خلال 2019 ظهرت "سقطرى" كواحدة من أبرز بؤر التوتر بين الحكومة الشرعية وحكومة أبوظبي، وهي أزمة ممتدة منذ إقالة خالد بحاح (رجل الإمارات) من منصبيه كنائب للرئيس ورئيس للوزراء واستبداله ب علي محسن الأحمر (نائب الرئيس) وأحمد عبيد بن دغر (رئيس الوزراء السابق) مطلع 2016.
تمكنت الإمارات في أغسطس/آب 2019 من إسقاط مدينة عدن لمليشياتها المسلحة، وحاولت القيام بنفس الأمر في محافظة أرخبيل سقطرى، لكن الإجماع الشعبي برفض وجودها جعلها ومليشياتها تتراجع، حيث خرجت عدة تظاهرات في الجزيرة رفضاً للوجود الإماراتي.
ترفض الحكومة الشرعية الوجود الإماراتي في "أرخبيل سقطرى" وسبق أن بعثت برسالة لمجلس الأمن في يوليو/تموز2018 تطالب أبوظبي بالمغادرة. في القانون الدولي فإن أي قوة تتواجد على أراضي دولة أخرى بغير دعوة أو قرار دولي بوجودها فإن ذلك يعتبر "احتلالاً" وهو ما ترفض أبوظبي والرياض الاعتراف به.
الأطماع
كانت الإمارات قد أنشأت قاعدة عسكرية تمكنها من إبقاء 5000 مقاتل على أراضي الجزيرة منذ عام 2016 وكانت ستعتبر قاعدة عسكرية متقدمة للإمارات في بحر العرب والمحيط الهندي، لتحقيق عدة أهداف عسكرية وسياسية:
الأول، قاعدة عسكرية ستكون بمثابة “دييغو غارسيا إماراتية” (جزيرة طردت بريطانيا وأمريكا سكانها الأصليين وحولتها إلى قاعدة عسكرية وتقع في المحيط الهندي)، وفي الحقيقة فإن سقطرى ذات موقع استراتيجي عالي -أكبر من دييغو غارسيا-، حيث تسيطر على مدخل خليج عدن من جانب المحيط الهندي؛ وهو المدخل المؤثر على 23% من إمدادات العالم من النفط والطاقة التي تمر عبر مضيق "باب المندب".
ليس ذلك فقط بل إن الإمارات ذهبت أبعد من ذلك ففي أبريل/نيسان 2017 تحدثت تسريبات عن اتفاق بين ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد والرئيس الروسي حول منح قاعدة عسكرية لروسيا في اليمن -في سقطرى تحديدا- بعد أن فشلت موسكو في الحصول على قاعدة في القرن الإفريقي لرفض دولها وجود قوة روسية في ظل وجود قواعد عسكرية لباقي دول العالم ومنها الولايات المتحدة وتركيا واليابان. مقابل أن تدعم موسكو مواقف أبوظبي في مجلس الأمن الدولي وتدعم وجودها ونفوذها في ليبيا حيث تخوض حرباً بالوكالة في دعم مليشيا الانقلابي خليفة حفتر.
الثاني، الاستثمار الاقتصادي: يقوم المطورون العقاريون التابعون للإمارات ببناء الأسس لفنادق وشقق في الجزيرة، ويقوم مقاولون بالتعدي على المحمية الطبيعية في الجزيرة وتدمير البيئة الطبيعية لبناء فنادق وسط تلك المحمية الوطنية. في منحى لاستبدال الطبيعة الساحرة للجزيرة بكُتل الاسمنت ما قد يخرجها من قائمة التراث العالمي، إذ أن التوقعات في حال استمرار البناء بتدمير الجزيرة خلال 10 سنوات. وتحركت السلطة المحلية بقيادة رمزي محروس لوقف تمدد الإمارات في الجزيرة لكن أبوظبي مستمرة في موقفها.
الثالث، التأثير على الأمن القومي للمنطقة: تهدف أبوظبي أن تكون قوة إقليمية مؤثرة على شبه الجزيرة العربية والقرن الإفريقي، وبما أنّ وجود قاعدة عسكرية في جزيرة ميون "بريم" وسط مضيق باب المندب تسبب بانزعاج عالمي ومحلي وإقليمي أدى في النهاية إلى توقفها في إقامة قاعدة عسكرية في الجزيرة، والمعلومات تشير إلى حصر استخدامها كمعسكر لتدريب المليشيات التابعة لها، والاحتفاظ بقاعدتها في ارتيريا في وقت تبني قاعدة عسكرية جديدة في إقليم "أرض الصومال" التابع لجمهورية الصومال، فإنها ستكون بحاجة إلى قاعدة عسكرية متقدمة، تؤثر بشكل رئيس في الصومال وجيبوتي واليمن وسلطنة عُمان وهو ما تراه في سقطرى القريبة من كل ذلك وبالتالي فإنها تعتبر الجزيرة ضمن مجال أمنها القومي.
مخاطر
وجود نزاع في سقطرى يفتح الشهية للقرصنة البحرية ويفاقم التوتر على مضيق باب المندب وخليج عدن، وهناك مخاوف حقيقية من تطور النزاع إذا ما رفضت أمريكا وبريطانيا التحركات الإماراتية في الجزيرة فإنها قد تدفع بروسيا للتدخل، ويحول الجزيرة لنقطة صراع متعددة.
كما أن حدوث أزمة في المنطقة مع التوترات الجيوسياسية مع إيران، يجعل أرخبيل في منطقة صراع دولية، ولإدارة الحرب قد تذهب السعودية والإمارات إلى تحويل "جزيرة سقطرى" إلى مقر عمليات عسكرية دائمة ضد الإيرانيين وحلفائهم.
وبتحويل "سقطرى" قاعدة عسكرية للإمارات، فإن ذلك يؤثر على الأمن القومي العُماني، إلى جانب تأثيره أيضاً على الصومال. ما يدفع سلطنة عُمان والصومال إلى العمل أكثر لإنهاء أي وجود عسكري إماراتي على الجزيرة. وتعاني علاقات البلدين مع أبوظبي من توتر مستمر منذ أكثر من عامين.
حيث يعتقد الصوماليون أن الإمارات تسعى للتأثير عليها بعد طردها من العمل في الصومال مطلع 2018م. والعام الماضي قامت سلطنة عمان بمحاكمة خلية تجسس إماراتية على أراضيها وحكمت على عدد منهم بالسجن 15 عاماً.
التعليقات