في 19 يونيو/حزيران 2020، نفذت مليشيا المجلس الانتقالي انقلابًا على السلطات الشرعية في سقطرى، وطردت السلطة المحلية، بدعم وتمويل وتسليح إماراتي وتواطؤ سعودي، بعد قتال مع القوات الحكومية شحيحة الإمكانيات.

بعد سنة كاملة من الانقلاب، وبالنظر إلى الواقع السقطري قبل انقلاب مليشيا الانتقالي وبعده، تتضح جليًا حجم المعاناة التي خلّفها الانقلاب، حيث انعكس سلبًا على الحياة المعيشية للمواطنين، ودخلت سقطرى في صراع مع أجندة خارجية تخريبية، وتعاملت الإمارات مع الأرخبيل كأرض مشاع تستحدث عليها المعسكرات والقواعد عسكرية. 

فراغ إداري ومعاناة معيشية 

خلف طرد مليشيا الانتقالي للسلطات الشرعية في سقطرى، ممثلة بمحافظ المحافظة رمزي محروس، فراغًا إداريًا كبيرًا، نجم عنه انهيار في الخدمات وتعطل عجلة التنمية.

حيث يشكو مواطنو الأرخبيل، غياب الخدمات المعيشية وغلاء الأسعار وانعدام الوقود، إلى درجة أنهم عادوا للاحتطاب والتواصل بالحمير، في بعض مناطق المحافظة.

ويقول نشطاء سقطريون لـ"سقطرى بوست": بمجرد سيطرة مليشيا الانتقالى على سقطرى، غادر المحافظ رمزي محروس، فغادرت روح الدولة، وتعطلت عجلة التنمية، وغادر الراتب والإكرامية" مضيفين: "وبالمقابل، حضرت الأزمات وطوابير الوقود، وعمليات النهب والاختطافات والملاحقات".

اختطافات وملاحقات

لجأت مليشيا الانتقالي، عقب انقلاب على السلطات الشرعية في سقطرى، إلى ملاحقة النشطاء المناهضين لها واختطفت العشرات منهم، كما قمعت المظاهرات السلمية المطالبة بعودة مؤسسات الشرعية، واختطفت عشرات النشطاء وشخصيات مجتمعية وقيادات في لجنة الاعتصام السلمي بسقطرى.

ويعد الناشط السقطري عبدالله بدأهن، من النشطاء الذين اختطفتهم مليشيا الانتقالي مرات عدة، بسبب معارضته الشديدة لها ورفضه للتواجد الإماراتي في الأرخبيل.
وكانت آخر عملية اختطاف تعرض لها "بدأهن"، بسبب كشفه للقاعدة العسكرية الإماراتية في مطار سقطرى، وطلبت منه نفي ما نشره في صفحته بالفيسبوك بشأن القاعدة العسكرية، قبل أن تفرج عنه بضغوط مجتمعية وإعلامية، بعد ثلاثة أيام من الاختطاف.

ما وراء السيطرة الإماراتية على سقطرى؟

أكد انقلاب مليشيا الانتقالي على السلطات الشرعية في سقطرى، ما كان يحذر منه خبراء سياسيون وعسكريون بخصوص الأطماع الإماراتية الإسرائيلية في السيطرة على سقطرى، وتحويلها أراضيها إلى قواعد عسكرية واستخبارية. 

فبعد أن سيطرت مليشياتها على سقطرى، سارعت الإمارات في نقل أسلحة ومعدات عسكرية إلى سقطرى، عبر سفنها وباخراتها التي وصلت ميناء الأرخبيل، كما نقلت خبراء عسكريين، إسرائيليين وغيرهم، على متن طائرات إماراتية. 

وفي أواخر أغسطس 2020، كشف موقع "ساوث فرونت" الأمريكي المتخصص في الأبحاث العسكرية والاستراتيجية أن الإمارات وإسرائيل تعتزمان إنشاء مرافق عسكرية واستخبارية في سقطرى.

ونقل الموقع المتخصص في الأبحاث العسكرية والاستراتيجية عن مصادر عربية وفرنسية أن "وفدا ضم ضباطا إماراتيين وإسرائيليين، قاموا بزيارة الجزيرة مؤخرا، وفحصوا عدة مواقع بهدف إنشاء مرافق استخبارية".

وفي 24 سبتمبر 2020، كشف محافظ سقطرى رمزي محروس، في رسالة بعثها للرئيس عبدربه منصور هادي لخص فيها المستجدات بالمحافظة، أن مليشيا الانتقالي المدعومة إماراتيا أنشأت مواقع عسكرية في شرق وغرب سقطرى وفي الساحل الشمالي والجنوبي وفي حرم المطار، والاستمرار في تشييدها. 
 
 
وأوضح محروس: "أن شخصيات من جنسيات أجنبية وصلوا إلى سقطرى دون تأشيرة ودون أختام دخول". مؤكدًا في ذات المذكرة أن "سفينة عليها معدات وأدوات مختلفة وصلت الارخبيل دون إذن من الشرعية ودون الاجراءات الرسمية من سلطات الميناء".
 

وذكر محافظ سقطرى أن الانتقالي يستمر في نقل المسلحين من خارج المحافظة، كاشفًا أن "هناك ما لا يقل عن ألف مسلح على الأقل ممن تم نقلهم من الخارج جندوا في الجزيرة على طريقة المرتزقة لمحاربة أبناء سقطرى". 

رحلات إماراتية أسبوعية
 
وكان موقع "ميدل ايست مونيتور" البريطاني، كشف في مايو الماضي، إن الإمارات تسيّر رحلات وجولات مباشرة إلى جزيرة سقطرى اليمنية على الرغم من عدم حصولها على إذن من الحكومة. 
 
 
ونقل الموقع عن مصادر محلية، قولها: إن مئات السياح الأجانب وصلوا إلى الأرخبيل خلال الأيام القليلة الماضية باستخدام التأشيرات الممنوحة لهم من أبو ظبي، وفق مركز إيماسك للدراسات، وهو مركز اماراتي معارض للنظام في بلاده. 
 
 
وأكدت المصادر، أن رحلات جوية أسبوعية مباشرة من الإمارات إلى سقطرى بدأت في مارس/آذار.
 
 

وفي أبريل الماضي، أظهرت صور نشرتها تقارير صحيفة، لمجموعة من السياح الإسرائيليين برفقة ضباط أمن إماراتيين ومعاونيهم في الجزيرة. 

ويأتي وصول الإسرائيليين إلى الجزيرة بعد شهور من توقيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات في سبتمبر/أيلول من العام الماضي.

سفن إماراتية تنقل معدات عسكرية
 

وبحسب تصريحات مسؤولين في الحكومة، تستمر السفن الإماراتية في الوصول إلى ميناء سقطرى، دون إذن من السلطات الشرعية، وتحمل على متنها أجهزة اتصالات ومعدات وعربات عسكرية.
 

في مايو الماضي، وصلت باخرة إماراتية مجهولة الحمولة، إلى ميناء سقطرى، الذي تسيطر عليه مليشيا الانتقالي. حيث جاء وصول الباخرة بعد أن أصدر وزير النقل الموالي للانتقالي المدعوم إماراتيًا عبدالسلام حميد، مطلع مارس الماضي، قرارًا بإقالة مدير الميناء السابق رياض سليمان الموالي للشرعية والذي اشتهر بفضحه للمساعي الإماراتية عبر ميناء سقطرى. 
 
 

 وجاء قرار إقالة رياض سليمان، بسبب كشفه للانتهاكات الإماراتية ودعمها لمليشيا الانتقالي الانقلابية، وآخرها كشفه لسفينة "تكريم" الإماراتية التي وصلت في 25 فبراير الماضي، ميناء الأرخبيل محملة بزوارق ومركبات عسكرية، قادمة من أبوظبي وتتبع مؤسسة خليفة.
 

دور حكومي مشبوه

وفي ظل ما يحدث في سقطرى من عبث وانتهاك للسيادة اليمنية، تقف الحكومة اليمنية موقف العاجز المتفرج، في حين يتهمها مسؤولون ونشطاء بالتواطؤ مع ممارسات الإمارات ومليشياتها في سقطرى.

وكان محافظ سقطرى رمزي محروس كشف في أواخر سبتمبر 2020، عن علاقة الحكومة مع مليشيا الانتقالي في سقطرى، وكيف أنها تساهم في إضعاف السلطة الشرعية في الأرخبيل. 

وقال محروس، في رسالة بعثها للرئيس هادي, إن الحكومة وجهت بتفويض موظفي الانتقالي المدعوم إماراتيا بصلاحيات المحافظ المالية، مما أضعف موقف السلطة الشرعية أمام المجتمع بالأرخبيل.
 

وما يزال رئيس الحكومة معين عبدالملك، يلتزم الصمت، ولم يرد على الاستفسارات التي وجهها له برلمانيون، في سبتمبر/ أيلول الماضي، حول عدد من الاستحداثات العسكرية الإماراتية في سقطرى.
 
 

نضال شعبي رغم القمع
 

يؤكد مواطنون محليون أن سقطرى تتعرض لأبشع عملية تجريف وعبث وعسكرة لطبيعتها، وقمع للسكان منذ سيطرت عليها مليشيا الانتقالي المدعومة إماراتيا، قبل عام كامل. 

وفي ظل العبث الذي يمارسه الانتقالي، لم يقف الأهالي موقف المتفرج، بل إنهم ناضلوا وفقًا لإمكانياتهم المتاحة، فنظموا المظاهرات للمطالبة بعودة مؤسسات الدولة الشرعية، ورفضًا للانقلاب، يؤكد نشطاء. 

كما تأسست لجنة الاعتصام السلمي لأبناء سقطرى، في 25 مارس الماضي، وذلك للوقوف في وجه انقلاب الانتقالي، وللضغط من أجل عودة الشرعية ممثلة بالمحافظ محروس، وكذا للمطالبة بتوفير الخدمات للمواطنين. 

وبالمقابل، فإن مليشيا الانتقالي أشهرت بندقيتها في وجه المعارضين، ووسّعت السجون في محاولة لإسكات كل الأصوات المناهضة لملشنة سقطرى، وقمع كل من يرفض التواجد السعودي الإماراتي في الأرخبيل. 

وفي 22 مايو، أعلنت مليشيا الانتقالي حظر نشاط لجنة الاعتصام السلمي في سقطرى، بتهمة أنها معادية للتحالف السعودي الإماراتي.

وأقدمت مليشيا الانتقالي على حظر نشاط لجنة الاعتصام، بعد سلسلة انتهاكات مارستها في حق اللجنة، آخرها اختطاف القيادي فيها علي سليمان بن مالك شيخ مشايخ مركز ديكسم.

ورغم محاولات القمع وعمليات الاختطاف والمطاردة، يؤكد مشايخ ونشطاء ومواطنون في سقطرى، مواصلة النضال حتى رحيل القوات الأجنبية من الأرخبيل، وعودة المؤسسات الشرعية سقطرى.

ويدعو نشطاء سقطريون أبناء المحافظة بمختلف توجهاتهم إلى الانتفاضة للمطالبة بإصلاح الوضع العام في الأرخبيل بدءًا بإنهاء الانقلاب غير الشرعي على السلطات المحلية الشرعية، وطرد القوات الإماراتية السعودية، إضافة إلى معالجة ما رافق ذلك الانقلاب من انهيار في الخدمات.