بين تكتم شبه كامل من قبل الحوثيين في صنعاء، واعتراف خجول من قبل الحكومة المعترف بها دوليا، تشير الدلائل وارتفاع عدد الإصابات وحالات الوفاة الغامضة إلى أن موجه جديدة من كورونا تجتاح اليمن، في ظل نظام صحي شبه منهار.
"أصبت بحالة من الصدمة والإحباط، لرفض المستشفيات استقبالي، لمجرد وجود أعراض إصابة بفيروس كورونا"، تقول اليمنية وداد (33 عاماً) ، وهي واحدة من ضحايا موجة جديدة وغير مسبوقة من تفشي كوفيد19، في ظل نظام صحي شبه منهار فقد ما يزيد على النصف من طاقته وبنيته التحتية بسبب الحرب الدائرة منذ سنوات.
وبسبب الحالة التي تكاد تنعدم فيها الاحترازات المجتمعية، فإن وداد التي تعيش في العاصمة صنعاء، لا تعرف بالضبط ملابسات إصابتها، وما إذا كان هناك مصابون آخرون من أسرتها، وتوضح لـDW عربية، أن حالتها الصحية تدهورت بشعورها بـ"الحمى"، منذ أكثر من أسبوع، قبل أن تتطور إلى "ضيق في التنفس".
وتضيف أنها ذهبت إلى اثنين من أهم المستشفيات الأهلية في صنعاء لإجراء فحوصات، لكنها فوجئت باعتذار المستشفيين عن استقبالها بسبب أعراض "ضيق التنفس"، والتعذر بعدم توفر الإمكانات اللازمة، الأمر الذي دفعها إلى شراء أدوية وتناولها منزلياً، وفقاً لإرشادات طبية متداولة في الإعلام.
ارتفاع متسارع لعدد الإصابات
حتى مطلع مارس/آذار الجاري، كان اليمن واحداً من أقل البلدان تأثراً بالجائحة، من حيث عدد الحالات المسجلة ، إذ تراجعت وتيرة تفشي الفيروس لأشهر طويلة، لتبدأ موجة جديدة مباغتة منذ أسابيع، امتلأت على إثرها مراكز العزل الصحي، المحدودة في الأصل، ورفضت مستشفيات في أكثر من مدينة، على إثرها، استقبال المزيد من الحالات.
وخلال ثلاثة أسابيع، أعلنت وزارة الصحة في الحكومة المعترف بها دولياً، عن تسجيل أكثر من 1250 حالة إصابة جديدة بفيروس كوفيد-19 و140 حالة وفاة، وهو ما يساوي نحو ثلث إجمالي الإصابات المسجلة رسمياً، منذ مطلع العام 2020، في وقتٍ ترجح فيه المصادر الطبية، أن يكون العدد الفعلي، أعلى بكثير، حيث يرفض الغالبية من المصابين التوجه للمراكز الصحية المخصصة، المحدودة في الأصل.
وأعلن وزير الصحة في عدن، قاسم بحيبح السبت الماضي أن "أسطوانات الأوكسجين وأجهزة العناية"، لدى الجهات الصحية "نفذت"، وأن غرف العناية بمراكز العزل وصلت لطاقتها الاستيعابية القصوى.
طوارئ صحية وإجراءات احترازية
ويوم الاثنين 22 مارس الجاري، أصدرت "اللجنة العليا للطوارئ لمواجهة فيروس كورونا"، التابعة للحكومة المعترف بها دولياً، تعليمات جديدة وتوجيهات تتضمن إجراءات احترازية، للحد من تفشي الوباء.
وشملت التوجيهات، إعلان الطوارئ الصحية في كل المحافظات ورفع الجاهزية في المراكز الصحية والمستشفيات، وتوجيه السلطات المحلية بإغلاق القاعات والنوادي وصالات الأفراح، وتنظيم الأسواق والمولات وتقليص مدة عملها، بالإضافة إلى إلزام كافة المؤسسات الرسمية الحكومية والمحلية بتعليق كافة الأنشطة الجماهيرية والاحتفالات والفعاليات الرسمية غير الضرورية، وصولاً إلى تفعيل قرار حظر التجوال الجزئي بحسب تقديرات السلطات المحلية في المحافظات، وغيرها من الإجراءات.
تكتم في صنعاء وسط أنباء عن إصابة مسؤولين
في صنعاء أيضاً، حيث وزارة الصحة في حكومة الحوثيين (غير معترف بها)، ترفض الأخيرة الإفصاح عن بيانات بشأن أرقام الإصابة المسجلة، يتفشى الوباء بصورة مقلقة، وفقاً لمصادر طبية.
وفي السياق، تحدثت أنباء عن إصابة رئيس الحكومة التابعة للجماعة، عبدالعزيز بن حبتور. إذ أكدت وسائل إعلام رسمية وقيادات تابعة للجماعة، تدهور حالته الصحية، من دون الإفصاح عن ملابسات حالته.
تفاقم الكارثة الإنسانية في اليمن واتهامات بحصار ميناء الحديدة
كما أُعلن يوم الأحد الماضي، عن وفاة وزير النقل في الحكومة ذاتها، زكريا الشامي، بسبب ما قالت الروايات الرسمية بأنه "مرض عضال ألم به"، في حين تحدثت مصادر أخرى، عن أنه توفي متأثراً بالإصابة بكورونا.
وأكدت وزارة الصحة في صنعاء في تعميم موجه إلى الهيئات ومدراء عموم المستشفيات في الـ14 من مارس الجاري، أن نتائج الفحوصات المخبرية لبعض الحالات أظهرت "اشتباها" بفيروس كوفيد-19، ووجهت بتخصيص غرف طوارئ خاصة ورفع جاهزية استقبال الحالات.
إمكانات ضعيفة وغياب الالتزام
تكتسب الموجة الجديدة من كوفيد-19، خطورة متزايدة، بالنظر إلى وتيرة التفشي المتزايدة، بالإضافة إلى حالة من الانعدام شبه الكلي، لأي احترازات في أوساط عموم المجتمع اليمني، على نحو يصل أحياناً، حد السخرية من التحذيرات، خلافاً لما كان عليه الأمر قبل عام، حين وصلت التحذيرات وإجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، ذروتها، في كثير من بلدان العالم.
ويشدد سمير الكثيري، وهو ناشط إعلامي يمني، أصيب منذ أشهر بالفيروس، على ضرورة أن يذهب المواطنون إلى مراكز العلاج المتخصصة ويقول إن تجربته في مركز "فلك"، بمحافظة حضرموت، كانت "ممتازة"، بعد أن وصلت حالته إلى "نكسة شديدة اختناقات، ينقطع الأكسجين، لا أستطيع التحرك"، حيث تأثرت "طاقة الجهد، وأي حركة بسيطة اختنق على طول".
ويضيف "أقول لمن ينكرون وجود الفيروس، إنني قبل أن أصاب كنت أقول إنه كلام فاضي ومجرد إشاعات ومكسب مالي للمؤسسات، أنا الآن أحد الذين أصيبوا بالفيروس وغيري الكثير".
في المقابل، لا تعدم مراكز علاج كوفيد-19 الشكاوى، في حضرموت ذاتها، والتي سجلت تفشياً ملحوظاً، على الأقل من حيث الأرقام المسجلة بالمقارنة بمدن البلاد الأخرى، يعتقد محمد عامر (اسم مستعار) أصيب وأفراد من أسرته، وتوفي اثنان من أشقائه تأثراً بالإصابة، أن غياب المختصين من الأطباء في مركز العزل، كان سبباً بوفاة شقيقيه، بعد أن رفضت المستشفيات في البداية استقبال حالتهما.
من جانبه، يُرجع وكيل وزارة الصحة (في الحكومة المعترف بها)، الدكتور علي الوليد، تزايد حالات الإصابة، إلى "عدم اتخاذ الإجراءات الاحترازية والالتزام بأدوات السلامة"، بما في ذلك للمسافرين.
ورداً على سؤال DW عربية له، بشأن إمكانيات القطاع الصحي بمواجهة الجائحة، يقول الوليدي إن القطاع في "وضع صعب جداً"، بسبب الحرب. ومع ذلك، أفاد بوجود "جهود كبيرة" بذلت خلال العام الماضي من قبل الحكومة في فتح مراكز العزل في المحافظات، وكذلك في توفير أجهزة وحدات PCR ومحاليل وأجهزة تنفس صناعي، بدعم جهات مانحة.
مراكز العزل.. بنية تحتية فقط
إلى ذلك، يقول رئيس مركز العزل بمستشفى الجمهوري في مدينة تعز نشوان الحسامي، إن إمكانيات القطاع الصحي بشكل عام تضررت بشكل كبير، حيث تم فقدان أكثر من 50 بالمائة، من البنية التحتية وتضررت بشكل مباشر أو غير مباشر بسبب الحرب والحصار بشكل عام في اليمن، وبشكل اكثر شدة في تعز".
ويضيف لـDW عربية أن "إمكانيات مركز العزل غير متوفرة، إلا كبنية تحتية وبعض الدعم المقدم من بعض المنظمات، والذي لا يغطي إلا الحد الأدنى من المتطلبات"، ويقول إنه "مع ضعف مستوى الوعي المجتمعي وسوء تعامله مع الوباء تكاد تكون إمكانيات القطاع الصحي للحد من الجائحة بالمستوى البسيط".
ويعتبر الحسامي، أن تجربة المرحلة الماضية، بالتعويل على الدعم المقدم من الجهات المانحة بـ"بالشكل المطلوب وبالوقت المناسب"، تعد "تجربة مريرة نتمنى أن لا تتكرر".
التعليقات