققون قد اكتشفوا أن وزارة الداخلية دفعت أكثر من 11 ألف دولار ثمناً لكل جهاز من ألفين من الخطوط الأرضية الآمنة والهواتف النقالة والتي لا يكلف الواحد منها في العادة أكثر من 500 دولاراً، بحسب ما يقوله أشخاص على اطلاع بالتحقيق. ما لبثت هذه التجهيزات بعد حين أن ألقي بها لأنها لم تعمل بشكل جيد، كما يقول هؤلاء الأشخاص، والذين أضافوا أن المحققين اكتشفوا أن مساعدي السيد الجبري فبركوا أوراقاً تقول إن الشركة مدينة لهم بثلاثين مليون دولار على شكل قروض.
يقول السيد غوتاداورو إن الحكومة توقفت عن الدفع لشركته، ديجيتال سيغنال، وغادر البلد وهو ما يزال مستحقاً لملايين الدولارات التي يدينون له بها. فيما بعد تم شراء ديجيتال سيغنال بجزء ضئيل من القيمة التي كانت لها عندما كانت المملكة العربية السعودية زبوناً كبيراً لديها، وانتهى المطاف بالسيد غوتاداورو في مزرعة يديرها في نيو هامبشاير.
يقول المسؤولون في الولايات المتحدة إن السيد الجبري كان ضالعاً في عمليات سرية لمكافحة الإرهاب ذات أهمية دولية. ويقول المسؤولون السابقون في الولايات المتحدة إن السيد الجبري له الفضل في إحباط مخطط لتفجير الطائرات باستخدام قنابل مخفية في علب الحبر داخل الطابعات في عام 2010. ويذكر له أنه أقام شبكة من المخبرين الذين ساعدوا في وقف الهجمات على أهداف غربية، وأنه تزعم برنامجاً تجريبياً لإعادة تأهيل المتطرفين الإسلاميين، ثم ساعد في استعادة سعوديين يشك في تطرفهم كانوا معتقلين في السجن الأمريكي في غوانتانامو بيه، كما يقولون.
رفض نجل السيد الجبري، الدكتور الجبري، الإجابة على أسئلة محددة حول الوضع المالي لعائلته. وقال إن الأموال التي تدعي الحكومة السعودية أنها استخدمت في الفساد إنما تم استخدامها في عمليات سرية لمكافحة الإرهاب نيابة عن الحكومة السعودية. يقول مسؤولون سابقون في المخابرات الأمريكية أن من الوارد أن يكون جزء من المال قد استخدم بهذه الطريقة.
إلا أن مسؤولاً في الحكومة السعودية عارض ذلك وقال إنه من غير المنطق أن يتم تمويل عمليات سرية من خلال حسابات يملكها السيد الجبري وأفراد عائلته أو شركاؤه. كما أن كثيراً من الأعمال الذي كانت تقوم بها تكنولوجي كنترول لم تكن سرية – بل إن بعض مشاريعها التي استخدمت فيها التكنولوجيا الواردة من شركات غربية كان يُعلن عنها عبر بيان صحفي.
في عام 2013، اشترت الشركات التي ترتبط بالسيد الجبري وبالدكتور الجبري شقة بينتهاوس (الطابق العلوي) في بوسطن بمبلغ 3.5 مليون دولار وأربع وحدات أخرى في نفس البناية بمبالغ تتراوح ما بين 670 ألف دولار ومليون دولار للوحدة الواحدة، كما يظهر من سجلات الدولة وملفات الشركات. وفي 2017، اشترت شركة أسسها السيد الجبري ونجله ويتحكم بها نجله، شقة بمبلغ 4.3 مليون دولار في فندق ماندرين أورينتال بمدينة بوسطن، كما يظهر من سجلات الدولة. وهذا العام، أنفقت الشركة 13.75 مليون دولار على شقق في فندق فور سيزنس بمدينة بوسطن.
وقال مستشار لعائلة الجبري إن السيد الجبري تلقى مكافآت مالية على خدماته من "الملوك وأولياء العهد المتعاقبين".
كما يمتلك السيد الجبري منازل في تورنتو حيث يقيم حالياً وفي تركيا، بحسب شهادات أشخاص مقربين منه.
وكان حليف سابق للسيد الجبري، والذي شارك في عضوية مجالس عدد من الشركات المرتبطة بوزارة الداخلية، قد زار الدكتور الجبري في بوسطن ثم زار بعد ذلك السيد الجبري في تورنتو لحثه على زيارة تركيا ليكون أقرب إلى عائلته. تشكلت قناعة لدى السيد الجبري ولدى نجله بأن هذا الحليف السابق كان يقوم بمحاولة بالنيابة عن الحكومة السعودية، وذلك بحسب ما يقوله شخص مطلع على ما يدور في بالهم.
بقي أولاد السيد الجبري، عمر وسارة، في البلد بعد مغادرة والدهم للمملكة العربية السعودية لأنهم كانوا بانتظار الحصول على تأشيرات دراسة في الولايات المتحدة. بمجرد أن حصلا على التأشيرات، تحركات قوات الأمن فأوقفت سارة في المطار، ثم بعد ذلك منعت عمر من المغادرة، بحسب ما يقوله أشخاص مقربون من السيد الجبري. ثم منحهم الديوان الملكي مخصصات شهرية كمصاريف لأن حسابات والدهم داخل المملكة صدر أمر بتجميدها.
طلب السيد الجبري من الأمير محمد بن سلمان ترك أولاده يغادرون، كما يقول شخص مقرب من السيد الجبري، إلا أن الأمير قال بأن المشكلة ستحل إذا ما عاد إلى البلاد، كما يقول ذلك الشخص.
أقام السيد الجبري في تورنتو، وفي عام 2018، أصدرت المملكة العربية السعودية مذكرة إنتربول بحقه، إلا أن إنتربول ألغي المذكرة فيما بعد، وقبل بحجة السيد الجبري ومفادها أنه معارض سياسي للأمير محمد بن سلمان.
وفي شهر آذار/ مارس، ألقي القبض على عمر وسارة بعد أيام من اجتماع عمر مع مسؤول سابق في وكالة مخابرات غربية في الرياض. يقول المحققون السعوديون إن عمر اعترف بأن المسؤول أطلعه على خطة لمساعدته هو وشقيقته على الفرار من البلاد. إلا أن شخصاً على اطلاع بتفاصيل اللقاء نفى ذلك وقال إن الجاسوس السابق قابل عمر ليوصل إليه هدية لسارة من والديها بمناسبة عيد ميلادها.
يجري الآن اعتقال الفتاة وشقيقها في فيلا مخصصة للسجناء الفي آي بيه داخل مجمع أحد السجون في الرياض، كما يقول مسؤول سعودي. وقال مسؤول أمريكي إن واشنطن أثارت قضية السيد الجبري مع الحكومة السعودية على "مستوى رفيع جداً".
قال مدير السي آي إيه السابق برينان إنه فيما لو عاد السيد الجبري إلى المملكة العربية السعودية "فأنا متأكد أنه لن يسمح له بتاتاً بالمغادرة مرة أخرى".
التعليقات