نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا أعدته بيثان ماكرنان قالت فيه إن العاصمة اليمنية صنعاء التي شهدت تظاهرات حاشدة قبل عشرة أعوام تبدو اليوم هادئة يتحرك التجار والزبائن ببطء في أسواقها القديمة تحت وطأة قمع الحوثيين واحتلالهم للعاصمة والمعاناة التي تسبب بها الحصار الذي فرضه التحالف السعودي- الإماراتي.
وحلت "صرخة" الحوثيين محل الشعارات والأغاني والقصائد التي تردد صداها وسط البناء القديم.، ووسط الهدوء الحذر عادة ما يندلع التوتر الذي يخرقه صوت الغارات التي تشنها طائرات التحالف.
وبعد عشرة أعوام على تجرأ اليمنيين للحلم في الانتفاض بات اليمن يشبه أحجية من الصور المقسمة لا يمكن حلها. وترافق الحرب الطاحنة أزمة إنسانية لم يشهد العالم مثلها منذ 40 عاما.
وكلما استمرت الحرب والمجاعة كلما صعب تجميع قطع الأحجية اليمنية معا. فقبل عشر سنوات انطلق 10 آلاف محتج إلى شوارع صنعاء احتجاجا على الحكم الوحشي والفاسد لعلي عبد الله صالح. واستلهم المحتجون نجاح الثورة في تونس حيث مضوا في تظاهرات سلمية واضعين قطعا زهرية على أذرعتهم تعبيرا عن الوحدة.
وأدت التظاهرات لتنحي صالح عن السلطة في 2012 وترك المهمة التي وصفها مرة بأنها مثل "الرقص فوق رؤوس الثعابين"، ولقي نهايته في 2017 كما لقي معمر القذافي نهايته.
وقالت رجا الذيباني اليمنية- الأمريكية التي أجلت دراستها للمشاركة في ثورة 2011: "كان شعورا مبهجا ولأول مرة يتحد فيها اليمنيون. ولم يكن مهما من أي قبيلة أو طائفة دينية جئت أو أي جماعة سياسية انتميت لها. وكانت المساواة في أعلى تجلياتها وخرجنا معا أسبوعا بعد أسبوع".
وقالت: "بعد عدة أشهر بدأت الصدوع تظهر على الوحدة لكن الكثيرين رفضوا الاعتراف بها".
وفي الفراغ الأمني والسياسي ظهر عدة لاعبون حاولوا سد الثغرة، ففي الشمال بدأت الحركة الحوثية بالتحرك. وفي وسط اليمن تمددت القاعدة أما في الجنوب، وبخاصة عدن فقد تقوت الجماعة الداعية للاستقلال عن الشمال. مما أدى لاندلاع حرب واسعة عندما قرر الحوثيون اقتحام العاصمة اليمنية والإطاحة بحكومة عبد ربه هادي منصور بداية 2015 الذي فر إلى السعودية.
واستجابت السعودية الخائفة من توسع الدور الإيراني في اليمن بعد سيطرة الحوثيين وقرر محمد بن سلمان بصفته وزيرا للدفاع القيام بحملة عسكرية. وبنصح واستشارة من الحلفاء الغربيين بمن فيهم الولايات المتحدة وبريطانيا، قرر الجيش السعودي الذي لم تختبر قوته في حروب سابقة شن حملة جوية لمدة ثلاثة أسابيع بهدف إخراج الحوثيين من صنعاء. إلا أن "عاصفة الحزم" امتدت إلى ستة أعوام ودخلت في مأزق وتوسعت على 47 جبهة وأدت لمقتل 223 ألف شخص.
وبعيدا عن القصور المتوهجة في الرياض وأبو ظبي علقت قوات التحالف في الأراضي الوعرة من شبه الجزيرة العربية، ودفع الثمن المدنيون اليمنيون. وتم قصف الأعراس والمستشفيات والمدراس، وفي صعدة معقل الحوثيين بات صوت أزيز الطائرات جزءا من الحياة اليومية ولا يلتفت إليه أحد.
ومع الحرب جاء الجوع وفقر التغذية والكوليرا وحمى الضنك وفيروس كورونا الذي لاحق الصغار والضعاف وحول البلاد إلى ما أطلقت عليها الأمم المتحدة "أكبر كارثة إنسانية في العالم". والسبب الرئيس بعدم الإعلان عن مجاعة عامة مرتبط بالأرقام والإجراءات الفنية، فعدم توفر البيانات الكافية هو سبب عدم اعتبار اليمن يواجه مجاعة شاملة.
ويقول مهدي بلغيث من مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية إن "الحوثيين الذين تدعمهم إيران لن يخرجوا" و "هم مستعدون للعبة طويلة بطريقة لا تقدر عليها الدول الخليجية. وفي المستقبل سيقل اعتماد الولايات المتحدة على النفط والغاز من الخليج مما يعني تفكك الشراكة الطويلة. وعندها ما الذي سيمنع إيران من الزحف نحو مكة في الشمال؟".
وفي الجنوب لم ينجل غبار المعركة بعد لكن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد نفرا كل حليف محتمل. ففي يوم بارد بمحافظة شبوه الغنية بالنفط والتي تربط شمال البلاد بجنوبها اصطف قادة عشائر للترحيب بقافلة لاند كروزر قادمة عبر الصحراء. وجاء أكثر من 100 رجل يمثلون عشرة قبائل للاحتجاج أمام قاعدة عسكرية إماراتية والمطالبة بالعدالة لتسعة رجال وأطفال قتلوا في أثناء غارة لا مبرر لها قامت بها قوات تابعة للإمارات.
وقالوا أن الطائرات الإماراتية تحلق أحيانا على مرتفع منخفض لتخويفهم. وقال الشيخ أحمد عبد القادر المحضار واحد من الزعماء البارزين الحاضرين: "عندما جاء الإماراتيون والسعوديون قالوا إنهم سيستثمرون بمشاريع المياه. وأراد الإماراتيون منا أن نرسل أبناءنا للقتال من أجلهم. وعندما رفضنا حاولوا إخافتنا".
وقال: "يتكون اليمن اليوم من عصابات، ولا محاكم لكي نقوم بالشكوى لها. وأجبرتنا الحرب للاعتماد على الطرق القديمة في حل الأمور وفي غياب الدولة نعتمد على شبكات القبائل والعدالة القبلية".
وتشرذم التحالف منذ دعم الإمارات المجلس الجنوبي الانتقالي في 2017. ولم يعد يربط التحالف إلا العلاقة الشخصية بين الحاكمين في الرياض وأبو ظبي ولا إشارة عن قرب نهاية الحرب. وبدأت السعودية بعقد لقاءات سرية مع الحوثيين فيما سحبت الإمارات معظم قواتها.
ومع خروج قوات التحالف زادت المواجهات بين الحوثيين والقوى المحلية الأخرى، وحتى المصالحة بين الحكومة المعترف بها دوليا والمجلس الانفصالي في الجنوب لا تزال هشة.
وفي الوقت الذي علقت فيه إدارة بايدن صفقات السلاح للسعودية والإمارات إلا أن إدارته لا تزال غامضة حول مسار السياسة من اليمن. وكان آخر قرار لإدارة ترامب هو تصنيف الحركة الحوثية كجماعة إرهابية، وهو تحرك لن يؤثر على الحركة الحوثية ولكن سيعقد من مهام نقل المواد الإنسانية واستيراد المواد الغذائية والدوائية والتي تشكل نسبة 90% مما يحتاجه اليمنيون.
وحتى لو ألغى بايدن قرا ر ترامب، فإن برنامج الغذاء العالمي يتوقع أن العقوبات أجبرت 80% من السكان على الجوع. وواصلت الحكومة البريطانية في مبيعاتها العسكرية للسعودية رغم قرار محكمة الاستئناف عام 2019 والذي وجد أن الحكومة البريطانية لم تقيم بطريقة مناسبة طريقة استخدام الأسلحة وعدم خرقه للقانون الدولي الإنساني.
التعليقات