الخبر من عمق المحيط

كيف قلب فيروس كورونا حياة النساء رأسا على عقب؟

كيف قلب فيروس كورونا حياة النساء رأسا على عقب؟

[ فيروس كورونا: كيف قلب الوباء حياة النساء رأسا على عقب؟ ]

سقطرى بوست -  متابعات الاربعاء, 08 يوليو, 2020 - 12:57 مساءً

تقول دراسات حديثة إن المرأة باتت تتحمل العبء الأكبر من مهام رعاية الأطفال بعد تفشي وباء كورونا، وإنها تعاني أيضا من أجل الحفاظ على وظيفتها في ظل تبعات انتشار هذا الوباء.

تعرضت أنّا زافيير، وهي أم لطفلين دون السادسة من العمر وتنتظر طفلا ثالثا، لضغوط نفسية شديدة بسبب محاولاتها اليائسة للتوفيق بين العمل وحياتها الشخصية، وهددت بمغادرة المنزل والعيش في شقة بمفردها.

وتقول زافيير، رائدة الأعمال التي تركت وظيفتها في شركة عالمية للتجميل لتتفرغ لمشروعها في مجال مستلزمات الطفل في ستوكهولم منذ عام: "أنا الآن في الشهر الثامن من الحمل وبلغ بي الإعياء أقصاه، ولم أعد أقوى على تأدية المهام المنزلية".

ومنذ أن تفشى وباء كورونا المستجد في البلدان الإسكندنافية، شرع زوج زافيير، الذي يعمل في شركة لإنتاج معدات الوقاية الشخصية، في العمل معها من المنزل، وتوقفا عن إرسال طفليهما لدور الحضانة (رغم أن الكثير منها ظل مفتوحا في السويد) لشهور عديدة بسبب المخاوف من تأثير الفيروس على الأمهات الحوامل.

لكن هذا الوضع كان محبطا لزافيير، التي تتقاسم فواتير المنزل مع زوجها مناصفة، وتنهض بالعبء الأكبر لرعاية الأطفال والطهي والتنظيف، في حين يقضي زوجها معظم ساعات اليوم في اجتماعات مرئية عبر الإنترنت.

وتقول زافيير: "إننا اتفقنا من البداية أن تكون الأولوية لوظيفته لأنه يساعد الحكومة السويدية والمستشفيات في الحصول على المعدات التي قد تنقذ حياة الناس". وكان زوجها في نهاية اليوم يكتفي بوضع الأطباق في غسالة الأطباق، وغيرها من المهام الخفيفة التي لم يكن يؤديها أحيانا.

ورغم أن الزوجان أرسلا طفيلهما منذ ذلك الحين لدار الحضانة واستعانا بعاملة تنظيف لتفادي الخلافات، إلا أن انشغال زافيير، التي تبلغ من العمر 44 عاما، بالأعباء المنزلية ورعاية الأطفال، كونها تتحمل النصيب الأكبر منها، أثناء ذروة تفشي الوباء، أعاقها عن تحقيق أهدافها في مشروعها التجاري.

وتقول زافيير: "لم أتمكن من تخصيص الوقت الكافي لمشروعي، وقد داهمني الوقت لأنني كنت أريد أن أنجز أكبر قدر منه قبل وصول المولود".

أعمال منزلية غير مدفوعة الأجر

كانت الآمال في البداية معقودة على أن يؤدي تزايد تطبيق نظام العمل من المنزل في مختلف الشركات حول العالم، إلى تحقيق بعض المساواة في توزيع المهام المنزلية ومسؤولية رعاية الطفل بين الرجل والمرأة، لكن دراسات عديدة أجريت على آباء وأمهات أثناء الوباء كشفت عن أن العبء الأكبر من الأعمال المنزلية ورعاية الطفل لا يزال يقع على عاتق النساء.

إذ استطلع باحثون من مجموعة بوسطن للاستشارات، آراء 3000 شخص في الولايات المتحدة وأوروبا، وخلصوا إلى أن عدد الساعات التي تقضيها المرأة العاملة في المتوسط في تأدية الأعمال المنزلية غير مدفوعة الأجر تفوق ما يقضيه الرجل بنحو 15 ساعة أسبوعيا.

وتشير النتائج الأولية لاستطلاع الرأي الذي أجرته جامعة ملبورن في أستراليا إلى أن الآباء والأمهات باتوا يقضون ست ساعات إضافية يوميا في رعاية الأطفال والإشراف عليهم، وتتحمل النساء العبء في أكثر من ثلثي هذا الوقت.

وكشفت أبحاث لعلماء من جامعات أكسفورد وكيمبريدج، وزيورخ أن النساء العاملات، على اختلاف رواتبهن، في المملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة يحملن النصيب الأكبر من أعباء رعاية الأطفال وتعليمهم في المنزل، مقارنة بالرجال الذين يتقاضون نفس الرواتب. وزادت الفجوة بين الزوجين، في حال كان الرجال يعملون خارج المنزل أثناء الوباء.

إذ تقول تينا ريهانا، مدرسة رقص تبلغ من العمر 28 عاما من مانشستر، إن شريك حياتها لم يتمكن من العمل من المنزل، وتولت مسؤولية رعاية طفليها أثناء الوباء. وتقول ريهانا: "لم أتمكن من إنجاز أي شيء بينما كان طفلاي في المنزل على مدار الساعة. فقد حاولت عبثا أن أعطي درسا خاصا عبر تطبيق "زوم"، وظل طفلاي يقاطعانني طوال الدرس".

وتقول ريهانا إنها ليس لديها مصدر دخل الآن بعد أن أصبح التدريس مستحيلا.

"انتكاسة الأنظمة الأسرية"

ورغم تخفيف إجراءات الحجر الصحي حول العالم، فإن بعض النشطاء والمدافعين عن حقوق المرأة يرون أن وباء كورونا سيخلف آثارا طويلة الأمد على عمل النساء وحياتهن الأسرية. وحذر تقرير للأمم المتحدة من أن المكاسب التي تحققت في مجال المساواة بين الجنسين معرضة للانتكاس بسبب الوباء.

وتقول كارولين ويلي، المديرة التنفيذية لمؤسسة "شاين" البريطانية للاستشارات في مجال تحقيق التوازن في نسبة العاملين من الجنسين في الشركات، إن فيروس كورونا قد يمثل كارثة للمساواة بين الجنسين.

وترى أن الأنظمة الأسرية الحديثة قد تنتكس وتعود إلى النمط التقليدي في توزيع الأدوار بين الرجل والمرأة بسبب إغلاق المدارس ودور الحضانة وإلغاء المعسكرات الصيفية. وتقول إن نسبة الأسر ذات الدخل المزدوج ستنخفض لعدم وجود من يتولى رعاية الطفل في غيابهما.

وترى ويلي أن النساء أكثر عرضة لترك وظائفهن بمحض اختيارهن لأن دخولهن أقل مقارنة بالرجال، فأجور النساء في الاتحاد الأوروبي أقل بنحو 16 في المئة في الساعة مقارنة بالرجال. وتزيد هذه النسبة إلى 18 في المئة في الولايات المتحدة، لكنها ترتفع كثيرا في جنوب آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط بحسب بيانات المنتدى الاقتصادي العالمي.

وتعمل نسبة كبيرة من النساء في وظائف بدوام جزئي، بسبب أعباء الأسرة ورعاية الأطفال. وتقول ويلي إن هذا دفع الكثير من الأمهات وليس الآباء، للتضحية بوظائفهن في ظل الوباء الحالي.

ويشير مراقبون إلى أن الكثير من النساء اللائي يعملن بدوام كامل ويتقاضين أجورا مرتفعة، رغم أنهن حافظن على وظائفهن منذ بداية الوباء، يشتكين من أن التوفيق بين واجبات العمل والأعباء المنزلية أصبح عسيرا. وتقول أليسون زيمرمان، المديرة التنفيذية لمؤسسة "كاتاليست" لتحسين بيئات العمل للنساء في زيوريخ، إن إحدى عميلات الشركة تقول إنها شاهدت بنفسها موظفات في مناصب قيادية يتركن وظائفهن بعد أن فاض بهن الكيل، واتجهتنساء كثيرات أيضا للعمل بدوام جزئي".

وتعمل زيمرمان مع شركات في أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا وترى أن الكثير من الموظفات قررن ترك وظائفهن بعد أن بات واضحا أن حياتنا لن تعود لطبيعتها لسنة قادمة على الأقل ما لم يتم التوصل إلى لقاح.

وأثارت تغريدة لإليزابيث هانون، نائبة رئيس تحرير دورية "فلسفة العلوم" البريطانية، جدلا واسعا بعدما أشارت إلى تراجع عدد الأبحاث العلمية التي تقدمها باحثات أثناء أزمة كورونا. وتقول هانون إن هذا التفاوت بين إسهامات الرجال والنساء للدورية قد يدل على أن النساء هن الأكثر تضررا من الاضطرابات الناتجة عن الوباء.

وانخفض أيضا عدد النساء اللائي يترشحن لتولي مناصب حكومية. وتحدثت روث ماكغوان، التي تنادي بزيادة المساواة بين الجنسين في الفضاء السياسي، عن انخفاض عدد الإناث اللائي يخضن الانتخابات المحلية في أستراليا.

وذكرت ماكغوان في برنامج تليفزيوني الشهر الماضي أن الكثير من النساء يرغبن في الترشح لكنهن يصطدمن بانعدام الأمان الاقتصادي وتزايد المسؤليات المنزلية، ناهيك عن صعوبة الخروج والدعاية وحضور تجمعات عامة.

أوجه انعدام المساواة الحالية

توقفت الكثير من الموظفات عن العمل في ظل وباء كورونا، رغما عنهن. إذ تشغل نسبة كبيرة من النساء وظائف غير آمنة وغير رسمية ويعملن في القطاعات الأكثر تضررا من الوباء كالسياحة والضيافة. ولهذا فقدت النساء وظائفهن أو منحن إجازات إجبارية بمعدلات أعلى مقارنة بالرجال.

وأشار تقرير لمعهد الدراسات المالية إلى أن الأمهات البريطانيات أكثر عرضة من الآباء بمقدار 23 في المئة للبطالة المؤقتة أو الدائمة في ظل الوباء.

وأسهم الوباء في تعميق أوجه انعدام المساواة الأخرى ذات الصلة بالعرق والطبقة الاجتماعية والإعاقة. إذ لفت التقرير إلى أن فرص البريطانيين ذوي البشرة السمراء في الحصول على وظيفة تتيح لهم العمل من المنزل كانت أقل من فرص أقرانهم.

ويعد الشباب تحت 25 عاما، والأمهات والآباء العزاب، والأقل تعليما، أكثر عرضة للعمل في القطاعات التي أغلقت أثناء الحجر الصحي.

وتقضي شارميكا دوكري، البالغة من العمر 25 عاما وتعيل ابنها البالغ من العمر سبع سنوات، أيام الأسبوع في التدريس لابنها من المنزل وتخصص ثلاث ساعات مساء للعمل في شركتها الناشئة لتطوير مشروعات للأباء والأمهات الذين لديهم أطفال ذوي إعاقة.

وتقول دوكري إنها كانت تروج لشركتها وتقنع المستثمرين بتمويلها أثناء النهار عندما يكون ابنها في المدرسة. لكنها تجد صعوبة الآن في النهوض بشركتها في وقت أصبح فيه كل شيء مغلقا.

وبعد إلغاء جميع الفعاليات والاجتماعات وفرص اجتذاب عملاء، أصبح مصدر دخلها الوحيد إعانات الإعاقة من الحكومة، كونها تعاني من ألم مزمن بعد الولادة القيصرية. وليس من السهل الآن العثور على وظيفة أخرى بسبب احتياج ابنها للرعاية ولطبيعة حالتها الصحية.

وتحذر كارولين ويلي، من أن بعض النساء لن يحققن الدخل الذي كن يحققنه قبل الأزمة، وتقول: "إذا حصلت على إجازة دون راتب، سواء اختياريا أو إجباريا، ستتراجع مهاراتك وتنقطع علاقاتك التي بنيتها لسنوات مع العملاء، وسيصبح من الصعب أن تعود إلى نفس المستوى الذي كنت عليه قبل الإجازة".

وتشير الأبحاث إلى أن الموظف إذا أحيل للتقاعد أو أصبح عاطلا لأكثر من شهرين، سيتخلف عن ركب زملائه. وتضيف ويلي أن النساء عندما يبلغن الأربعين من العمر يتعرضن للتمييز على أساس السن، وكل هذه العوامل تقوض الجهود التي تحققت على صعيد المساواة بين الجنسين.

مسايرة الركب

قد تبدو هذه الصورة قاتمة، لكن بعض بوادر الأمل أخذت تلوح في الأفق. فرغم أن النساء يؤدين النصيب الأكبر من أعمال المنزل ورعاية الطفل، تشير بعض الأدلة إلى أن الرجال، على الأقل في العالم الغربي، زادت مشاركتهم في المهام المنزلية منذ تفشي وباء كورونا المستجد.

وخلص بحث أجرته ثلاث جامعات كندية إلى أن نسبة كبيرة من العائلات ذكرت أن المهام المنزلية أصبحت توزع بالتساوي. إذ ذكر أكثر من 40 في المئة من الآباء أنهم يقضون أوقاتا أطول في الطهي، وذكر 30 في المئة أنهم يقضون وقتا أطول في غسيل الملابس وتنظيف المنزل.

وأشار استطلاع للرأي من شركة "بالس" إلى أن ثلثي الرجال المشاركين أبدوا رغبة في مواصلة العمل من المنزل لقضاء وقت أطول مع أسرهم.

وثمة عوامل عديدة أدت إلى زيادة إسهام الآباء في المهام المنزلية، منها توفير الوقت الذي كان يضيع في المواصلات وزيادة فرص التواصل مع الأطفال وانخفاض ساعات العمل، والبطالة أو الإجازة الإجبارية أثناء تفشي الوباء.

ويعمل روجر داولي، البالغ من العمر 39 عاما، في شركة للتكنولوجيا متعددة الجنسيات، وأتاحت له شركته العمل أربعة أيام من المنزل أثناء الوباء، ويقول إن تأدية المهام المنزلية أصبحت أسهل الآن بعد المكوث في المنزل.

وقررت زوجته أونا موريسون، كبيرة المديرين بشركة للمشروبات العالمية، الحصول على بعض الأيام المستحقة من إجازة رعاية الطفل غير مدفوعة الأجر، لتخفيف عبء رعاية طفليها عن زوجها، في وقت زادت عليه أعباء العمل.

واتفق الزوجان على أن يحصل داولي على إجازة لتخفيف العبء عن زوجته، متى احتاجا لذلك، في ظل إغلاق دور الحضانة. ويقول داولي إنه لا يمانع أن يقضي وقتا إضافيا مع طفليه.

مناقشة موضوعات جديدة

وتشعر كارولين ويلي بتفاؤل حذر بشأن إمكانية استفادة الشركات من دروس الوباء الحالي لتحسين بيئات العمل بما يكفل المساواة بين الجنسين. وتقول ويلي إن أنظمة العمل المرن التي لم تعتمدها الكثير من الشركات قبل الوباء، قد تساعد المرأة على الترقي في العمل.

وترى ويلي أن توفير الوقت الذي كانت تقضيه الكثير من النساء في التنقل بين العمل والمنزل، أتاح لهن الفرصة لتنظيم يومهن بطرق أفضل، وهذا ساعدهن في تحسين إنتاجيتهن مع الحفاظ على التوازن بين العمل والحياة الأسرية.

لكنها ترى أن الشركات ينبغي أن تبذل مجهودا أكبر لتطبيق أنظمة طويلة الأمد للعمل المرن والعمل عن بعد.

وترى زيمرمان أن الوباء أجبرنا على التفكير في ظروف الموظفين الشخصية واحتياجاتهم للعمل بكفاءة، وتنصح بوضع قواعد وأنظمة تراعي احتياجات وظروف الموظفين والتحديات التي تواجههم لتأدية وظائفهم.

وترى هارييت ويليامز، التي تعمل مستشارة لرفع الوعي بالتحديات التي يواجهها الآباء والأمهات الشباب في المملكة المتحدة، أن القواعد والأنظمة التي تضعها الشركات يجب أن تتزامن مع خطوات ملموسة من جانب الحكومة لتحقيق المساواة في أسواق العمل.

وتنادي ويليامز بوضع قوانين لحماية الموظفين الذين يعملون بعقود عمل مؤقتة أو بدون حد أدنى لساعات العمل، وتوسيع نطاق إجازات رعاية الطفل للرجال والنساء.

وتقول أنّا زافيير إن شريك حياتها الآن أصبح أكثر استعدادا لتولي المزيد من المهام المنزلية. وترى زافيير أن مشاركة الأزواج في الأعمال المنزلية ستزيد مستقبلا بعد زيادة عدد الموظفين الذين يعملون من المنزل.

لكنها تقول إن التحدي الآن الذي يواجه الكثير من الأزواج هو تأجيل الأعمال المنزلية. وتقول زافيير إن زوجها قد يؤجل ملء غسالة الأطباق يوما كاملا، حتى لو كان المطبخ في حالة من الفوضى.

وترى أنه من المهم مناقشة كيفية تقسيم الأعباء بالتساوي بين الزوجين، سواء في المنزل أو في المجتمع، فإن قص العشب مرة أسبوعيا لا يقارن بالطهي يوميا!


مشاركة

كلمات مفتاحية

التعليقات