طوى النزاع اليمني عامه السادس، محملاً بحصاد مُر من الويلات والانتهاكات المروعة لحقوق الإنسان. ورغم الحراك الدولي اللافت وفرص السلام الضئيلة التي تلوح في الأفق، إلا أن الخيار العسكري سيكون حاضراً بقوة مع مطلع العام السابع، سواء بترجيح كفة المنتصر بالحرب، أو الاقتناع بالشراكة بناءً على مفاوضات سلمية.
ومنذ بدء العمليات العسكرية للتحالف السعودي في 25 مارس/ آذار 2015، التي كان هدفها كبح تمدد الحوثيين إلى مختلف المدن، تحوّل اليمن إلى مسرح رئيسي لتصفية الحسابات الخارجية، حيث استخدم اللاعبون الإقليميون، ووكلاؤهم في الداخل، كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة لاغتيال فرص السلام، وهو ما انعكس بشكل كبير على تفاقم الأوضاع الإنسانية في البلاد.
ولم تحقق عمليات التحالف، التي بدأت تحت مسمى "عاصفة الحزم" ثم "إعادة الأمل"، الأهداف المرجوة منها. وعلى الرغم من ردع الحوثيين من السيطرة على عدن ومحافظات الجنوب في العام الأول للحرب، إلا أن الهدف الرئيسي المتمثل بإعادة "الشرعية" لم يتحقق، حيث بقي الرئيس عبد ربه منصور هادي في المنفى طوال السنوات الست. أما الحكومة، المعترف بها دولياً، فتحولت إلى ضيف شرف في مناطق نفوذ الانفصاليين، ولا تستطيع تأمين مساكنها ومقارّ عملها.
ورغم تصريحات أممية بأن اليمن بات "أسوأ مكان يمكن العيش فيه على وجه الأرض"، فإن المستقبل لا يزال قاتماً، في ظل إصرار أطراف النزاع، وخصوصاً الحوثيين ، المتهمة بإشعال أول شرارة الحرب عقب اجتياح صنعاء أواخر سبتمبر/ أيلول 2014، على إفشال كل المبادرات الخاصة بعملية السلام، والاستمرار في الخيار العسكري. ومن المؤكد أن مأرب ستكون المسرح الرئيسي للمعركة الفاصلة بين طرفي النزاع اليمني، رغم قيام الحكومة اليمنية بإعادة إحياء عدد من الجبهات الخاملة في محافظات تعز وحجة، حيث يُنظر إلى محافظة مأرب النفطية فقط على أنها الورقة الأهم في تحديد مسار الصراع.
تلويح الحوثيين بالحسم
لا تبدو جماعة الحوثي مكترثة بالدعوات الدولية والإقليمية للتعاطي مع مبادرات إنهاء الحرب. فبالتزامن مع طرح السعودية لمبادرة جديدة، الاثنين الماضي، كان المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، يلوّح بالقوة، عندما تحدث عمّا وصفه بـ"عام النصر والحسم".
ويُطلق الحوثيون على ذكرى انطلاق عمليات التحالف بـ"يوم الصمود"، في وجه تحالف عسكري كان يضم أكثر من 10 دول. وقبل أيام من حلول الذكرى السابعة، أعلن سريع أن جماعته "عقدت العزم على اتخاذ خطوات عسكرية كبيرة ستشكل مفاجأة بالنسبة إلى العدو، وذلك على طريق تحرير البلاد وتحقيق الاستقلال"، حسب تعبيره.
بالنسبة إلى الحوثيين، فإن التحالف الذي يحاربهم، وانتهى به المطاف عملياً إلى دولة وحيدة هي السعودية، لا يزال يتألف من 17 دولة. ومن هذا المنطلق ينجحون في كسب التعاطف الشعبي وتجنيد المئات من المقاتلين في سبيل الصمود، حيث يقولون إنهم صمدوا في أولى سنوات الحرب، رغم أن جاهزيتهم القتالية كانت 25 في المائة فقط. وتشعر جماعة الحوثي في الوقت الراهن بأنها باتت أقوى. وحتى في ظل الضغوط الدولية التي تجري عبر الوسطاء العُمانيين، فإنّ من المؤكد أنها ستظل تراوغ خلال الأشهر الأولى من العام السابع، بهدف الانقضاض على مأرب، المحافظة الغنية بالثروات، التي تنظر لها بأنها جائزة مستحقة لما قامت به خلال الحرب، وخصوصاً في ظل المبادرات التي لا تلبي طموحاتها. وقالت مصادر عسكرية وسياسية، لـ"العربي الجديد"، إن المبادرات، السعودية والأميركية والأممية، المتطابقة إلى حد كبير، لن تتجاوز دور المسكنات المؤقتة، حتى لو نجحت في وقف إطلاق النار، وخصوصاً أن الحوثيين يرون أن الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد.
ويدخل الحوثيون، العام السابع، وفي جعبتهم ترسانة ضخمة وحديثة من الأسلحة التي يراهنون عليها لقلب المعادلة، وفرض أمر واقع سياسي أيضاً، وعلى رأسها 3 صواريخ بالستية لم تُستخدَم بعد. وتتنوع الصواريخ التي تحمل مسميات إيرانية، من متوسطة المدى إلى طويلة، وعلى رأسها "قدس 2 المجنح"، و"سعير" و"قاصم 2".
وتكشف الألغام البحرية الجديدة، من طراز "كرار 2، وعاصف 4، وشواظ، وثاقب، وأويس، ومجاهد، والنازعات"، عن وجود نيات لشنّ هجمات بحرية. وفي مجال الطائرات من دون طيار، التي أثبتت فاعليتها خلال العامين الأخيرين بالوصول إلى منشآت اقتصادية وعسكرية في العمق السعودي، أصبح لدى الحوثيين نسخ جديدة من هذا السلاح، على رأسها "وعيد" و"صمّاد 4".
وهذه الأخيرة قاموا بتسميتها نسبة إلى القيادي في الجماعة صالح الصماد، الذي قُتل بغارة جوية للتحالف السعودي في إبريل/ نيسان 2018. ووفقاً للإعلام العسكري التابع للحوثيين، فإن الطائرتين تمتازان بمدى قياسي يصل إلى نحو 2500 كيلومتر، أي إنه سيكون بإمكانهما تنفيذ هجمات داخل المناطق الشرقية للسعودية وما هو أبعد من ذلك، بدون أن تلتقطهما الرادارات. وفيما تحمل "صمّاد 4" قنبلتين يصل وزن الواحدة منها إلى 25 كيلوغراماً، تحمل "وعيد" عدة رؤوس متفجرة حسب نوع الهدف.
ورغم تنفيذها 572 هجوماً بالطائرات المسيَّرة في العمق السعودي، أغلبها في الأعوام الثلاثة الماضية، إلا أن "أنصار الله" تُفاخر بالعمليات الكبرى، التي تصفها بـ"توازن الردع"، وغالباً ما تكون عبر الصواريخ وسرب من الطائرات من دون طيار على هدف اقتصادي استراتيجي. وكانت أبرز هذه العمليات، التي تحوم الشكوك والتقارير الأممية بأن دور الحوثيين اقتصر فيها على تبني المسؤولية، فيما كان تنفيذها من أراضٍ عراقية، استهداف منشأتي بقيق وخريص في سبتمبر 2019، ما أدى إلى توقف إمدادات الطاقة السعودية. كذلك استُهدِفَت منشأة لشركة "أرامكو" في الرياض في 7 مارس الحالي.
ارتفاع معنويات الحكومة
وفي مقابل تلويح الحوثيين بالقوة خلال العام السابع، تبدو معنويات الحكومة اليمنية مرتفعة إلى حد ما، بعد أن نجحت في إحباط هجمات الحوثيين الكبيرة منذ مطلع فبراير/ شباط الماضي. وحثّ هادي، أخيراً، القادة العسكريين على "مراجعة الخطط العسكرية، بما يضمن تحقيق النصر على المليشيا الحوثية والقضاء على المشروع الإيراني"، وفقاً لتعبيره. وفيما لا تمتلك القوات اليمنية ترسانة من السلاح الحديث، شبيه بالذي لدى الحوثيين، فإنها تراهن بدرجة رئيسية على الغارات الجوية للتحالف، بقيادة السعودية، التي نجحت بالفعل خلال الأيام الماضية في كبح التوغل الحوثي صوب منابع النفط، فضلاً عن العنصر البشري، بعد الزج بآلاف المقاتلين من محافظات الحديدة وتعز وأبين وشبوة إلى مأرب.
وأكدت مصادر عسكرية مقربة من الحوثيين وأخرى في القوات الحكومية، لـ"العربي الجديد"، أن الجاهزية القتالية العالية التي فرضتها معركة مأرب، وحجم التحشيد الواسع، سيقودان خلال الأيام المقبلة إلى معركة فاصلة بين الطرفين، خصوصاً في ظل قناعة الحوثيين بأن الخطة السعودية للحل، لا تلبي طموحاتهم وحجم نفوذهم العسكري.
وقال الضابط في الجيش اليمني ماجد الشرعبي إن محافظة مأرب باتت تضمّ الآن عنصراً بشرياً كبيراً، بعد تدفق قوات جديدة من "ألوية العمالقة" وقوات الجيش في تعز وأبين وشبوة، فضلاً عن فتح معسكرات تدريب للمتطوعين. ووفقاً لمصادر عسكرية وسياسية، فإن معارك مأرب لن تتوقف إلا عندما يتأكد أي طرف أنه قد تمكن من تأمين المحافظة نهائياً، سواء باجتياح الحوثيين لها أو دحرهم من أطرافها الغربية، ووقتها سيكون الوقت ملائماً للجلوس حول طاولة الحوار، بعد الاقتناع باستحالة الحسم العسكري.
مأرب مفتاح الحل
ولا يقف استعراض الحوثيين للقوة كعقبة وحيدة أمام إنهاء الأزمة اليمنية. فطريق السلام لا يزال مفخخاً، ما سيجعل الذهاب نحو خطوات متقدمة للحل مسألة شبه مستحيلة، خصوصاً على المدى القريب. وتبرز مسألة ربط الملف اليمني بالملف الإيراني على رأس قائمة هذه التعقيدات المتشعبة لعملية السلام، حيث تُتهم طهران باستغلال الأزمة اليمنية كمادة لابتزاز الدول الغربية، وطوق نجاة لإنقاذها من العقوبات الدولية. وفي المقابل، تلجأ السعودية وأميركا عند طرح أي مبادرات للحل، إلى ربط مماثل، وفقاً لخبراء.
وتعتقد السياسية اليمنية وعضو لجنة صياغة الدستور، ألفت الدبعي، أن "فرص السلام في اليمن باتت أقرب من أي عام آخر، إلا أن ما ينغصها، إصرار الحوثيين على ربط الملف اليمني بملف إيران مع الولايات المتحدة ودول الخليج، وكذلك التعاطي الأميركي" مع الأزمة. وفيما توقعت أن يشهد هذا العام نهاية لمشهد الحرب والدخول في مرحلة جديدة، بعد توافر عدد من العوامل، شددت الدبعي، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، على ضرورة فك الارتباط بشكل تام بين ملفي اليمن وإيران، حتى يكون هناك تسريع أكبر لإنهاء مشهد الحرب اليمنية. واعتبرت أن عملية الفصل هذه "لن تتم إلا إذا استُكمِل تنفيذ اتفاق الرياض في الجانب الأمني والعسكري، وحُرِّكَت الجبهات من جانب الحكومة الحالية، لإحداث تغيير في المعادلة العسكرية تجبر الحوثيين على الخضوع للتسوية النهائية".
وأجمع باحثون غربيون ويمنيون على هذا الرأي. وقالت شارلوت كامين، وهي محللة شؤون شبه الجزيرة العربية في مجموعة "نافانتي للأبحاث"، ومقرها فرجينيا، في تقرير نشرته، قبل يومين، إن على الإدارة الأميركية الجديدة، قبول حقيقة أنها لا تستطيع إنهاء الحرب اليمنية بمفردها، ولكن إذا كانت تريد وضع اليمن على طريق السلام وضمان بقائه دولة موحدة، "فمن الضروري أن تفعل كل ما في وسعها لمنع وقوع مأرب في أيدي الحوثيين".
وأفرد مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، تقريره الأخير لمعركة مأرب، باعتبارها تقرر مصير اليمن. واعتبر المدير التنفيذي للمركز، ماجد المذحجي، أن خسارة الحوثيين معركة مأرب، بعد كل هذا الحشد والتجهيزات، سيوجه ضربة إلى جمهورهم ويكبح طموحاتهم السياسية ويحد من قدرتهم على المساومة. ولفت إلى أن هذا "أمر يمكن أن يفيد الزخم الدبلوماسي الدولي المتجدد لإنهاء الحرب، وبالتالي قد تُجبر جماعة الحوثيين، الجامحة عسكرياً حتى الآن، على الإصغاء إلى الدعوات المطالبة بالانخراط في المفاوضات".
وعلى الرغم من انحسار هجمات الحوثيين على مأرب منذ نحو 10 أيام، إلا أن المحافظة النفطية لم تصبح في مأمن تام من هجوم جديد، وخصوصاً بعد تصريحات المتحدث العسكري باسمهم يحيى سريع، عن وجود طلائع عسكرية جديدة ستنضم إلى الخطوط الأمامية للمعركة قريباً، بهدف تعويض النزف البشري الحاد في صفوف مقاتليها. وتدين مصادر عسكرية حكومية بالفضل في كبح تمدد الحوثيين إلى الطيران الحربي للتحالف، الذي أنقذ الموقف بغطاء جوي مكثف، في موقف يكشف أن السعودية قد أدركت، في اللحظات الأخيرة على ما يبدو، خطورة سقوط مأرب في أيدي الحوثيين.
ولا يشكّل استيلاء الحوثيين على حقول النفط والغاز وأداً لعملية السلام فحسب. فقد اعتبر الباحث في "معهد واشنطن"، مايكل نايتس، في تقرير حديث، أن الضعف المتصور لوضع الحكومة في مأرب "قد يشجع المناورات الانفصالية" في الجنوب والشرق، وقد يكون لذلك "عواقب وخيمة على المساعي الدبلوماسية للتوصل إلى السلام، وسلامة أراضي اليمن". ودعا نايتس الإدارة الأميركية إلى عدم الاكتفاء بالإدانة الكلامية لردع الحوثيين، بل استخدام قنواتها، في إشارة إلى الإمارات، مع "المجلس الانتقالي الجنوبي"، للتأكد من أن الانفصاليين لا يصرفون الانتباه عن جهود الدفاع عن مأرب، من خلال اتخاذهم "خطوات انتهازية" في أماكن أخرى.
وقال: "على واشنطن وشركائها أيضاً" تشجيع السعودية والإمارات سرّاً على إعادة إدخال عدد قليل من وحدات المدفعية بتكتّم، وتحديداً مدافع ذاتية الدفع عيار 155 مليمتراً، وطائرات المراقبة بدون طيار والدفاعات الجوية قصيرة المدى. وعلى الرغم من أن أياً من هذين البلدين لا يتوق إلى إعادة نشر قواته البرية، إلا أن نقل هذه الوحدات قد يترك تأثيراً حاسماً في معركة مأرب، وفقاً لتعبيره.
التعليقات