سقطرى بوست - الضالع
لم يمض على إشادة رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا عيدروس الزبيدي بأداء ودور القيادة المحلية لمجلسه في محافظة الضالع، وتمكنها من التنسيق مع السلطات المحلية -في إشارة إلى تحكم الانتقالي بقرارات السلطة المحلية وسيطرته عليها- إلا بضعة أيام حتى انكشف الوضع الأمني الهش في المحافظة التي يحكمها فعليا المجلس، وتتلقى تشكيلاتها المليشياوية البالغ عددها 15 لواءً عسكريا دعما إماراتيا غير محدود.
ثلاث منظمات دولية هي "أكسفام، لجنة الإنقاذ الدولية، وإدرا" هددت بتعليق أعمالها ومغادرة المحافظة، في حين سحبت منظمة "إكتد" الفرنسية موظفيها ولحقت بأطباء بلا حدود التي أعلنت مغادرة المحافظة في وقت سابق بعد تعرض مقراتها للاستهداف المسلح، كما تعرض عاملوها للمضايقات والتهديدات من قبل مسلحين بعضهم ينتمون للمجلس الانتقالي، كما حدث في الاعتداء الأخير على منظمة الغذاء العالمي في مدينة الضالع، والتي هي الأخرى نقلت أعمالها إلى مدينة قعطبة عقب تعرض موظفيها للاعتداء قبل أيام.
وضع هش
في مدينة الضالع، التي يتواجد فيها ويحيط بمداخلها خمسة ألوية عسكرية، أربعة منها تتبع المجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا، علاوة على قوات الأمن والأمن الخاصة، لم تجد منظمة أطباء بلا حدود بدا من مغادرة المدينة عقب تعليق لأعمالها لأكثر من مرة بعد تعرضها لاعتداءات مسلحة، وبعد أن تيقنت أن الوضع الأمني لا يسمح لموظفيها بمزاولة أعمالهم ولا يوفر الحماية لهم.
كل تلك التشكيلات العسكرية والمليشياوية لم تستطع ضبط الأمن في المدينة التي لا تتجاوز مساحتها أربعة كيلومترات مربعة، وتشهد انفلاتا أمنيا غير مسبوق، أصبحت فيه مقرات المنظمات الدولية التي عملت على إغاثة سكان المدينة والمحافظة لسنوات عرضة للاستهداف بقذائف آر بي جي والعبوات الناسفة والاعتداءات المسلحة.
وهو ما يؤكد أن المليشيات لا يمكن أن تصبح دولة مطلقا، ولا يمكن للوضع المليشياوي إلا أن ينتج فوضى مستمرة، وهو الوضع الذي تسعى الإمارات إليه وتعميمه في معظم المحافظات المحررة من اليمن، وتسابق الزمن لتصديره إلى محافظة شبوة وبقية المحافظات الجنوبية قبل وبعد اتفاق الرياض، بعد أن نجحت في تثبيته في محافظات الضالع ولحج وعدن وأبين.
حملات لمتشددين
برغم سيطرة المجلس الانتقالي الانقلابي على المحافظة وامتلاكه لمليشيات كبيرة ومدعومة من قبل الإمارات، فقد لوحظ في الفترة الأخيرة ظهور متشددين شنوا حملات إعلامية كبيرة على المنظمات الدولية العاملة في المحافظة.
وتداول ناشطون منشورات بصورة لافتة في وسائل التواصل الاجتماعي، تدعو لطرد المنظمات وتتهمها بالعمل على نشر ما وصفوه بالفسوق والانحلال في صفوف الشباب والفتيات، والعمل على التنصير تحت لافتة العمل الإغاثي والإنساني، وتزامن ذلك مع دعوات أطلقها خطباء مساجد لطرد المنظمات.
من يقف خلفها؟
ومع أن الاعتداءات على المنظمات قام بها في وقت سابق من تصفهم السلطات المحلية بالبلاطجة كما هو الحال في الاعتداءات على منظمة أطباء بلا حدود ومنظمة الغذاء العالمي، فإن الاحتمالات التي رجحها كثير من المراقبين بالمحافظة تشير إلى وقوف متشددين خلف الاستهداف الأخير الذي تعرضت له مقار بعض المنظمات، خصوصا تلك التي كان استهداف مقار بعضها عبر قذائف آر بي جي وعبوات ناسفة.
وحول عدم وقوع أي أعمال إرهابية في المحافظة خلال السنوات الماضية، فإن التخوف قائم من انتشار الجماعات المتشددة التي يتزامن ظهورها مع سيطرة القوات المدعومة إماراتيا على أي منطقة أو محافظة.
وكانت وكالات دولية بينها "أسوشيتد برس" قد كشفت عن وجود تماهٍ بين الإمارات والجماعات الإرهابية ورعايتها لها في سلسلة تقارير موثقة نشرت في أوقات سابقة، لذا فإن التخوف من صناعة أبو ظبي للجماعات المتشددة في المحافظة الجنوبية يزداد مع بروز هذه الحوادث الأخيرة.
وعلاوة على ذلك، فبعض تلك الاعتداءات هوية من قام بها واضحة، إذ كان مسلحون يتبعون الانتقالي قد قاموا بالاعتداء على منظمة الغذاء العالمي قبل أيام في مدينة الضالع.
تحذيرات
وفي السياق، شن ناشطون في محافظة الضالع هجوما على بعض خطباء المساجد الذين حرضوا على المنظمات الدولية في خطب الجمعة الماضية متهمين إياها بالعمل على إفساد الشباب، والقيام بحملات تبشيرية في أوساط المجتمع.
الناشط باسم محمد الشعيبي، قال إن الدور الإغاثي الذي تقوم به المنظمات لم يرق لبعض من وصفهم بخفافيش الظلام والعصابات التي تتلذذ بزيادة معاناة الناس، لافتا إلى أنهم شنوا حملة تحريضية ضد المنظمات، معبرا عن أسفه كون بعض منابر المساجد كانت منطلقا لذلك بحجج سخيفة كالتبشير وغيره، على حد وصفه.
وأكد باسم الشعيبي في منشور له أن هذه التحريضات ترجمة إلى أفعال إجرامية، داعيا المجتمع أن يقف بحزم ضد هذا التحريض الخطير.
وتعليقا على تلك الحملات ضد المنظمات، دعا الناشط السياسي وليد أحمد الخطيب من يزعم أن المنظمات تقوم بذلك للجلوس مع المعنيين ونصحهم.
وأكد الخطيب أن تفجير المنظمات والمطالبة بإخراجها وكيل اتهامات باطلة لها بغير حق، سيؤدي لحرمان الآلاف من المواطنين من الدعم الذي تقدمه المنظمات، وهو عمل مرفوض ومدان، داعيا لحماية المنظمات، ومنع كل من يريد أذية المواطنين، ونشر الرعب في أوساط المجتمع.
بيان سلفي
وتعليقا على أعمال التفجير والدعوات لإغلاق مقرات المنظمات في الضالع، أصدر شيخ الجماعة السلفية رشاد أحمد الضالعي بيانا نفى فيه وقوف من وصفهم بأهل السنة والجماعة خلف هذه التفجيرات.
وفي حين أكد الضالعي أن طريقة جماعته هي الدعوة إلى الله والنصح للناس وتحذيرهم من الفتن، بدون إثارة، فقد بارك قيام غالبية الخطباء في محافظة الضالع في الجمعة الماضية بالتحذير من المنظمات الأجنبية، التي قال إنها جاءت لإفساد عقيدة المسلمين وأخلاقهم ومبادئهم السامية.
ولم يستبعد شيخ الجماعة السلفية أن يكون التفجير الذي حصل في مقر بعض المنظمات هو من فعل بعض الموالين لها، لأجل أن يلبسوا التهمة بمن حذر منها.
وأضاف شيخ السلفية -في بيانه حصل "الموقع بوست" على نسخة منه- أن ما وصفها بـ"المكيدة" لا تقطع من وصفهم بالدعاة المصلحين عن قول كلمة الحق والتحذير من الشر.
وجدد الضالعي حثه لجميع الدعاة والمصلحين والخطباء أن لا يفتروا عن التحذير من هذه المنظمات، وأن يكرروا ذلك بين الحين والآخر براءة للذمة ومعذرة إلى الله، على حد قوله، والتي قال إنها قد زاد شرها وعظم ضررها.
وحث شيخ الجماعة السلفية بذات الوقت على التحذير مما وصفها بالفتن والتفجير وأعمال الإرهاب، وقال إن "ضررها كبير، ولا يخفى ما في فتح هذا الباب من مفاسد".
نتائج طبيعية
يؤكد الناشط السياسي أحمد صالح الضالعي أن الوضع الذي تعيشه الضالع يعد نتاجا طبيعيا بعد أن نجح المجلس الانتقالي في السيطرة على المحافظة بشكل كامل وأصبح تواجد الشرعية فيها شكليا.
واستدل أحمد صالح الضالعي في معرض حديثه لـ"الموقع بوست" على صحة ما ذهب إليه، بتصريحات المحافظ اللواء علي مقبل صالح عقب انقلاب عدن التي أكد فيها تأييده لخطوات مليشيات الانتقالي ضد الحكومة الشرعية، ومواصلة السلطات المحلية عقد اجتماعاتها بما في ذلك المكتب التنفيذي للمحافظة بمعية قيادات المجلس الانتقالي، التي تمارس فعليا دور السلطات المحلية، وتمسك بكل مفاصل السلطة في المحافظة والمديريات.
وإلى جانب فشل الانتقالي في حكم المحافظة، التي باتت تغرق في مياه المجاري وتنتشر فيها كل الأمراض وسط تكدس القمامات، فإن الانتقالي لم يستطع توفير الأمن والاستقرار للمواطنين، فقد باتت المحافظة أيضا تغرق في الفوضى، وتشهد انفلاتا أمنيا غير مسبوق، ولم تكن مغادرة المنظمات الإغاثية مدينة الضالع إلا تتويجا لهذا الفشل الذريع، بحسب الناشط أحمد الضالعي.
دعوة للحوار
المتحدث باسم محور الضالع القتالي الصحفي فؤاد جباري قال إن "استهداف المنظمات الإنسانية عمل مدان أياً كانت أسبابه ومبرراته"، مؤكدا أن أي قضية يجب أن تتم معالجتها بالأطر والطرق السلمية، بالجلوس والحوار لا بالتفجير.
وتابع جباري -في منشور له على فيسبوك- بالقول "نحن نعيش في وضع اللادولة، وكل الخدمات التي تقدم للمواطن ما هي إلا دعم من قبل المنظمات المانحة"، مشيرا إلى أن المنظمات إذا رحلت من المحافظة فإن آلاف الأسر ستتأثر بشكل مباشر.
وأوضح جباري أن منظمة "آكتد" الفرنسية إلى الآن علقت عملها فقط، وهي بانتظار موقف من قبل الجهات المعنية، وطالب جباري السلطة المحلية باتخاذ موقف جاد وسريع، وإصدار بيان إدانة، والدعوة لعقد اجتماع عاجل لحل القضية.
كارثة
ويتفق الصحفي ماجد الشعيبي مع حباري بأن ما يحدث في الضالع من استهداف ممنهج ضد المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني أمر خطير جدا.
وخاطب الشعيبي الجهات المعنية بالقول "أوقفوا هذه المهزلة قبل أن تحل الكارثة".
محاولة هروب
ويتهم الكاتب والصحفي عبد الرقيب الهدياني المجلس الانتقالي بمحاولة الهروب من التفجيرات التي طالت مقار المنظمات بمدينة الضالع بمحاولة القاء اللوم على خطباء المساجد لقيامهم بالتحريض.
وأكد الهدياني أن "المجلس الانتقالي يحاول عبثا الهروب بعيدا من جريمة تفجير مقار المنظمات الإنسانية في مدينة الضالع ورمي الجناية كاملة إلى خطباء المساجد من السلفيين المتشددين".
وأوضح الهدياني بأن الإنتقالي يخطئ التقدير في ذلك وأورد عددا من التصرفات العدائية التي قام بها قادة الانتقالي بحق المنظمات.
وأشار الهدياني إلى أنه سبق كل هذا التحريض قيام رئيس المجلس الانتقالي بالمحافظة عبد الله مهدي شخصيا بمنع فعالية "اليونيسف" وإنزال لوحاتها من فعالية بيوم الطفل العالمي قبل أسابيع في مدرسة صالح قاسم وسط مركز المحافظة، كما منع الانتقالي فعالية أخرى لوزارة حقوق الإنسان في سينما الضالع، وثالثة لوزارة الشباب ممولة من "اليونيسف" في مدينة الضالع.
نقلا عن الموقع بوست
التعليقات