تواصل السعودية توسيع تواجدها العسكري في محافظة المهرة، جنوبي شرق اليمن، في مشهدٍ يعارض كل الأعراف الدبلوماسية وعلاقات الدول فيما بينها، وسط رفض شعبي متصاعد وصمت من الحكومة الضعيفة المقيمة في الرياض.
تسريع الرياض من تواجدها العسكري في المحافظة اليمنية المحاددة لسلطنة عُمان، يوحي بأن السعودية كانت تعد العدة للسيطرة على المحافظة حتى قبل دخول البلاد في دوامة الحرب عقب الانقلاب الحوثي على السلطة، وذلك وفق قراءات لباحثين ومهتمين بالشأن اليمني، الذين يرون أن ذلك تم من منطلقات أمنية واقتصادية وجيوسياسية، خاصة وأن المحافظة كانت بمنأى عن الغزو الحوثي الذي اجتاح مناطق واسعة في اليمن.
يصادف الثاني عشر من نوفمبر الجاري، مرور 3 أعوام على التواجد العسكري السعودي في المهرة، ويبدو المشهد وكأن الرياض باتت تسيطر بالقوة على كل المنافذ البحرية والجوية والبرية في المحافظة، بعد أن حولتها إلى ثكنات عسكرية، ونشرت قوات يزداد حجمها بشكل مستمر، إضافة إلى المليشيات المحلية التي شكلتها على غرار مليشيات الامارات في مناطق تخضع لنفوذها كعدن وسقطرى.
في المقابل من ذلك تشهد المحافظة اعتصامات ورفضاً شعبياً ضد التواجد السعودي فيها، حيث ينادي المواطنون بخروج تلك القوات التي يصفونها بـ "قوات الاحتلال".
خلال الآونة الأخيرة كشرت القوات السعودية عن أنيابها وبدت أكثر وضوحاً في الكشف عن أهدافها الاحتلالية في المحافظة التي دخلتها بحجة حفظ الأمن فيها وحماية البلد من التهريب الذي يصل إلى "الأعداء".
وفي أقل من شهرين، سعت القوات السعودية إلى استحداث مواقع عسكرية في حوف وسواحل حصوين وقامت باستحداث أبراج عسكرية في منفذ شحن الحدودي في تكشف واضح للأهداف الخفية للرياض في هذه المحافظة.
كما شرعت بنشر قوارب عسكرية بحرية تابعة لها على امتداد الشريط الساحلي في المهرة بذريعة مكافحة التهريب والقرصنة.
إدارة اعتصام المهرة بدورها، أكدت على استمرار مسيرة النضال والرفض الشعبي للتواجد السعودي في المحافظة، حتى خروج آخر جندي أجنبي، مستخدمة كل الأساليب السلمية في التعبير عن رأيها الرافض لهذا التواجد.
وقبل أيام عقدت اللجنة العليا للاعتصام اجتماعاً موسعاً أقرت فيه استئناف أنشطتها الميدانية التي كانت أوقفتها باتفاق مع السلطة المحلية، إبّان تفشي فيروس كورونا في موجته الأولى.
وبحسب بيان صادرعن اللجنة فإنها بصدد عقد لقاءات مع السلطات المحلية لمناقشة جملة من القضايا ومن بينها موقفها من التواجد السعودي.
سالم عبدالله بلحاف، رئيس الدائرة الإعلامية في الإعتصام، هو الآخر قال في تصريح خاص لـ "سقطرى بوست" إن "الهدف الرئيسي للاعتصام وفعاليته هو الدفاع عن السيادة الوطنية ورفض أي تواجد خارجي في المهرة أو أي محافظة يمنية".
وأضاف: "إن الرفض الشعبي المتمثل بالاعتصام والفعاليات السلمية، كشف مخططات السعودية والإمارات في المهرة وسقطرى، وعرى هذا التحالف أمام العالم".
وتابع: حققنا نجاحات عدة ونمتلك من الوسائل والآليات ما نستطيع تحقيق كل تطلعاتنا، داعياً كل مكونات المحافظة للتكاتف وراء قضيتهم الرئيسية وقضية كل الوطن.
وأشار إلى أن فعاليات الاعتصام "مثلت الصخرة الأولى القوية التي تحطم عليها معول التحالف (السعودي الاماراتي) ومن خلاله تخلّق وعي مجتمعي وسياسي شعبي على مستوى اليمن الذي بات يعرف جيداً أهداف هذا التحالف".
وأكد بلحاف على أن الأيام القادمة ستشهد زخماً كبيراً ضمن خطط تم الاتفاق عليها في لقاءات مكثفة تم عقدها لهذا الشأن.
عن التواجد السعودي وحقيقته، يعتبر رئيس إعلام الاعتصام السلمي بالمهرة، سالم بلحاف، هذا التواجد في المهرة واليمن بشكل عام، بأنه يأتي ضمن مطامعها التاريخية في اليمن، مشيراً إلى أن دخولها اليمن كقائدة للتحالف ليس من باب الصدفة وإنما مخطط له.
وأضاف في حديثه لـ "سقطرى بوست": "أن مخططات السعودية، هي "تقسيم اليمن وتفتيته وتركيعه والسيطرة عليه ومقدراته".
وتابع: "السعودية تريد أن تصل للبحر العربي ومد أنبوبها النفطي واقتطاع جزء عزيز من اليمن وهو محافظة المهرة، وضمها لأراضيها ومحاولاتها السابقة كانت في الثمانينيات، واستخدمت أساليب التجنيس السياسي والقبلي وشراء الولاءات وفشلت، كما سيفشل مشروعها الآن وفي القادم".
من جهته يرى الخبير العسكري الدكتور علي الذهب، أن التواجد السعودي في المهرة غير مرتبط بزمن وينطلق من منطلق "الأمن الواسع" والذي يشمل (الاقتصاد، السياسية، التجارة، أمن الطاقة، الجانب العسكري).
وقال في تصريح خاص لـ "سقطرى بوست"، إن "البُعد الاقتصادي في التواجد السعودي بالمهرة يتعلق بمحاولة السعودية تأمين منفذ بحري على بحر العرب من خلال مد أنبوب نفط من حقولها الجنوبية يمر عبر أراضي محافظة المهرة، تحاشيا ًلتحكم ايران في حركة التصدير عبر مضيق هرمز في ظل التوتر القائم بين البلدين".
وبشأن التواجد العسكري، أوضح "الذهب" أنه "قد يكون له علاقة بالبُعد الاقتصادي، حيث ترى الرياض التي تستضيف قيادات الشرعية، أن هذا الوجود والذي جاء تحت غطاء مكافحة التهريب وأخذ يتوسع مع الأيام، قد يؤمن لها اتفاق تفرضه على الحكومة تحت تهديد قوة الواقع مستقبلاً، أو مع أي نظام قد يؤول اليه الوضع في المحافظات الجنوبية في ظل الحكومة الاتحادية أو أي صيغ أخرى للحكم".
وأضاف بان هذا التواجد له أبعاد أخرى تتعلق بالصراع العسكري المفترض مع ايران من قبل الرياض وحلفائها الدوليون، حيث تتخذ السعودية هذا الموقع المهم والمطل على البحر العربي كساحة استراتيجية توفر لها مساحة مناورة عسكرية (بريا، جويا، بحريا).
وبطبيعة الحال يبدو حلم التواجد السعودي في المهرة ليس جديداً، إذ أفاد تقرير سابق لمركز "أبعاد" للدراسات، بأن الرياض تسعى إلى "إنشاء ميناء نفطي في المهرة على ساحل البحر العربي، وهو الحلم الذي ظل يراود السعودية للتنفس جنوباً عبر المحيط الهندي من دون قلق من تهديدات إيران حول مضيق هرمز".
وتابع "بعد خمس سنوات من تحويل محافظة خرخير التابعة لمنطقة نجران جنوب السعودية إلى مخزن للنفط الخام وإجلاء جميع سكانها، يمكن مد أنبوب نفطي وإنشاء ميناء في المهرة بتكاليف أقل، وفي وقت قياسي مقارنة بميناء المكلا الذي كان ضمن استراتيجية السعودية القديمة".
وأضاف التقرير "بقراءة واقعية لدراماتيكية الحرب في اليمن، فإن التحالف لا يبحث عن انتصار سهل وسريع في اليمن، وإنما يريد أن يحقق مصالح استراتيجية، على رأسها منع نشوء دولة يمنية قوية منافسة إقليمياً في المنطقة".
وهذا الأمر يتفق معه الصحفي فهد سلطان الذي يرى بأن "أطماع السعودية في المهرة من قبل ثلاث سنوات، وأن عاصفة الحزم فتحت شهيتها لأشياء كثيرة في البلاد، من إذلال اليمن وكسره والانتقام منه (الربيع العربي) وتقسيمه ونهب ثرواته واقتطاع أجزاء منه، وتجذير الطائفية فيه عبر الحوثي، وأخيرا التحكم والسيطرة على بعض محافظاته كما هو الحاصل في المهرة".
وأضاف في حديثه لـ "سقطرى بوست" إن "السعودية لها مشروع كبير في اليمن(..) بلد مفتوح بلا سيادة أو معارضة حقيقية أو كفاح مسلح يوقف هذا العبث".
وأكد "سلطان" أن السعودية تحقق كثير من مطامعها في اليمن وهي غير مستعجلة في الخروج منه، خاصة وأنها باتت تدرك أن خيار "الكفاح المسلح" بات بعيد المنال في ظل التشظي الوطني وارتهان غالبية القوى لها.
وأشار إلى أن السعودية تسعى لإضفاء جانب قانوني على هذا الوضع، من خلال ماتحاول فعله عبر اتفاق الرياض.
وصف طبيعة التواجد السعودي في المهرة بـ "الإحتلال" أمر لم يعد عليه خلاف، فالواقع خير دليل كما يُقال؛ وإن ذهبت بعض توصيفات السياسيين أو المراقبين، خلاف ذلك، فتلك من منطلقات اللغة الدبلوماسية لاغير.
وهو ماأكده أصحاب الأرض، حيث يعتبر رئيس لجنة الاعتصام السلمي بمحافظة المهرة، شرقي اليمن، عامر سعد كلشات، التواجد العسكري للسعودية في المهرة، "احتلالا يقضي على ما تبقى من الشرعية اليمنية".
وقال كلشات في مقابلة سابقة مع "الأناضول"، إن السعودية تقوم "باستخدام قضية التهريب والإرهاب لتبرير تواجدها العسكري في محافظة المهرة" ليس أكثر.
من جهته الخبير العسكري علي الذهب، يؤكد على حقيقة أن التواجد العسكري في المهرة بات "احتلالاً" ويرى أن ذلك "لكونه تجاوز سقف الدعم العسكري لإعادة الشرعية، لاسيما بعد خمس سنوات من عاصفة الحزم، حيث لم تتمكن دول التحالف المعلن أن تعيد الشرعية للبلاد، في المقابل تُنتهك سياده لليمن وتُقتطع أجزاء من أراضيه لصالح دول أخرى".
ويضيف لـ "سقطرى بوست": " احتلال.. هذا اذا سمينا الأمور بمسمياتها، أما إذا ذهبنا للتبرير من منطلق لغة السياسيين فإنه يبقى في اطار أهداف تدخل عسكري لدعم تحالف دعم الشرعية طالما وهذه السلطة الشرعية راضية بذلك".
ومن غير مواربه يؤكد الصحفي فهد سلطان، بصريح العبارة أن "تواجد السعودية في اليمن بشكل عام وفي المهرة بشكل خاص، احتلال كامل الأركان، بل أنه أسوأ احتلال عرفته اليمن، لأنه يستهدف كل شيء ويضرب بنية المجتمع اليمني ويؤسس لمخاطر جمة وكبيرة ومشكلات يصعب تجاوزها بسهولة".
ويتابع بالقول: "هذا الاحتلال لا يعمر في جهة ويهدم في جهة أخرى كما فعلت بريطانيا إبّان احتلالها لجنوب اليمن، بل يهدم نفسيا واجتماعيا وسياسيا، ويؤسس لمشكلات تحتاج إلى عقود".
ويرى "سلطان" أن "الحكومة الشرعية مساهمة ومشرعنة لهذا الاحتلال ووجودها في الرياض برضى منها من أجل مصالح شخوصها(..)والحقيقة، ما كان للسعودية أن تصل أو تفعل أو تجعل البلد بهذا المستوى لو كان لليمنيين حكومة نابضة بالوطنية والشرف".
ويعزو الدكتور "الذهب" الصمت الحكومي لوجود تفاهمات غير معلنة مع السعودية، تمت برضى من الحكومة أو تحت تهديد القوة؛ لكنه يعاود القول أن ضعف الحكومة على الأرض يجعل من خروجها تماماً من حسابات التفاهمات منطقياً، ويحصرها ـ التفاهمات ـ بين الحليفين "السعودية والإمارات" لتقاسم النفوذ في عدن والمهرة وسقطرى، فيما تظل الأطراف اليمنية مجرد أداوت لتلك التفاهمات.
بدأ التواجد السعودي فعلياً في المهرة، في أواخر العام 2017 عندما قررت الرياض إرسال قوات تابعة لها إلى محافظة المهرة وإلى المنافذ البحرية في البلاد، وكذلك إلى ميناء نشطون ومطار الغيضة الدولي، بعد مزاعم تحدثت عن عمليات تهريب للسلاح من هناك إلى الحوثيين، هذه المزاعم لم تثبت وفقاً لتصريحات مسؤولي السلطة المحلية وقيادات الإعتصام في المحافظة.
إلى جانب ذلك، كشفت صحيفة ناشيونال انترست، أنه اعتباراً من مارس 2019، تم إرسال لواءين يتألفان من 2500 جندي سعودي إلى المهرة، فيما عدد القوات التي تصل يومياً يتزايد.
ويرى اعتصام المهرة، بأن سيطرة السعودية على المنافذ مع عُمان هو استهداف للجارة التي لم يروا منها إلا كل خير، مبدين توجسهم من القواعد العسكرية التي يتم الإعداد لها على أكثر من موقع بحري وبري حدودي.
وتعتقد السعودية أن المنافذ البرية التي تربط المهرة بسلطنة عُمان، هي أحد أهم مراكز تهريب السلاح إلى الحوثيين، وهي الاتهامات التي ترفضها مسقط، وبالتالي فإن عُمان بطبيعة الحال هي المقصود بتعزيز المملكة لتواجدها في المنافذ الحدودية.
لكن لا يبدو فعلياً أن هذا السبب هو الوحيد الذي تتواجد فيه السعودية هناك، فبحسب الخبير الجيوسياسي "علي الذهب" فإن الحضور السعودي في المهرة يأتي في إطار مزاحمة حضور "مسقط" التي تختلف معها بشكل غير معلن.
ويضيف:"عُمان لديها مشروع اقتصادي ضخم وهو مدينة (الدقم) الإقتصادية التي سيكون لها دور استراتيجي في النقل اللوجستي والنقل البحري لاسيما مع إعلان الاستراتيجية الصينية من خلال مشروع (الحزام والطريق) التي ستضم موانئ منطقة بحر العرب، ومن هذا المنطلق ترى الرياض أن تكون حاضرة في تلك البقعة الاستراتيجية لحسابات تجارية خاصة بها وحلفائها الدوليين (أمريكا وبريطانيا) اللتين تسعيان إلى إيجاد حضور منافس للحضور الصيني القوي إلى جانب الهند في مدينة (الدقم)".
ويتابع: "السعودية تسعى أن تضمن لها تواجد على المحيط الهندي من منطلقات تجارية لكونها لاتملك منفذ في تلك المنطقة، كما وكأنها تتعامل مع المشروع الإقتصادي العُماني على أنه استهداف لمشروعها "نيوم" المخطط له ضمن رؤية (2030).
التعليقات