أجبرت المعارك المحتدمة في مدينة تعز، جنوب غربي اليمن، المواطنة عطية منصور سعيد على الفرار مع أولادها من الريف الغربي للمدينة، وبدء رحلة نزوح شاقة استقر في نهايتها في مخيم جبل زيد للنازحين في منطقة البيرين.
تسكن السيدة الثلاثينية، اليوم، في خيمة متهالكة مع خمسة أولاد، في ظروف إنسانية مزرية بمكان غير صالح للحياة.
تقول عطية لـ "الأناضول"، وبصوت تخنقه الدموع: "لا يوجد لدي أم ولا أب، وأسرتي شتتها النزوح، ويعيش أولادي أيتاما بعدما فقدت زوجي في الحرب. لقد توارثنا اليُتم في هذه الأسرة.. ليشرب أبنائي من الكأس ذاته الذي تجرّعته عندما فقدت والدي".
وتفاقمت معاناة عطية وأبنائها مع دخول موسم الشتاء واشتداد البرد فيه، جراء افتقادهم الوسائل التي تساعدهم وتقيهم من الصقيع، من ملابس وبطانيات، وسط خيام متهالكة.
وتقول: "أقضي معظم ليالي الشتاء هنا دون نوم، وأسمع صراخ أبنائي الخمسة وهم يتجاذبون البطانيات التي عفا عليها الزمن ولا تقوم بتدفئتهم"، مضيفة أنها ومن معها في المخيم يعيشون "عيشة ضنكا" (حياة متعبة جداً).
وعلى الرغم من وجود الكثير من المبادرات الأهلية والفردية والجماعية لجمع وحشد التبرعات من البطانيات والملابس.. لمساعدة النازحين، فإن هذه الجهود غير كافية لتشمل كل مخيمات النزوح الممتدة على معظم الأرياف الغربية لمدينة تعز.
وهكذا، تتفاقم معاناة النازحين وأوضاعهم الإنسانية في فصل الشتاء، إلى جانب زيادة الاحتياج للغذاء والدواء.. مع انتشار الأمراض الناتجة عن البرد.
** كبار السن والأطفال
بحلول موسم الشتاء تلاحق اليمنيين أزمة معاناة جديدة وأكثر فتكًا على كبار السن والأطفال، وخصوصاً ممن لفظتهم الحرب من منازلهم إلى خيام النزوح. وتتركز المعاناة بشكل أكبر لأولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة وأبعدتهم ظروف الحرب عن الرعاية الطبية لأجسادهم الضعيفة.
يقول أحمد علي حسان، في العقد الثالث من عمره، لـ "الأناضول": "نعاني من البرد القارس الذي نزل علينا، وعلى أطفالنا وكبار السن في المخيم بشكل شديد هذا العام".
وأضاف: "لدينا في المخيم مجموعة كبيرة من كبار السن، يعانون من أمراض مزمنة ولا يستطيعون مقاومة الشتاء، خصوصاً أننا لا نمتلك أبسط الإمكانات لمواجهة هذا الموسم، وحالنا المأساوية حال الكثير، ولا تحتمل المزيد من الانتظار من الجهات المعنية في إنقاذنا".
وقال: "نتمنى من كل المعنيين في المنظمات الدولية والمحلية.. النظر إلينا بعين الرحمة".
** غياب الدعم الأممي
يمثل دخول موسم الشتاء واشتداد البرد تحديًا كبيرًا أمام المنظمات الدولية العاملة في اليمن، في ظل انخفاض حجم التمويل المقدم للبلد، فيما تتفاقم معاناة اليمنيين يوماً بعد يوم، ولاسيما النازحين.
نسيم العديني، ناشطة في المجال الإنساني، قالت لـ "الأناضول" إن الدعم الأممي للنازحين غير كافٍ، وفي السنوات الأخيرة غاب بشكل لافت عن مخيمات النزوح، إذ تركز المنظمات الأممية على مشاريع جانبية في مجالات متعددة، وتغفل عن الأشياء المهمة والضرورية للنازحين، خصوصاً في فصل الشتاء".
وتشير إلى أن حاجة النازحين تشتد في الشتاء، إذ "يحتاج الناس الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في خيام متهالكة إلى الدفء أولاً والغذاء الذي يساعدهم على مواجه البرد والدواء الذي ينقذهم من الإصابة بأمراض نزلات البرد من الأطفال.. والنساء".
وبدوره، قال محمد مرشد محمد، نازح بالمخيم في العقد الخامس من عمره، إن الدعم الأممي من ملابس شتوية وبطانيات انقطع عنهم منذ ثلاث سنوات، وإن آخر منظمة دخلت المخيم كانت المنظمة الدولية للهجرة، وقد أتلفت الأمطار ما تم تقديمه حينها.
وناشد محمد المجتمع الدولي والعاملين في المجال الخيري الالتفات إليهم في هذا الشتاء الذي بدأ بشكل قوي ومبكر هذا العام.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أعلنت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين أن التصعيد العسكري في محافظة مأرب أدى إلى نزوح أكثر من 93 ألف شخص؛ خلال سبتمبر/ أيلول وأكتوبر/ تشرين الأول الماضيين.
إضافة إلى نزوح أكثر من 40 ألفا من مناطق الساحل الغربي في الحديدة، جراء التصعيد العسكري الذي اندلع مؤخراً بين الحوثيين والقوات المشتركة التي يقودها العميد طارق صالح.
وترك النزاع المستمر والهجمات وانتهاكات حقوق الإنسان على مدى السنوات الست الماضية، أثرًا لا يمحى على المدنيين. أجبر نحو 4 ملايين من إجمالي عدد السكان على مغادرة منازلهم بسبب الحرب، بعدما تعرضت منازلهم للتدمير، وفقدوا سبل كسب عيشهم.
ومنذ نحو 7 سنوات، يشهد اليمن حربا، أودت بحياة 233 ألف شخص، وبات 80 بالمئة من السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات للبقاء أحياء، في أسوأ أزمة إنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.
التعليقات