قدّم إبراهيم الحاصباني إلى الولايات المتحدة في عام 2011 هربا من الأوضاع في اليمن، حيث اندلعت المظاهرات مع انطلاق “الربيع العربي”.
لم تكن فكرة البقاء في باله في بادئ الأمر، إذ كان يأمل بالعودة إلى بلاده حين تهدأ الأمور، وها هي الحرب التي اشتعلت هناك مازالت مستمرة إلى يومنا هذا.
"مع ازدياد المشاكل يوما بعد يوم، قررت البحث عن عمل والاستقرار هنا. وكأي مغترب، واجهت صعوبات كثيرة بعيدا عن الأهل والأصدقاء"، يقول الحاصباني في حوار مع القدس العربي.
لم يهدأ بال هذا المهاجر اليمني منذ أن وطأت قدماه أرض الولايات المتحدة وتحديدا مدينة نيويورك حيث استقر به الحال في البداية. إذ بدأ يفكر ويخطط لمشروع جديد في الغربة ليس بعيدا عن وطنه الأم. ومن هنا بدأت فكرة "بيت القهوة"، الذي امتدت شهرته من الشرق الأمريكي إلى غربه.
يخبر الحاصباني "القدس العربي"، في حوار خاص حول قصة نجاحه، "أردت أن يكون المشروع مختلفا عن المقهى التقليدي الذي يقدم القهوة الأمريكية".
ويتابع: أردت أن أؤسس شيئا له علاقة بالثقافة، له علاقة بقصة اليمن، وبن اليمن وحضارته. إذ إن كثيرا من الناس يعتقدون أن بداية القهوة كانت في البرازيل أو كولومبيا وغيرها من دول أمريكا اللاتينية. ولا يعرفون أن البداية كانت من اليمن”.
ويضيف قائلا “فكرة القهوة كانت في بالي منذ البداية، خاصة وأنني من بلد القهوة، وعائلتي لديها مزارع بن في صنعاء منذ أيام أجدادي”.
آمنت بفكرتي
يوضح إبراهيم لـ"القدس العربي" أنه في البداية عندما طرح فكرة مشروعه على من حوله، لم يتحمسوا كثيرا، إذ رأوا أنه لا يمكن له أن ينافس شركات كبيرة مثل ستاربكس وغيرها، ورأوا أن النجاح أمام هؤلاء العمالقة يشكل تحديا كبيرا. لكنه آمن بنفسه وبمشروعه وبالمنتج الفريد الذي سيقدمه.
يقول إبراهيم "آمنت أن الناس ستنبهر بهذه الفكرة الجديدة ومن هنا بدأت تنفيذ المشروع وفتحت أول مقهى ولاقى نجاحا كبيرا، وبات اسمنا اليوم معروفا في أمريكا وخارجها".
ويتابع "تواصل معي أناس من أوروبا للحصول على الرخصة لفتح المقهى. لدينا الآن "بيت القهوة" في نيويورك وآخر في ديربورن، وخلال أسبوعين سنفتح واحدا آخر في ديربورن".
ربما لم يكن اختيار الحاصباني مدينة ديربورن للاستقرار وتأسيس مشروعه عبثيا، إذ تتركر في هذه المدينة الواقعة في ولاية ميتشغان أكبر نسبة من العرب الأمريكيين في الولايات المتحدة.
على الرغم من بساطة المكان إلا أن أجواءه تعطي نوعا من الراحة لا سيما للعرب الأمريكيين، إذ حرص إبراهيم على أن تعكس روح “بيت القهوة” الهوية العربية والحضارة اليمنية العريقة.
يقول الحاصباني "جو المكان بسيط لكنه يعكس حضارتنا، خاصة للجالية العربية، فمجرد دخولك إلى هنا تشعر بروح المكان من خلال الموسيقى، والديكور، والصور المعلقة على الجدران، وأنواع القهوة التي نقدمها".
ويضيف "بيت القهوة" يجمعنا كلنا ويحاول ربطنا من جديد بتراثنا وتاريخنا وحضارتنا. حتى الأمريكيين عندما يدخلون المكان يرون شيئا مختلفا، صور المباني القديمة التي تعود إلى مئات السنين ولا زال الناس يعيشون فيها باليمن، يحبون ذلك وتثير لديهم فضولا لرؤية اليمن”.
حرص إبراهيم من خلال كل ما يقدمه "بيت القهوة" على أن يكون يمنيا خالصا، من بذرة البن القادمة من مزارع عائلته قرب صنعاء إلى تصاميم الفناجين التي تُقدم فيها القهوة االمُعدة بالطريقة التقليدية الأصيلة.
بيت القهوة
يوضح الحاصباني سبب اختيار اسم "بيت القهوة" لـ"القدس العربي" قائلا "اقترح البعض أن اختار اسما سهلا خاصة للأمريكيين كي يحفظوه ويعرفوا معناه، لكنني رأيت أنه بما أن كل شيء يأتي من الأصل وهو اليمن وأصل كلمة coffee هو من القهوة، فعلينا تعريف الناس بذلك".
ويضيف "بالأساس أردت شيئا مميزا وله علاقة بالثقافة. هناك رسالة أن البن بدأ من اليمن، نحاول تعريف الزبائن بعاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا ليعرفوننا أكثر، فهم لا يعرفون عنا إلا ما يرونه على التلفاز الحرب والجوع … وراء كل ابتسامة أي شخص في العالم القهوة".
صعوبات
تواجه الحاصباني تحديات كبيرة خلال عملية نقل البن من اليمن إلى الولايات المتحدة، ففي بلاده حيث توجد المزارع التي تمتلكها عائلته خارج صنعاء، يتحتم نقل البن إلى عدن حيث الميناء، وللوصول إلى هناك، تمر الشحنة بعدد من المدن.
يقول الحاصباني "لكل مدينة جماعة تسيطر عليها، بالإضافة إلى الحرب الآتية من الخارج وخطر القصف أو الاستهداف. اختلاف الجماعات المسيطرة في الداخل تضطرنا إلى التعامل مع كذا مجموعة لتمرير الشحنات، فهناك مناطق تسيطر عليها الحكومة وأخرى الحوثيون وأخرى الانتقالي، ومن هنا نضطر الى التعامل بطرق مختلفة سواء ماديا أو غيره وهذا يضيف من التكاليف".
ويضيف لـ"القدس العربي" تحتاج الشحنة إلى نحو 5 شهور كي تصل إلى الولايات المتحدة. حتى سائق الشاحنة التي تحمل البن يجب أن يكون من المنطقة المعينة التي تمر بها لتسير بأمان. نحاول تجاوز الصعوبات قدر الإمكان. وطبعا قبل وصولها إلى هنا تمر الشحنة بالسعودية. ولدى وصولها إلى الولايات المتحدة تخضع لتدقيق كبير وذلك يرجع إلى أن مصدرها اليمن”.
حلم
لم يتمكن إبراهيم من العودة لوطنه لزيارة أمه وعائلته منذ أن قدم إلى أمريكا وذلك بسبب الحرب المستعرة في بلاده. ولا يكف عن الأمل بأن نتنهي تلك المأساة يوما ما. “اليمن بلد جميل وإذا توقفت الحرب يصبح فعلا اليمن السعيد”، يقول الحاصباني.
التعليقات