إعلان السعودية وإيران عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما أثار اهتمام قطاع واسع من الشعب اليمني، وسط حالة ترقب بشأن مدى إمكانية انعكاس ذلك على مسار الحرب المستمرة في بلادهم منذ نحو تسع سنوات.
وينتظر اليمنيون أن يؤدي الاتفاق بين إيران الداعمة لجماعة الحوثي، والسعودية التي تقود تحالفا عربيا لدعم الشرعية منذ 2015، إلى ممارسة ضغوط على أطراف النزاع اليمني للمصالحة، وتعزيز خطوات تمهد لتحقيق السلام.
فيما يرى خبراء استطلعت الأناضول آراءهم، أن عودة علاقات السعودية وإيران قد تعزز خفض التصعيد العسكري في اليمن، مع استبعاد تحقيق سلام شامل على المدى القريب، وسط توقعات بأن تتحول إلى "حرب باردة".
والجمعة، أعلنت السعودية وإيران استئناف علاقاتهما الدبلوماسية وإعادة فتح سفارتيهما في غضون شهرين، وذلك عقب مباحثات برعاية صينية في بكين، بحسب بيان مشترك للبلدان الثلاثة.
ويعاني اليمن حربا منذ نهاية 2014، اندلعت عقب سيطرة الحوثيين على صنعاء وعدة محافظات بإسناد من قوات الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي قُتل في 2017 خلال مواجهات مع مسلحي الجماعة إثر انتهاء التحالف بينهما.
توافق داخلي
وفجر السبت، أعربت وزارة الخارجية في الحكومة اليمنية، عن أملها أن "يشكل اتفاق السعودية وإيران، مرحلة جديدة من العلاقات في المنطقة، بدءا بكف طهران عن التدخل في الشؤون اليمنية".
وأضافت الوزارة، في بيان، أن "موقف حكومة اليمن يعتمد على أساس الأفعال والممارسات لا الأقوال والادعاءات، لذلك ستستمر في التعامل الحذر تجاه النظام الإيراني حتى ترى تغيرا حقيقيا في سلوكه، وسياساته في اليمن والمنطقة".
والأحد، عبّر عضو مجلس القيادة الرئاسي في اليمن عبد الله العليمي، عن أمله أن "يكون الاتفاق السعودي الإيراني مقدمة لوقف تدخلات إيران، ودافعا لوقف الحرب والوصول لاتفاق سلام دائم وشامل"، وفق وكالة الأنباء الرسمية "سبأ".
أما طهران، فقد أعلنت بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة، أن استئناف العلاقات السياسية مع الرياض سيسرع تحقيق وقف إطلاق النار في اليمن، وبدء حوار الشعب اليمني وتشكيل حكومة وطنية، بحسب وكالة "مهر" الإيرانية (حكومية).
من جانب الحوثي، وصف عضو المكتب السياسي للجماعة عبد الوهاب المحبشي، اتفاق السعودية وإيران بأنه "إيجابي"، مؤكدا أنه "سيكون له انعكاس على الملف اليمني"، وفق تصريح تلفزيوني نقلته وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا".
كما علق المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام على الاتفاق، عبر تويتر، بقوله: "المنطقة بحاجة لعودة العلاقات الطبيعية بين دولها، لتسترد بها الأمة الإسلامية أمنها المفقود نتيجة التدخلات الأجنبية".
خفض التصعيد
الباحث اليمني في الشؤون العسكرية والاستراتيجية علي الذهب، يرى أن "الاتفاقية بين إيران والسعودية ستعمل على خفض التصعيد في اليمن، والدفع بعملية السلام إلى الأمام".
واستدرك الذهب، خلال حديثه للأناضول: "لكن الاتفاق لا يمثل انكسارا كبيرا للحوثيين أو إضعافا لهم، ولا يمكن أن يمثل دافعة كبيرة لعملية سلام شاملة ومستدامة على الإطلاق".
غير أن الاتفاق سيكون له تأثير على دعم إيران للحوثي، وفق المحلل اليمني، الذي قال إن "دعم إيران الرسمي للحوثيين سيضعف إذا مضت الاتفاقية في طريقها، حيث تضمنت مسألة عدم التدخل في شؤون الدول".
وأشار إلى وجود "قضايا يمنية داخلية معقدة تتعلق بالنزاع السياسي على امتداد البلاد كلها، وعدم ثقة بين مختلف الأطراف تجاه أي عملية سلام حقيقية، لأنه لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى هذا الاتجاه من أي طرف داخلي".
وأوضح أن "الحوثيين باتوا على قدر من القوة، ولديهم مصادر تمويل كثيرة، فضلا عن عوامل خارجية تمنحهم أسباب القوة لاتخاذ مواقف متعنتة تجاه عملية السلام، والحؤول دون تقديمهم تنازلات في سبيلها".
وتساءل الذهب: "إذا كان الحوثيون خلال الهدنة المعلنة في أبريل/ نيسان الماضي، لم يلتزموا باستحقاقات للطرف الآخر (الحكومة) وذهبوا بفرض اشتراطات لتجديد الهدنة، فكيف ستكون شروطهم بشأن عملية السلام؟".
"لا تأثيرات كبيرة"
من جهته، توقع الباحث السياسي اليمني عادل دشيلة "ألا يكون لاتفاق إيران مع السعودية انعكاسات قوية على الملف اليمني، فما تزال ملامح التسوية السياسية غير واضحة المعالم، حيث الحوار ما زال جاريا في الإقليم حول القضية اليمنية".
وأضاف دشيلة، للأناضول: "لا أستبعد أن تضغط إيران على الحوثي للقبول بالتسوية السياسية، فبالتأكيد توجد تفاهمات سعودية إيرانية فيما يخص اليمن لم يكشف عنها بشكل علني، والأيام القادمة كفيلة بكشف المستور".
واستدرك: "لكن لا نتوقع أن يكون للاتفاق تأثيرات كبيرة على الملف اليمني، فالحوثي بعد أن استولت على صنعاء وسلاح الدولة من الصعب أن تقدم تنازلات جوهرية وتتخلى عن السلاح وعما حصلت عليه، من خلال الحوار السياسي".
وعن دوافع السعودية، قال دشيلة، إنها "تريد تحقيق احتياجاتها الأمنية في الوقت الراهن، فبعد أن فشلت الإدارة الأمريكية بإقناع الحوثيين بالسلام في اليمن، رأت الرياض أن من مصلحتها أن تحاور إيران، الذي توج باتفاق برعاية صينية".
وتابع أن "الرياض تريد التركيز على الأوضاع الداخلية (في المملكة)، من خلال المشاريع الاقتصادية، ولا تريد توترا أمنيا واستمرارا للصراع في اليمن (التي تشترك معه في حدودها الجنوبية)".
أم عن دوافع إيران، فوفقا لدشيلة، فهي "تعاني أزمات داخلية كثيرة سواء على مستوى الاقتصاد أو السياسة، حيث توجد احتجاجات شعبية، إضافة إلى تقديمها تنازلات عديدة للوصول إلى الاتفاق بسبب العقوبات المفروضة عليها".
وتفرض الولايات المتحدة منذ سنوات عقوبات واسعة على إيران، وتهدد بفرض "عقوبات قاسية" على أي دولة تتعامل مع قواتها لا سيما الحرس الثوري المدرج بقائمة "المنظمات الإرهابية" التي تعدها واشنطن، بحسب وسائل إعلام أمريكية.
وخلص الباحث اليمني، إلى أنه بسبب تلك الأوضاع، فإن إيران اختارت أن "تتخلى جزئيا - على الأقل مرحليا - عن طموحاتها التوسعية في المنطقة على حساب دول الإقليم".
"حرب باردة"
أما عن توقعات مستقبل العلاقات بين السعودية وإيران، فيرى المحلل السياسي اليمني يعقوب العتواني، أن "الاتفاقية بين الدولتين، ستعزز من حالة اللا حرب واللا سلم الحالية في اليمن".
وأوضح العتواني، للأناضول: أن "هذه الاتفاقية لا تمثل دافعا حقيقيا للسلام في اليمن الذي يعيش تعقيدات سياسية واجتماعية خاصة به، ولا تقتصر عوامل الاحتراب فيه على التدخل والدعم الأجنبي للأطراف المحلية".
وتابع: "حتى فيما يتعلق بتدخلات كل من طهران والرياض، فإن هذا الاتفاق لن يضع حدا لصراعهما داخل اليمن، وما سيحدث هو أن صراعهما (السعودية وإيران) في اليمن سيتواصل في صيغة حرب باردة خلال المستقبل القريب".
وتسببت الحرب المستمرة في اليمن منذ سنوات، بواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، حيث يعتمد معظم السكان البالغ عددهم 30 مليونا على المساعدات، بحسب الأمم المتحدة.
وبجانب الصراع بين الحوثيين والحكومة، تخضع محافظات يمنية جنوبية، هي عدن وشبوة وسقطرى ومعظم أبين، لسيطرة قوات "المجلس الانتقالي" الذي يطالب بالانفصال ويتهم الحكومات المتعاقبة بتهميش وإقصاء تلك المناطق.
التعليقات