أعتبر مركز رفد للدراسات والبحوث إن عام 2019م هو عام التدخلات الإقليمية في اليمن بإمتياز، ظهرت هذه التدخلات علناً لتعكس مدى سيطرة القوى الإقليمية على الأحداث في اليمن وعمق تدخلها في النزاع هذا يؤكد أن الصراع الدائر في اليمن هو امتداد للصراع الإقليمي بين السعودية وإيران فقد ذهب كل طرف إلى محاولة ترتيب أوراق وكلائه على الأرض، مما أدى إلى تراجع وتيرة المعارك المباشرة بين القوات الحكومية وقوات الحوثيين بصورة ملحوظة في عموم الجبهات التي كانت مشتعلة، وأصبحت أغلب الجبهات شبة متوقفة بإستثناء جبهة صعدة والتي تعتبر جبهة حدودية مع السعودية أي لتأمين الحدود السعودية وجبهة الضالع والتي تعتبر آخر الحدود للمحافظات الجنوبية، وعلى الرغم من نجاح المجتمع الدولي بالضغط على الأطراف المتصارعة بالتوقيع على اتفاقات سياسية لوقف العنف وتقاسم السلطةعبراتفاقين سياسيين الأول اتفاق ستوكهولم بين الحكومة الشرعية والحوثيين والذي وقع عليها الطرفان في ستوكهولم – السويد في 13 ديسمبر عام 2018 برعاية الأمم المتحدة واتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي الجنوبي وقع عليها بالرياض في 5 نوفمبر 2019 برعاية المملكة العربية السعودية. غادر العام ومازالت هذه الاتفاقات حبر على ورق وظلت آمال اليمنيين معلقة على أمل تنفيذها ولكن حرص المتحاورون على تحقيق المصالح السياسية دونما حرص على تحقيق المصالحه، فكل طرف يملك أجندته الخاصة وموافقته بالذهاب إلى أي اتفاق ليس رغبة صادقة بالسلام ولكن نتيجة للضغوط التي تمارس عليهم سواء علي الميدان أو نتيجة للضغوطات الدولية.
وقال مركز رفد للدراسات في تقرير له صادر اليوم السبت 4-1-2020 أن الحوثيون استفادوا سياسياً من اتفاق ستوكهولم بالاعتراف بهم كطرف بعد أن كانوا متمردين وانقلابيين في نظر العالم وهذا شجع المجلس الانتقالي الجنوبي على أن ينقلب على الحكومة الشرعية في عدن بعد أن تجاهله الجميع خلال مفاوضات ستوكهولم وأدرك أن الانقلاب والسيطرة على الأرض سيمنحه الاعتراف وحق المشاركة في أي مفاوضات قادمة، وهذا ما تحقق لهم بالفعل في اتفاق الرياض.
*فرض التوازن بين القوى المحلية:
وقال مركز رفد أنه في شهر يوليو، ظهر اللواء محسن خصروف الذي كان يشغل منصب مديردائرة التوجية المعنوي في الجيش الوطني التابع للحكومة الشرعية على أحد البرامج التلفزيونية، متحدثاً عن محدودية دعم التحالف التي تقوده السعودية للجيش اليمني. وقال اللواء خصروف أن التحالف يتعمد تجريد الجيش من السلاح النوعي أو الأسلحة الثقيلة بينما تقدم إيران الدعم السخي لجماعة الحوثيين. وأضاف أن التحالف لا يثق في وضع الأسلحة النوعية في يد الجيش اليمني سواء من طائرات أو صوايخ أو غيرها. وقد تم تحويل اللواء محسن خصروف للتحقيق على إثر هذا الظهور.
ولو أمعنا النظر في آلية تعاطي التحالف مع القوات المحليه في اليمن بشكل عام. سنجد تعمد إبقاء جميع القوى المحلية على مستوى واحد من القوة، بحيث لايستطيع طرف التغلب على الآخرحتى في المعارك التي دارت ضد الحوثيين. فقد تعمد التحالف في كثير من جبهات القتال تحييد الأسلحة النوعية من المعارك وعدم حسم المعارك بشكل نهائي. وسمح للحوثي السيطرة على مناطق كانت بالإمكان دعمها بالطلعات الجوية لمنع تمدد الحوثي فيها مثل معارك قبائل حجور في محافظة حجه أو منطقة الحشاء في الضالع. ويسعى التحالف من هذه الآلية إلى إبقاء جميع القوى المحلية على مستوى واحد من القوه ليملك هو قوة ترجيح كفة الطرف الذي يريد و لفرض سيطرة أكبر على الواقع اليمني.
* تباين في الرؤوى:
ويقول التقرير الصادر عن مركز رفد أنه تختلف محددات العلاقات بين عضوي التحالف الرئيسيين -السعودية والإمارات- مع اليمن مما خلق تبايناً في طريقتيهما للتعامل مع الأوضاع في اليمن والأهداف أيضاً فعلى سبيل المثال تشترك المملكه العربية السعودية مع اليمن بشريط حدودي يصل إلى 1800 كم مما يجعل اليمن ذات أهمية خاصه للعربية السعودية من الناحية الأمنية والاستقرار الديناميكي في اليمن بينما لا تشترك الإمارات مع اليمن في أي حدود مما لا يجعل استقرار اليمن من أولوياتها ولهذا نرى أن الامارات لاتهتم كثيراً بمسألة الإنفصال أو الوحدة بين شمال اليمن وجنوبه وهو الذي ليس في مصلحة السعودية على الأقل في الفترة الحالية أيضاً يشكل فارق المساحة الجغرافية بين الدولتين عاملاً مهما فالعربية السعودية مساحتها واسعة جداً مقارنة بالإمارات التي ترى في الجزر والموانئ اليمنية عمقاً إستراتيجياً مهماً قد يفيد في توزيع ترسانتها الجوية ومحطه جيده لها إقتصادياً، لقد خلقت هذه التباينات إختلافاً في وجهات النظر وفي طريقة التعامل مع الأزمة اليمنية فذهبت الأمارات لدعم الجماعات الإنفصاليه بغرض السيطره على جنوبي اليمن مما فاقم الخلافات بين الحكومة الشرعية ودولة الأمارات كانت السعودية تلعب دور الوسيط الذي يحاول تهدأة الأوضاع وبسبب تزايد السخط الشعبي والحكومي على إثر التدخل الإماراتي المباشر إستطاعت السعودية إستبدال القوات الإماراتية المتواجده في عدن بقوات سعودية خشية من إنهيار التحالف بشكل كامل في اليمن.
ويرأى التقرير إن الفارق الزمني للتقلبات العسكرية في اليمن يوضح حجم التدخلات الخارجية في القرار العسكري للقوى المحلية في الجانب المنآي لجماعة الحوثي.
* ضربات في العمق وتسوية سياسية شاملة:
وقال التقرير تتمثل القدرات العسكرية الفعلية لجماعة الحوثيين في السلاح الذي استطاعوا الحصول علية أثناء إجتياحهم للمدن اليمنية لكن طيران الدرونز أو كما تسمية الجماعة (سلاح الجو المسير) فهو الذي لم يكن يمتلكه الجيش اليمني نفسه قديماً أوحديثاً، لقد أدت الخلافات الحاصلة في الجانب المدعوم من التحالف وإختلاف إيدولوجيات أعضاء التحالف نفسها إضافة لسنوات الحرب في اليمن إلى تطور القدرات القتالية لدى جماعة الحوثيين بشكل ملحوظ وهذا يعكس زيادة حجم الدعم الإيراني لهذه الجماعه سواءً تكنولوجياً أو لوجستياً.
في 14 من سبتمبر أعلنت جماعة الحوثي عن تبنيها عملية قصف المنشآت السعودية الأضخم لمعالجة النفط والتي تعالج في اليوم الواحد 7مليون برميل تقريباً، وبالرغم من أن وزيرالخارجية الأمريكي بومبيو إتهم إيران أنها تقف خلف هذه العملية وإستبعد أنطلاقها من الأراضي اليمنية إلا أنه في الوقت نفسة لم يستطع تحديد مكان إنطلاق الهجمات كما أن العربية السعودية لم تشر بأصابع الإتهام لإيران، قال الحوثيين أنهم شنوا الهجوم بعشر طائرات درونز إنطلقت من على بعد500 ميل من الأراضي اليمنية!! وبناءً على الرسالة الموجه من فريق الخبراء المعني باليمن التابع للأمم المتحده والمؤرخه بتاريخ25 يناير 2019م فإن الفريق إستطاع الكشف على نوع من طيران الدرونز (UAV-X)، والذي يستطيع الوصول إلى مدى مابين 1200 إلى 1500 كيلومتر وهو مايؤيد بالفعل أن الحوثيين من قام بعملية تفجير منشاتي البقيق النفطية، إضافة إلى الضربات التي كان قد إستطاع تحقيقها في العمق السعودي مثل إستهداف مطار أبها.
وقال إن التحولات الجذرية في القدرات العسكرية لجماعة الحوثيين كانت من شأنها إعادة حسابات المملكة العربية السعودية للدخول في وضع تهدئة عسكري، وبالفعل في الفترة الأخيرة من العام، تداولت أخبار حول تسوية سياسية شاملة بين الحكومة اليمنية والحوثيين وبمباركة سعودية. كما نشرت تسريبات عن لقاءات سرية بين السعوديين والحوثيين. ولعل أهمها ما نشرته صحيفة نيويورك الأمريكية في 26 ديسمبر 2019 بأن المملكة العربية السعودية تبحث عن إستراتيجية جدية لمعالجة علاقتها مع خصومها في المنطقة
اتجهت السعودية نحو دبلوماسية الحوار لحل نزاعها مع الحوثيين في اليمن عبرسلطنة عمان والتي كان من نتائجها صفقة تبادل الأسرى بين قوات التحالف وجماعة الحوثيين وفتح مطار صنعاء للرحلات العلاجية ثم إتجهت لمحاولة عودة العلاقات بينها ودولة قطر، بعد أن أصبحت غير مطمئنة للدعم الأمريكي.
* مستقبل الحرب في اليمن:
وقال التقرير الصادر عن مركز رفد للدراسات لن تنجح الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن في تقديم أي حل سياسي للأزمة في اليمن وخير دليل على ذلك اتفاقية ستوكهولم التي لم يتحقق عبرها ملف تبادل الأسرى. كما أن الأمم المتحدة على الرغم من قرارات مجلس الأمن والمبعوثين السابقين لم ينجح في تقديم شيء يذكر باستثناء هدن إطلاق النار الفاشلة، لكنها قد تلعب دوراً رئيسياً في الجانب الإنساني وتقديم الدعم المادي واللوجستي للوصول المساعدات والإغاثة.
من جهة أخرى، تؤكد كل المؤشرات أن هنالك توجه جاد من قبل المملكة العربية السعودية في إيقاف الحرب ضد الحوثيين مقابل ضمانات في عدم استهدافها بالصواريخ وطائرات الدرون وتوقف المواجهات على الحدود. قد يستجيب الحوثيون لطلب المملكة العربية السعودية – عبر وساطة عمان - مقابل وقف غارات الطيران ورفع الحصار على الموانئ ومطار صنعاء وهذا ما تعلنه الجماعة دائماً، لكنهم اليوم أصبحوا أكثر قوة من قبل وخاصة بعد ما حققوه من هجمات على الأراضي السعودية .
وأضاف التقرير : لا يستبعد أن يطالبوا السعودية بالتخلي عن دعم الشرعية والرئيس عبدربه منصور هادي، وقد ترعى اتفاقاً أخر بين الشرعية والحوثيين لتقاسم السلطة كاتفاق الرياض، يعطي الاعتراف للحوثيين ويظل حبراً على ورق كالاتفاقات السابقة.
التعليقات