أُعلن أمس الأربعاء اتفاق هدنة تستمر 4 أيام بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وإسرائيل، على أن يتم الإعلان عن توقيت بدء سريانها خلال 24 ساعة، ويشمل الاتفاق إطلاق عدد من الأسيرات المدنيات والأطفال المحتجزين لدى المقاومة في قطاع غزة مقابل إطلاق سراح عدد من النساء والأطفال الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية، بالإضافة إلى عدد من البنود الأخرى التي تشمل وقفا مؤقتا لإطلاق النار وإدخال المساعدات الإغاثية.
الجزيرة نت حاورت عددا من الخبراء السياسيين حول النتائج المترتبة على هذا الاتفاق سياسيا وعسكريا، سواء لدى الاحتلال الإسرائيلي أو المقاومة الإسلامية، وكيف يمكن أن يستفيد سكان قطاع غزة من هذه الهدنة، وهل يمثل الاتفاق انتصارا لحركة حماس في ظل النتائج في ميدان المعركة، بالإضافة إلى النتائج السياسية التي سيدفعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو سياسيا بعد نتائج العدوان على قطاع غزة.
وقال أستاذ الشؤون الدولية في جامعة قطر أحمد جميل عزم إن "إسرائيل إذا وجدت أي فرصة لعدم تنفيذ ما يتوجب عليها تنفيذه في الاتفاقيات ستجد ألف عذر حتى تفعل ذلك، وحتى من دون أعذار هي مستعدة لأن تتراجع".
ويرى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية خليل العناني أن الاحتلال "فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض خلال 6 أسابيع من الحرب"، وأن التوصل إلى اتفاق كهذا يمثل "اختراقا مهما للتصعيد الإسرائيلي عقب عملية طوفان الأقصى".
أما الباحث السياسي معين مناع، فقال إن "للهدنة أهدافا عسكرية بحتة بالنسبة للاحتلال، فهو يريد أولا استغلالها في جمع معلومات تتعلق بالمقاومة والأنفاق، وثانيا يريد أن يحرك قواته بطريقة تكون قادرة على استئناف القتال".
ما النتائج المترتبة على هذه الهدنة.. سياسيا وعسكريا؟
الهدنة من الناحية السياسية تمثل أول اتفاق يتم التوصل إليه من أجل وقف الحرب -ولو مؤقتاـ وتعد اختراقا مهما للتصعيد الإسرائيلي عقب عملية طوفان الأقصى، ويراها العناني أيضا ثمرة سياسية لأمرين أساسيين:
أولهما ثبات المقاومة الفلسطينية وصمودها في مواجهة الجيش الإسرائيلي المدعوم أميركيا بشكل غير مسبوق، والذي فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي إنجاز عسكري على الأرض خلال 6 أسابيع من الحرب.
وثانيهما الضغوط الداخلية والخارجية على حكومة نتنياهو التي اضطر معها للقبول على مضض بصفقة التبادل والهدنة.
ويقترب جميل عزم من الرؤية السابقة، فيرى أن العنوان العريض لهذا الاتفاق أنه اتفاق تبادل الأسرى، ولكن هناك جزءا أساسيا مهما جدا له آثاره السياسية، والمتعلقة بموضوع الهدنة لمدة 4 أيام، وأهم معنى لهذا الذي الحدث أنه يمثل انكسارا للخطاب الإسرائيلي الذي كان يتحدث عن معركة بلا توقف، ويتبنى خطاب إبادة بامتياز، مقتبسا نصوصا من التوراة تدعو إلى إبادة "العماليق"، وكان يروج بأن وقف إطلاق نار سيؤدي إلى فرصة ذهبية لحماس لإعادة ترتيب صفوفها.
أما معين مناع، فذهب إلى زاوية الضغوط السياسية التي مارسها الرأي العام العالمي على الاحتلال الإسرائيلي من أجل وقف العدوان، وتمثل هذا الضغط في تبلور موقف الدول الصناعية السبع -مثلا- مع أنها تنتمي إلى المعسكر الغربي "نظريا"، ولكن الرأي العام فيها استطاع أن يشكل ضغطا حقيقيا على صناع القرار وحرك موقفهم السياسي قليلا نحو البعد الإنساني في قطاع غزة.
خارطة تفاعلية.. هكذا سيكون الوضع في غزة خلال أيام الهدنة
والهدنة من الجانب العسكري تمثل أول اعتراف إسرائيلي غير مباشر بفشل العملية العسكرية البرية التي كانت تهدف إلى محاولة تخليص الرهائن بالقوة العسكرية، من وجهة نظر العناني. وهي أيضا فشل ذريع لحكومة الحرب التي كانت ترفع شعار "لا لوقف الحرب، ولا لصفقة الرهائن"، والآن تم وقف الحرب -ولو مؤقتا- وتم إبرام صفقة الرهائن.
ويتفق العناني مع جميل عزم في أن من نتائج الاتفاق مساعدة الطرفين على إعادة ترتيب صفوفهما من أجل الاستعداد عسكريا للجولة القادمة من الصراع، لكن جميل عزم يضيف أن الهدنة سلاح ذو حدين "فالحركة الصهيونية" استفادت من الهدنة سنة 1948 عندما القوات الصهيونية في تراجع، واستغلت الهدنة بشكل كبير للحصول على إمدادات من كل مكان، وإسرائيل حاليا هي التي لديها الآن حدود مفتوحة مع العالم، وهي التي لديها قدرة على ترتيب صفوفها أكثر بكثير من المقاومة المحاصرة أصلا.
الوضعية الحالية لقوات الاحتلال غير ملائمة ولا تؤهلها للاستمرار في التموضع بطريقة قتالية وفعالة
كما أنه يثير عددا من التساؤلات المترتبة على الموقف الحالي عسكريا من قبيل، إذا استمر وقف إطلاق النار إلى حين ماذا يعني ذلك بالنسبة لوجود إسرائيل في قطاع غزة؟ فهي قوة احتلال الآن ووجود هدنة طويلة يثير تساؤلات عن الوضع القانوني والسياسي لهذا الوجود، لأن إسرائيل ستستغل الأيام المقبلة حتى تمد مقاتليها في قطاع غزة بسبل الحياة وسبل الاستمرار لفترة طويلة أيضا.
أما معين مناع، فيرى أن للهدنة أهدافا عسكرية بحتة للاحتلال، فهو يريد:
أولا، استغلالها في جمع معلومات تتعلق بالمقاومة والأنفاق.
ثانيا، يريد أن يحرك قواته بطريقة تكون قادرة على استئناف القتال، لأن الوضعية الحالية بالنسبة لقواته غير ملائمة ولا تؤهله للاستمرار في التموضع بطريقة قتالية وفعالة.
وفي ما يتعلق بالمقاومة، فإن الهدنة ستوفر لها قسطا من الراحة وتوفر فرص الإمداد الإغاثي والغذائي والإسعاف الطبي، وهذه أمور في حد ذاتها تخدم المقاومة وتفيدها.
هل يمكن أن يصمد الاتفاق وتتحقق بنوده على أرض الواقع؟
يتفق المحللون الثلاثة على أنه لا توجد ضمانات واضحة بعدم حدوث اختراق لاتفاق الهدنة، والعنوان الأساسي لهذه الضمانة تتمثل في حرض الأطراف جميعها على تحقيق المصالح الخاصة المترتبة عليه؛ فمعين مناع يرى أن شخصية نتنياهو حاضرة سياسيا، لأنه يدرك أن هذه الهدنة هي مفتاح باب المقصلة السياسية في حياته، وعندما يوافق على الهدنة فهو يوقع على خروجه من المشهد السياسي؛ لذلك هو يبحث تحت كل حجر وخلف كل باب وعند كل زاوية عن أي فرصة تستطيع أن تجعله يستأنف حياته السياسية.
ويلفت النظر إلى شخصية الرئيس الأميركي جو بايدن أظهرت "ضعفا كبيرا وواضحا وصارخا، حتى النخب الغربية والأميركية تتحدث عن هذا الموضوع، فلم يعد متاح الحديث عن أن الولايات المتحدة هي التي تستطيع أن تضغط" على الجانب الإسرائيلي. ولذلك الفرصة الوحيدة أن تحافظ المقاومة الفلسطينية على مواقعها وعلى قدراتها وعلى المبادرة".
هناك حاجة لاستراحة محارب لكلا الطرفين من أجل التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق تحسبا للجولة المقبلة من الصراع
أما خليل العناني، فيقول إن "جميع الأطراف حريصة على الالتزام به (الاتفاق)، وذلك نظرا لتعثر العملية العسكرية الإسرائيلية، وحجم الدمار وعدد الضحايا. لذلك هناك حاجة -على ما يبدو- لاستراحة محارب لكلا الطرفين من أجل التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأوراق تحسبا للجولة المقبلة من الصراع.
كما أشار هنا إلى 3 أمور:
أولها مدى القدرة على "تنفيذ بنود الاتفاق، سواء المتعلقة بعدد الأسرى أو نوعيتهم، الذين سيتم إطلاق سراحهم من الجانبين، وإدخال الوقود والمساعدات لقطاع غزة، والأهم وقف إطلاق النار خاصة من الجانب الإسرائيلي.
ثانيها هو استمرار الضغوط الداخلية على حكومة نتنياهو من أجل إطلاق سراح بقية الرهائن ورضوخه لذلك.
وثالثا يأتي الضغط الأميركي على نتنياهو من أجل الالتزام بما جاء في الاتفاق.
وغير بعيد عن ذلك، يقول جميل عزم إن الضمان الأقوى لهذا الاتفاق يتوقف على طريقة تنفيذ الصفقة نفسها، لأن عملية التبادل ستحتاج تقريبا 4 أيام وليس يوما أو يومين، وأيضا حتى يكون هناك موقف دولي وأميركي واضح، لكنه أشار إلى أن هذا الموقف يمثل ضمانة ضعيفة، "فإسرائيل إذا وجدت أي فرصة لعدم تنفيذ ما يتوجب عليها تنفيذه في الاتفاقيات ستجد ألف عذر حتى تفعل ذلك، وحتى من دون أعذار هي مستعدة لأن تتراجع". "إسرائيل لن تفعل شيئا إلا تحت الضغط".
هل يمكن القول إن المقاومة حققت انتصارا بهذا الاتفاق؟
أجمع المحللون على أن اتفاق الهدنة يعد انتصارا للمقاومة، لكن الاختلاف بينهم كان في درجة هذا الانتصار؛ فأحمد جميل عزم يراه "بداية قد يتحول إلى انتصار"، أو "هو مشروع انتصار واضح، هو انكسار وتراجع إسرائيلي، والإسرائيليون أنفسهم يدركون ذلك، وأنهم اضطروا لذلك، وهم يدفعون ثمنا في هذا الاتفاق". لكن أيضا "نحن ندرك أن الثمن البشري الظاهر الذي يدفعه الفلسطينيون هو ثمن كبير جدا نعيشه الآن".
والاتفاق عند خليل العناني يمكن أن يُقرأ باعتباره انتصارا ومكسبا سياسيا للمقاومة الفلسطينية، "حيث إنه يحقق أحد أهداف العملية العسكرية التي قامت بها في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وهو الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وإن كان الثمن الإنساني الذي تم دفعه لذلك باهظا وغير مسبوق في جولات الصراع السابقة بين إسرائيل والفلسطينيين".
ويراه معين مناع أكثر من ذلك؛ فالاتفاق عنده يمثل ثمرة انتصار للمقاومة الفلسطينية التي استطاعت أن تحاصر قوات الاحتلال الإسرائيلي في بقعة محددة وأن تستنزفها، بما يمثل إهانة "للكيان الصهيوني"، وتهديدا للنفوذ الأميركي في المنطقة، ووضع الجهود البريطانية والفرنسية التي استمرت 200 عام في مهب الريح.
كما أن المقاومة الفلسطينية أوصلت رسالة واضحة بأن الشعب الفلسطيني ومقاومته قادرون على إنجاز المهمة في تحرير فلسطين، ولكن بشرط أن تتوفر بيئة إقليمية، وهذه البيئة الإقليمية المساندة جزء منها متوفر والجزء الآخر المتعلق بالأنظمة العربية لا يعد غير موجود فقط، بل هو يعمل عكس الاتجاه".
هل ستصمد حكومة نتنياهو بعد النتائج العسكرية والسياسية للعدوان على غزة؟
يقول خليل عناني "لا أعتقد أن حكومة نتنياهو ستصمد بل ستنهار وبشكل كبير إذا توقف العدوان. نتنياهو غامر سياسيا وقفز للأمام كالعادة عندما شن حربا من دون رؤية أو أفق سياسي". وأضاف أن نتنياهو "فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي من أهداف الحرب التي أعلنها، سواء بالتخلص من حركة حماس أو تدميرها أو إعادة المحتجزين أو تهجير سكان القطاع إلى خارجه؛ لذلك فإنه ينتظر مصيرا أسود سوف يختم به سجله السياسي الممتد منذ أكثر ربع قرن".
ويلفت معين مناع النظر إلى أن نتنياهو يدرك أن هذا العدوان يمثل بابا لخروجه من المشهد السياسي، ومن هنا "ظهرت على السطح مرة جديدة فكرة أنه يمكن أن يذهب جيش الاحتلال لخوض معركة تدميرية أو هجوم تدميري على لبنان، لأنه في كل الأحوال قد يحمل هذا الهجوم التدميري شيئا من الفرص أو إطالة عمر نتنياهو السياسي".
أما جميل عزم فيرى أن الخطاب الإسرائيلي عموما يتعرض للانكسار، و"يتراجع تحت ضغط أنه أولا لم يحقق إنجازات عسكرية كافية في قطاع غزة، وثانيا تحت ضغط دولي وتحت ضغط الرأي العام الإسرائيلي الداخلي. لكن هذا لا يعوّل عليه كثيرا لأن هناك حالة جنون لدى هؤلاء القادة قد يتم استثماره".
ما الذي سيترتب على اتفاق الهدنة من الناحية الإنسانية؟
ويرى معين مناع أن أهل قطاع غزة في أمس الحاجة إلى كل هذه أنواع الإمدادات: الصحية والإنسانية والغذائية، والطاقة، وكذلك عودة النازحين إلى بيوتهم في شمال القطاع "فهذه من القضايا المطروحة وهي محل حاجة شديدة وضرورية جدا". و"لكن يوجد شك كبير جدا في وصول هذه المواد، وحتى لو وصلت كعناوين فهناك شك كبير جدا في أن تصل بالكميات الوافية أو التي تلبي الاحتياجات الضرورية"، خاصة أن "مصر بذريعة عدم الاتفاق مع التوجه الأميركي الصهيوني في مسألة تهجير أهل غزة تغلق المعبر".
وأضاف مناع أنه "لو تم الحديث عن دخول بعض المواد الغذائية -300 حاوية مثلا- فليس بالضرورة أن تكون جميعها ممتلئة حتى لو دخل هذه الرقم، ولو أردنا الحديث عن كم المواد الطاقة أيضا فهناك شك أن تكون إمدادات الطاقة صالحة للاستخدام أو بكميات كافية أو المتفق عليها".
ترتيب الصفوف الفلسطينية الداخلية أمر مهم جدا في المرحلة المقبلة، وأعتقد أن هذه الهدنة فرصة للجميع حتى يعيد حساباته ويدرك أنه يجب العمل بشكل مشترك
لكن خليل العناني يرى أن الاتفاق "بمثابة استراحة محارب لطرفي الصراع من أجل إعادة ترتيب الصفوف والتقاط الأنفاس". غير أنه" سيتم التصعيد مرة أخرى خاصة من الجانب الإسرائيلي الذي لا يزال يعاني من آثار صدمة السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ويبحث عن الانتقام من حركة حماس بأي شكل.
كما أن الحرب هي بمثابة خيار إستراتيجي لنتنياهو الذي يخشى على مصيره السياسي بعد الحرب؛ وبالتالي فإن إطالة أمد الحرب تمثل مخرجا ولو مؤقتا من تبعات فشله الذريع في التعامل مع ما حدث" في عملية طوفان الأقصى.
أما أحمد جميل عزم فختم بضرورة إعادة ترتيب الموقف الفلسطيني الداخلي بما أنه الآن حدثت هدنة، فيجب أيضا "العمل على توحيد الصف الفلسطيني بشكل أفضل"، وأشار إلى ضرورة أن تكون هناك "عملية تنسيق بين قوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة والقيادة الفلسطينية بقيادة منظمة التحرير، وأن تتولى منظمة التحرير في المرحلة المقبلة جزءا من المفاوضات".
وقال هذا "الكلام قد يكون مفيدا جدا لكل فلسطين، فترتيب الصفوف الفلسطينية الداخلية أمر مهم جدا في المرحلة المقبلة، وأعتقد أن هذه الهدنة فرصة للجميع، حتى يعيد حساباته ويدرك أنه يجب العمل بشكل مشترك".
المصدر : الجزيرة
التعليقات