الخبر من عمق المحيط

استهداف التراث.. جرائم مسكوت عنها في حرب اليمن

استهداف التراث.. جرائم مسكوت عنها في حرب اليمن
سقطرى بوست -  متابعة خاصة الإثنين, 30 نوفمبر, 2020 - 09:02 مساءً

على غير العادة، لم تصحُ صنعاء القديمة فجر 12 يونيو/حزيران 2015 على أصوات المآذن عندما بدد قصف طيران التحالف السعودي الإماراتي روحانية التسبيحات التي تسبق صلاة الفجر.

 

استيقظ السكان على أصوات الانفجار الذي طمس معالم 4 منازل طينية في حارة القاسمي بالمدينة المصنفة ضمن قائمة التراث الإنساني لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" (UNESCO).

 

القصف ألحق أضرارا كبيرة بتسعة منازل أخرى، وأودى بحياة 5 مواطنين من سكان المنازل.

 

هذه الجريمة التي استهدفت معلما تاريخيا عريقا في اليمن لم تكن الوحيدة، بل رصدت الهيئة العامة لحماية التراث بصنعاء استهدافات عديدة لمواقع تاريخية وتراثية قصفها طيران التحالف، منها: قلعة القاهرة بتعز، ومدينة براقش الأثرية بالجوف، وسور سد مأرب، ومدينة شبام كوكبان، وحارة الفليحي بصنعاء القديمة، والمتحف الحربي بعدن، ومدينة صعدة القديمة وغيرها.

استهداف مئة معلم

 

يقول مدير المشاريع والبرامج في مركز الهدهد للدراسات الأثرية الدكتور عبد الله محسن موسى للجزيرة نت إن الإحصائيات الأولية تفيد بأن المواقع والمعالم الأثرية المتضررة مباشرة بسبب قصف "تحالف العدوان" تبلغ قرابة مئة موقع ومعلم أثري.

 

وحسب موسى فإن هذه الإحصائية خارجة عن الأضرار غير مباشرة التي تعرضت لها الآثار من نهب ونبش عشوائي، علاوة على التدمير الكلي والجزئي لعشرات المواقع من قبل "الجماعات الإرهابية".

 

ويرى أن حصار التحالف وضعف الإمكانيات ساهما أيضا في تدمير المواقع الأثرية والتاريخية مثلما حصل لمدينة صنعاء القديمة وغيرها من المدن التي تضررت من الأمطار والسيول.

 

وانتقد موسى الدور الغائب للمنظمات الدولية المعنية بالتراث الثقافي باستثناء إدانات نادرة لاستهداف بعض المواقع المشهورة في بلد غني بالآثار ولا تخلو محافظة فيه من موقع أو معلم أثري أو تاريخي.

 

يقول موسى إن اليمن يمثل حضارة عريقة، والملاحظ أن معظم المواقع المتضررة لم تجد رواجا لدى المنظمات الدولية التي أظهرت معظمها عدم الحيادية.

 

ويشير إلى أن مركز الهدهد للدراسات الأثرية نفذ بعض الدراسات والزيارات الميدانية لبعض المواقع الأثرية المتضررة بالتعاون مع الهيئة العامة للآثار، ورفع تقييما بذلك، خاصة ما يتعلق بمدينة براقش الأثرية التي استهدفها الطيران استهدافا مباشرا، مدمرا بذلك المعبد المعروف بمعبد الإله نكرح.

 

ملفات قانونية للمحاكمة

 

ويؤكد مدير المشاريع والبرامج في مركز الهدهد للدراسات الأثرية أن المركز يسعى، بالتعاون مع المراكز والأخصائيين الحقوقيين، إلى تكوين ملفات حقوقية لانتهاكات التحالف للتراث الثقافي الأثري في اليمن بغرض رفعها إلى الجهات والمحاكم الدولية وفقا للقوانين الدولية.

 

ويؤكد موسى أن القوانين والاتفاقيات الدولية تنص على حرمة المساس والإضرار بالمواقع والمعالم الأثرية، وعدّت هذه الأعمال من الجرائم الجسيمة.

 

ويتساءل "ماذا تتوقع من تحالف لم يجعل للإنسان أي حرمة ولم يفرق بين مدني ومقاتل، ولا رجل أو امرأة ولا طفل أو شيخ؟".

 

ويضيف أن التحالف السعودي الإماراتي استباح جميع الحرمات فما بالك بالتراث الثقافي والحضاري لليمن الذي يعبر عن تاريخ العرب جميعا.

 

ويعتبر أن هذا الاستهداف يعبر عن عقدة النقص التي تتمثل في عدم وجود أي تاريخ عريق لهذه الدول، فتستهدف تاريخ اليمن المعروف بأصالته وعراقته وارتباط جميع الشعوب به.

 

أما المدير العام لحماية الآثار والممتلكات الثقافية عبد الكريم علي البركاني فيقول إن استهداف المعالم الأثرية والتاريخية في اليمن من قبل طيران التحالف يعد تجاوزا للمواثيق والمعاهدات والبروتوكولات الدولية التي تجرم ذلك في حال السلم والحرب.

 

وأوضح البركاني أنهم شكلوا غرفة عمليات لرصد كل ما تم استهدافه من معالم أثرية وتاريخية في جميع محافظات الجمهورية، وتم توثيق 68 استهدافا طال معالم أثرية بسبب قصف طيران التحالف.

 

ويرى البركاني أن توثيق الجرائم التي تعرضت لها المعالم التاريخية في جميع المحافظات مهم من أجل إعداد ملف قانوني لمحاسبة من استهدفوا التراث الثقافي اليمني.

 

خطر التطرف

 

ويشير إلى أن الحرب أنتجت خطرا جديدا يتمثل في ظهور الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي دمرت الكثير من المعالم الدينية في بعض المحافظات لأغراض عقائدية، حيث تم تدمير ما يقارب من 28 معلما دينيا وفق إحصائية شبه رسمية، حسب قوله.

 

ودعا البركاني الأمم المتحدة إلى الاضطلاع بدورها الإنساني في حماية مواقع التراث في اليمن بموجب المعاهدات التي أطلقتها لحماية التراث العالمي.

 

وطالب بعقد جلسة لمجلس الأمن حول هذه الجرائم وإصدار قرار أممي يلزم الدول التي استهدفت تراث اليمن بإيقاف تلك الهجمات الشرسة، وإنشاء صندوق إعمار لإعادة ترميم ما تم تدميره من تراث اليمن، ومحاسبة من قاموا بذلك.

 

وكانت منظمة اليونسكو أعلنت في يوليو/تموز 2015 عن خطة عمل طارئة للحفاظ على التراث الثقافي اليمني، لكن ضعف التمويل لم يترجم تلك الخطة إلى الواقع الملموس.

 

وهدفت الخطة التي شاركت فيها هيئات وطنية يمنية ذات صلة، إلى معالجة الدمار واسع النطاق، الناجم عن النزاع، بمواقع التراث الهامة والمتاحف، فضلا عن الاضطراب الذي لحق ببعض تعابير التراث الثقافي غير المادي.

 

وصرحت حينها المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا بأن "تدمير الثقافة له تأثير مباشر على هوية وكرامة ومستقبل أبناء اليمن، ويؤثر أيضا على ثقتهم في المستقبل".

 

يشار إلى أن معظم الآثار والمعالم التي استُهدفت يعود تاريخها إلى أكثر من 4 آلاف سنة، وتعد ضمن قائمة التراث العالمي.

 

وتبقى الجرائم التي طالت التراث الثقافي والتاريخي اليمني جرائم مسكوتا عنها وسط حرب تستنزف البلد يوميا، وحالة إفلات للجناة بالتأكيد لن يسكت عنها اليمنيون طويلا.

 

 

المصدر : الجزيرة


مشاركة

كلمات مفتاحية

التعليقات