تتصاعد حدة المعارك وسط اليمن، مع شن جماعة الحوثي هجوما على مدينة مأرب، معقل القوات الحكومية الغني بالنفط والغاز، وهو الأشد ضراوة منذ اندلاع الحرب في البلد الأفقر بشبه الجزيرة العربية، مطلع 2015.
وقال متحدث القوات الموالية للحكومة، المدعومة من تحالف عربي بقيادة الجارة السعودية، العميد عبده مجلي، للأناضول، إن الحوثيين دفعوا بالمئات من مقاتليهم باتجاه مأرب، والهجوم على أشده من الشمال والغرب والجنوب باتجاه المدينة، مركز المحافظة (مأرب).
وأوضح أن هجمات الحوثيين، المستمرة منذ 4 فبراير/ شباط الجاري، أشبه بالعمليات الانتحارية، إذ تنتهي بسقوط العشرات من المسلحين الحوثيين قتلى وجرحى.
وتابع أن مقاتلات التحالف شنت غارات مكثفة على مواقع الحوثيين في جبهات عدة، ودمرت لهم آليات مسلحة.
وأفاد "مجلي" بأن المعارك الشرسة تدور في جبل مراد جنوبي المحافظة، وصرواح في الغرب، حيث يسعى الحوثيون إلى إحداث خرق في الدفاعات القوية للقوات الحكومية، المسنودة برجال القبائل.
وخلال الأعوام الماضية، شكلت المعارك الدائرة على محيط محافظة مأرب حرب استنزاف للطرفين، حيث اقتصر القتال على هجمات محدودة ما تلبث أن تنتهي على حائط الصد للقوات الحكومية، لكن الوضع تغير في الميدان خلال الأيام الأخيرة.
وقال "مجلي" إن الهجوم على مأرب أُعد له منذ أشهر، واستبقه الحوثيون بإطلاق صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة مفخخة على المدينة، والدفاعات الجوية أسقطت، خلال الأيام الماضية، خمس طائرات وعددا من الصواريخ.
لكن جماعة الحوثي تقول إن قواتها حققت انتصارات على محاور عدة، وتقدمت إلى مشارف المدينة، وإن قيادتها العسكرية عقدت اجتماعا لبحث الأوضاع في مأرب، في إشارة إلى جاهزيتها للسيطرة على المدينة.
وقال المتحدث العسكري باسم القوات الجوية للحوثيين، اللواء عبد الله الجفري، للأناضول، إن قواتهم سيطرت على مواقع في مديريات رحبة والجوبة وحريب، مستدلا بدعوات أطلقها مجلس النواب، التابع للحكومة اليمنية، من أجل إنقاذ المدينة من الحوثيين.
وأضاف الجفري أن إعلان السيطرة على مأرب سيتم خلال الساعات الثماني والأربعين القادمة.
وأوضح أن قرار السيطرة على مأرب اتُخذ خلال الأيام الماضية، ردًا على استمرار ما وصفه بـ"الحصار المستمر للعدوان (يقصد التحالف العربي) على اليمنيين".
وأردف أن الطرف الآخر (الحكومة) أفشل الأمور مسبقا للتوصل إلى أي تسوية سياسية، وطريق التفاوض وصل إلى حالة الانسداد، ما "دفع القيادة السياسية والعسكرية لبدء معركة تحرير مأرب".
وللهجوم الراهن على مأرب تفسيرات عدة، أبرزها أن إيران الداعمة للحوثيين، وبعد تعيين سفير لها في صنعاء (حسن إيرلو)، تريد أن يكون لها اليد الطولى في البلاد، وأن التصعيد العسكري الحالي يدفع بطريقة أو بأخرى إلى تحسين موقف إيران بشأن ملفها النووي.
وقال وكيل وزارة الإعلام في الحكومة اليمنية، عبد الباسط القاعدي، للأناضول، إن جماعة الحوثي وإيران تدفعان سويّا بالضغط على المجتمع الدولي لتحقيق مكاسب تفاوضية على جميع الأصعدة، وبينها الوضع في اليمن، خصوصًا مع تعيين واشنطن مبعوثا خاص إلى اليمن (تيموثي ليندركينغ).
وأضاف: "في كل الأحوال يسعى الحوثيون بطريقة أو بأخرى إلى تحقيق مكاسب، أقلها إسقاط القرار 2216".
وفي 2015، تبنى مجلس الأمن الدولي، استنادا إلى مشروع عربي القرار 2216، الذي يحظر توريد الأسلحة للحوثيين ويؤكد دعم المجلس للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ولجهود مجلس التعاون الخليجي، لمعالجة النزاع اليمني.
وبحسب القاعدي فإن محاولات الحوثيين للسيطرة على مأرب مستمرة منذ ستة أعوام، غير أن المدينة، التي تضم أغلب رافضي المشروع الحوثي ويصل عددهم إلى ملايين، لن تسمح للحوثيين بالتقدم.
ما يحمي مأرب حتى الآن من السقوط بيد الحوثيين، وفق مراقبين، هو في المقام الأول صمود القبائل المحلية، التي وظفت معرفتها بتضاريس المناطق الجنوبية والغربية للمحافظة، في تحقيق خطوة استباقية على الميدان.
وبالنسبة للحوثيين، فإن إمكانية الوصول إلى مدينة مأرب والتقدم شرقا للاستيلاء على حقول "صافر" النفطية، يمثّل هدفا شديد الإغواء، لذا حظيت المعركة باهتمام وترقب شديدين محليا ودوليا.
أما بالنسبة للحكومة والسلطات المحلية في مأرب، فإن سيطرة الحوثيين ستفاقم من أزمة النازحين.
ووفق تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن حوالي مليون يمني لجأوا إلى مأرب منذ بداية الحرب.
أما الأطراف الدولية، فتدرك أن النتيجة في مأرب ستشكل مستقبل الحرب والسلام المحتمل في اليمن.
ويمنح انتصار الحوثيين في مأرب سيطرة شبه كاملة للجماعة على المحافظات الشمالية، والوصول إلى موارد البلاد من النفط والغاز والعائدات التي ترافقها، وفي المقابل فإن هزيمتهم ستمثل انتكاسة رئيسية ربما تكون بداية هزيمتهم عسكريا.
وحثت الولايات المتحدة، في بيان الثلاثاء، جماعة الحوثي على وقف تقدمها في مأرب، والتحول إلى المفاوضات، وشددت على أن "اعتداء الحوثيين على مأرب هو عمل جماعة غير ملتزمة بالسلام أو بإنهاء الحرب".
وفي 19 يناير/كانون الأول الماضي، صنفت إدارة الرئيس الأمريكي حينها، دونالد ترامب، الحوثي "منظمة إرهابية أجنبية"، وفرضت عقوبات على 3 من قادتها، بينهم زعيمها عبد الملك الحوثي.
لكن إدارة جو بايدن رفعت الثلاثاء، الجماعة من قوائم الإرهاب "مراعاة للوضع الإنساني المزري في اليمن".
وأودت الحرب، المستمرة منذ نحو 7 أعوام، بحياة أكثر من 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
من جهته، قال الصحفي اليمني صقر الصنيدي، للأناضول، إن جماعة الحوثي تخشى عملية السلام أكثر من الحرب، لذا ليس في واردهم إيقاف المعركة.
ورأى أن التصعيد الحوثي في مأرب يأتي بفعل مخاوفهم من تغيير السياسة الإيرانية بالمجمل، وتقديم طهران تنازلات ضمن سياق عملية التفاوض بشأن الملف النووي مع الدول الكبرى.
وأضاف: "الحوثيون يرون أن إيران حولتهم إلى ورقة مساومة ضمن ملفاتها الدولية، لذا اتجهوا عكس الدعوات الدولية الحثيثة لوقف الحرب".
وأردف الصنيدي أن "للحوثيين أسبابهم الدائمة لإشعال الحرب في الداخل، وليس هناك ما يوقف المعركة من قِبلهم إلا بإخضاعهم لميزان القوة".
التعليقات