شكّلت الهجمات الحوثية على منشآت أرامكو النفطية السعودية، في آذار/ مارس الماضي، نقطة تحول غير مسبوقة في الخطاب الإعلامي تجاه المقيمين اليمنيين على أرض المملكة.
وكثفت حسابات سعودية بعضها تعود لشخصيات معروفة، الحملات الداعية إلى طرد اليمنيين، لا سيما بعد القبض على مقيم يمني احتفى بقصف منشآت أرامكو.
وتحت هاشتاغ "طرد اليمنيين مطلب وطني وأمني"، دعى إعلاميون وكتاب سعوديون إلى إبعاد جميع اليمنيين، رغم أن عددهم يصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين نسمة.
وبالتزامن مع هذه الحملات، أطلقت وزارة الداخلية السعودية حملة هي الأكبر منذ سنوات ضد المتسولين، وبدأت بنشر أخبار القبض على عدد منهم، وسط إبراز لافت للجنسية اليمنية.
هذه الحملة جاءت أيضا مع نشر تحذيرات سابقة بأن جماعة "الحوثي" تعتمد بشكل كبير على الأموال القادمة من السعودية، لا سيما من قبل عصابات التسول التي تجني مبالغ طائلة، بحسب السلطات السعودية.
استراتيجيات مختلفة
الصحفي اليمني فهد سلطان، والمختص بمتابعة شؤون المغتربين في الخارج، قال إن حملات التحريض والعقاب ضد اليمنيين في السعودية بدأت في عام 2016، وزادت وتيرتها في 2017، وتواصلت بشكل تدريجي ومكثف بعد ذلك.
ولفت سلطان في حديث لـ"عربي21" إلى أن هذه الحملات اعتمدت استراتيجيات كثيرة منها "القيام بحملات معلنة وغير معلنة، دفع المغتربين بشكل عام واليمنيين بشكل خاص لجعلهم مخالفين من خلال سلسلة من الإجراءات الجديدة".
بالإضافة إلى "إبقاء الاستقدام من اليمن مستمرا وذلك أمام وسائل الإعلام، وهي في حقيقة الأمر أقل بأضعاف كثيرة من الذين يتم ترحيلهم بشكل يومي"، فضلا عن "إخلاء مناطق من اليمنيين كما حصل في المناطق الجنوبية الأربع والذي استهدف عشرات الآلاف من اليمنيين".
ولفت إلى أن من الوسائل العقابية التي تتبعها السعودية ضد اليمنيين "مضاعفة الأموال في التجديد ومضاعفة الغرامات، ما دفع الكثير إلى خيارات العودة طوعا أو كرها".
دور رسمي
وقال سلطان إن السلطات السعودية لها دور مباشر في حملات التحريض المكثفة، "وذلك من خلال تسمية أي عنصر يمني يمارس أي خطأ أو جريمة في السعودية، فيما باقي المغتربين من غير اليمنيين تكتفي الجهات المسؤولة بالحديث عن الحادثة وربطها بأجنبي دون ذكر الشخص أو بلده".
وتابع بأن "تناول قضية المغتربين في وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، وعبر الهاشتاغات التي تخرج بعد كل حادثة، وخاصة في ما يتعلق بأحداث الحرب، يكون المغترب اليمني هو المستهدف بشكل مباشر".
وأضاف أن السلطات السعودية تحاول الالتفاف على الاتفاقيات والتفاهمات الموقعة بين البلدين بخصوص المغتربين، بحسب سلطان، وذلك عبر تقليص العدد إلى ما دون الـ350 ألف مغترب فقط بحلول 2025.
وقبل أيام، قال إعلاميون يمنيون إن إدارة جامعة أم القرى في مكة المكرمة، أبلغت 20 أكاديميا يمنيا بعدم تجديد عقودهم.
وذكر مصدر لـ"عربي21"، أن الأكاديميين يعملون في الجامعة منذ نحو 7 سنوات، وكانت عقودهم تجدد بشكل تلقائي سنويا، بيد أن إدارة الجامعة أبلغتهم هذا الشهر بعدم تجديدها.
وأوضح أنه تم إنهاء عقود سارية لأكادميين آخرين دون توضيح الأسباب لهم.
لا تفاؤل بالتغيير
وحول ما إذا كان إعلان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي اليمني بمباركة سعودية، قد يغير وضع المقيمين للأفضل، قال فهد سلطان إنه "في اللحظة التي كان فيها اليمنيون في قاعات المشاورات التي يرعاها مجلس التعاون في العاصمة السعودية كانت وزارة الداخلية هناك تنشر تقاريرها الأسبوعية حول الحملات ونتائجها ويكون اليمنيون على رأس عدد المرحلين".
وأضاف: "لا أظن أن تأسيس المجلس الجديد سوف يوقف هذا التوجه السعودي، لأن السلطات رفضت النقاش حول الملف في الفترات السابقة سواء مع الحكومة أو مع الرئاسة".
وفي الوقت الذي كانت فيه القيادات اليمنية تجري مباحثات في الرياض، فقد اتخذت جامعة أم القرى السعودية، قرارا بإنهاء تكليف أساتذة يمنيين.
وقال فهد سلطان إن "الحملة الأخيرة ضد الأكاديميين كانت تستهدف اليمنيين بدرجة رئيسية وذلك من خلال إنهاء عقود جماعية لليمنيين خاصة وباقي الجنسيات لم يتم التجديد لبعض الأشخاص وهم قلة".
"لا يوجد استهداف"
الصحفي اليمني فارس الحميري، رفض ربط الحكومة السعودية، بالحملات المكثفة التي تستهدف اليمنيين.
وقال الحميري في حديث لـ"عربي21"، إنه لا يعتقد بأن السلطات السعودية تعترض اليمنيين لمجرد الجنسية، متابعا أن "كثرة الحوادث لأن الجالية اليمنية في المملكة كبيرة، ومن الطبيعي أن تكون هناك تصرفات من بعض اليمنيين مخالفة للإجراءات، ويتم التعامل معها من قبل الأجهزة المختصة".
ولفت الحميري إلى أن "حملات التحريض تصدر من شخصيات تعاني من نزعة عنصرية، والأهم هنا أنه لم نلحظ ممارسات خاصة على مواقع التواصل الاجماعي من شخصيات رسمية".
ونوه الحميري إلى أن الحكومة السعودية عليها أن تواجه مثل هذه الحملات، وعدم التغاضي عن القائمين عليها، كونها تندرج تحت بند الجرائم الإلكترونية.
وتابع أنه يأمل بألا تضيق السعودية على اليمنيين إلى حين انتهاء الحرب في بلدهم على الأقل.
"حوثنة اليمنيين"
في العام 2019، وصفت صحيفة "الرياض" الحكومية، أن النسبة الكبرى من التسول في المملكة "صفة ملازمة لليمنيين ولكل ما له ارتباط بجماعة الحوثي".
وقالت إن "المتسولين اليمنيين هم عبارة عن خلايا حوثية متسولة ومنتشرة بمختلف مناطق المملكة، حيث تجمع الملايين عن طريق التسول بكبار السن العجزة أو عن طريق الأطفال والإتجار بالبشر، من ثم تستخدم الملايين في محاولة قتلنا والنيل من بلادنا بكل شر وبأموالنا".
وبعد الحملة الواسعة في 2019، قال الصحفي سعيد ثابت سعيد، إن هناك "توجيه لمغردين يمتثلون لأمر المخابرات السعودية وبرعاية مباشرة من طاقم محمد بن سلمان (لحوثنة) اليمن، وتصوير الحوثيين كممثلين للشعب اليمني، ودفعهم الى الاصطفاف بجانبهم من خلال التحريض ضد اليمنيين المقيمين بالسعودية".
وذكر الكاتب عباس الضالعي، أن "التحريض السعودي في التوتير ضد اليمنيين المغتربين ليس وجهة نظر أصحابها بل توجه عام".
الحملات ضد اليمنيين، والتي بدأت بالظهور بشكل واسع في عهد الملك سلمان، تزايدت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، لتصل حتى إلى السعوديين من أصول يمنية.
واعترض سعوديون بينهم الأكاديمي كساب العتيبي على وجود عدد كبير من المطاعم اليمنية في السعودية، فيما اعتبر الكاتب عبد الله الجبرين أن هزيمة الحوثي لن تتم قبل إرسال الـ4 ملايين يمني المقيمين في المملكة إلى بلدهم.
أرقام كبيرة
في تموز/ يوليو الماضي، قال الاتحاد العالمي للجاليات اليمنية، إن السعودية استبعدت نحو 800 ألف عامل يمني من المناطق الجنوبية في المملكة واستبدالهم بعمال من جنسيات أخرى لأسباب غامضة، الأمر الذي أثار استياءً واسعًا بشأن هذا الاجراء الذي اتخذ ملامح تعسفية.
وفي آب/ أغسطس الماضي، قالت "هيومن رايتس ووتش'' اليوم إن السلطات السعودية بدأت منذ يوليو/تموز 2021 بإنهاء أو عدم تجديد عقود الموظفين اليمنيين، الأمر الذي قد يجبرهم على العودة إلى الأزمة الإنسانية في اليمن. على السلطات السعودية تعليق هذا القرار والسماح لليمنيين بالبقاء في السعودية والسماح لهم بالعمل هناك.
في يوليو/تموز، أفادت وسائل إعلام سعودية أن "قوى''، وهي منصة تديرها "وزارة الموارد البشرية" السعودية، أصدرت بيانا حول تعليمات جديدة تطالب الشركات بالحد من نسبة عمالها من جنسيات معينة، بما في ذلك نسبة 25 بالمئة كحد أقصى للجنسية اليمنية.
وذكرت وكالة "رويترز" حينها أن عمليات الإنهاء الجماعي للوظائف استهدفت عددا غير معروف من اليمنيين في السعودية.
وصيف العام الماضي، قالت جمعية "أطباء اليمن في المهجر"، إن المئات من العاملين الطبيين اليمنيين تبلغوا بإنهاء عقودهم، ما يُعرّضهم لخطر الترحيل إلى اليمن.
وكان البنك الدولي، قدر في 2017 بأن التحويلات المرسلة من اليمنيين في السعودية بلغت 2.3 مليار دولار أمريكي في سنة واحدة، إلا أن هذا الرقم تناقص بشكل كبير في السنوات اللاحقة، ما يعني أن آلاف الأسر اليمنية التي كانت تعتمد على التحويلات من الخارج، تعاني حاليا من ضائقة مالية.
وأثر قرار إحلال السعوديين في مهن مختلفة على الوجود اليمني الذي كان يتركز في المحلات التجارية، وهي وظائف تمت سعودتها بالكامل.
التعليقات