أغرقت ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي، الموالية لدولة الإمارات، العاصمة اليمنية المؤقتة عدن بقضايا "الفلتان الأمني" بعد أن طردت رئيس وأعضاء الحكومة منها، قبل نحو شهرين، ومحاولة اقتحام قصر المعاشيق الرئاسي في حي كريتر، حيث كان يقطنه رئيس وأعضاء الحكومة.
وذكرت مصادر محلية لـ"القدس العربي" أن "محافظة عدن تحوّلت إلى غابة لميليشيات المجلس الانتقالي، يعيثون فيها الفوضى ويعبثون باستقرارها الأمني بشكل شبه يومي، فيما الحياة الطبيعية لم تر منذ سيطرت هذه الميليشيات على مدينة عدن".
وأوضحوا أن محافظة عدن تشهد أسبوعياً اختلالات أمنية جسيمة متعددة، إما عمليات اغتيال، أو علميات اعتداءات على ممتلكات عامة أو خاصة، وإما صراعات مسلحة بين مجموعات ميليشياوية تابعة للمجلس متصارعة على المصالح والامتيازات والسيطرة على منابع الإيرادات المالية.
ويكاد لا يخلو أسبوع في عدن من وقوع حوادث اختلالات أمنية كبيرة، تعصف بالوضع الأمني وتدفع بالمدينة نحو الهاوية، والتي أصيبت بـ»التلوث البصري» لكثرة المسلحين المنتشرين فيها من ميليشيات المجلس الانتقالي، على حد تعبير أحد سكانها من السياسيين المخضرمين، بعد أن كانت عدن المدينة الوحيدة في اليمن الخالية من السلاح والتي يضرب بها المثل بالأمن والأمان.
اقتحام مجمع قضائي
وذكرت مصادر قضائية أن مجموعات مسلحة تابعة للمجلس الانتقالي اقتحمت أمس حَرَم المجمع القضائي في حي خورمكسر بمحافظة عدن وسيطرت عليه بقوة السلاح وأغلقت أبوابه ومنعت القضاة والموظفين من الدخول إلى المبنى لممارسة أعمالهم دون إبداء الأسباب.
وأوضحت أن القضاة والموظفين اضطروا للعودة إلى أدراجهم بعد أن منعتهم ميليشيات المجلس الانتقالي من دخول مقر المجمع القضائي وشكلت العديد من العربات المسلحة التي تقل عدداً كبيراً من الميليشيات الجنوبية طوقاً أمنياً حول مقر المجمع القضائي الرئيس بعدن.
وأشارت هذه المصادر إلى أن القضاة حاولوا إقناع مسلحي الميليشيات بالسماح لهم بدخول مقر المجمع القضائي لممارسة أعمالهم الوظيفية، وإذا لديهم أي مطالب يمكن أن تتم عبر الأطر والدوائر الرسمية، ولكن الميليشيات رفضت ذلك وأصرّت على الإغلاق الكامل لمقر المجمع القضائي، والذي يعد مقر السلطة القضائية الرئيس للحكومة الشرعية التي يتزعمها الرئيس عبدربه منصور هادي.
صراع داخلي
وعلمت القدس العربي من مصدر جنوبي أن «صراعاً مالياً» بين قيادات وأطراف متعددة في المجلس الانتقالي أسفر عن سيطرة بعض الأطراف على موارد مالية كبيرة فيما لم تتمكن الأطراف الأخرى من الحصول على نفس الامتيازات والموارد وهو ما أدى إلى تفاقم الوضع بينها، حتى وصلت إلى حد ممارسة الاعتداءات الجسدية والاعتقالات وإطلاق النار ضد بعضهم البعض.
وذكر أن «هناك صراعاً داخلياً عميقاً بين قيادات وميليشيات المجلس الانتقالي حول العائدات المالية وبالذات في المؤسسات الإيرادية مثل ميناء عدن والميناء النفطي والضرائب وغيرها، والتي تذهب أغلبها لجيوب القيادات النافذة في المجلس الانتقالي عبر حسابات بنكية خاصة، فيما يتنصلون عن دفع أجور ورواتب الموظفين الحكوميين بذريعة أن الحكومة لم تدفع لهم ميزانية للأجور».
وشهدت محافظة عدن وقوع العشرات من عمليات الاغتيال للمناهضين للمجلس الانتقالي أو الرافضين للسياسة الإماراتية في اليمن منذ أن سيطرت القوات الإماراتية على محافظة عدن في صيف 2015 عقب دحر ميليشيات جماعة الحوثي الشمالية من المحافظات الجنوبية وفي مقدمتها محافظة عدن.
وبعد استكمال سيطرة ميليشيات المجلس الانتقالي على محافظة عدن في آب/ أغسطس 2019 بدعم عسكري ولوجستي إماراتي، خرجت عن سيطرة الحكومة الشرعية وأصبحت بالكامل تحت قبضة المجلس الانتقالي، والتي حاولت السعودية إنقاذ الموقف عبر رعاية اتفاق الرياض الموقع بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي نهاية العام 2019.
وكان هذا الاتفاق تضمن خروج ميليشيات المجلس الانتقالي من عدن وإفراغها من القوات العسكرية وتسليمها لقوات أمنية لحفظ الأمن فيها، يعقب ذلك تشكيل حكومة يشترك فيها المجلس الانتقالي، لكن الأخير أصرّ على تنفيذ الجانب السياسي في الاتفاق أولاً ممثلاً بالتشكيل الحكومي قبل تنفيذ الجانب العسكري وهو ما تم الرضوخ إليه نهاية العام 2020 والذي لم يحقق أي شيء لصالح استتباب الأوضاع.
ورغم أن المجلس الانتقالي أصبح هو المسيطر بالكامل على الجانب العسكري والأمني في محافظة عدن ومحافظتي لحج والضالع المجاورة لها إلا أن الفلتان الأمني لا زال سيد الموقف هناك، حيث تدور صراعات مسلحة داخلية بين أطراف المجلس الانتقالي وميليشياته المسلحة، والتي يستقوي كل منهم بما تحت قيادته من مسلحين وعتاد عسكري، وخرجت الأمور عن السيطرة المركزية لقيادة المجلس، التي تقضي أغلب أوقاتها في دولة الإمارات.
التعليقات