عندما قامت الحرب في اليمن قبل ما يزيد على خمسة أعوام، كان خالد نجيب، يعمل معلما في إحدى المدارس الحكومية وراتبه يتجاوز 80 ألف ريال بسعر الدولار آنذاك (250 دولاراً). فجأة وجد نفسه على قارعة الطريق بدون دخل بعد فترة من أول صاروخ أطلقته إحدى الطائرات الحربية للتحالف تدشيناً بإعلان حرب عبثية كان اليمنيون الأبرياء البسطاء أكثر من نالتهم نيرانها حتى الآن.
بعد عام ونصف من الحرب قررت الحكومة اليمنية نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء "شمال" الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى عدن "جنوب" بعد اتخاذها من قبل الحكومة عاصمة مؤقتة، حدث ما لم يكن في حسبان أحد في اليمن، إذ توقفت مرتبات نحو 1.2 مليون موظف في القطاع العام يعيلون أُسر يزيد عددها على خمسة ملايين فرد.
وكان نجيب أحد هؤلاء الموظفين الذين فقدوا رواتبهم الأمر الذي اضطره للبحث عن عمل آخر يصرف منه على عائلته المكونة من سبعة أفراد.
يقول لـ "العربي الجديد" إنه بحث طويلاً عن عمل ليحمي أولاده وأسرته من مذلة الحاجة بعد ما فقدت عائلته مصدر دخلها الرئيسي، مشيراً إلى أنه لم يجد عملاً سوى في أحد أفران الخبز وما يزال يعمل به حتى الآن مع تفاقم الأوضاع المعيشية وترديها أكثر مع إطالة أمد الحرب.
لم تتوقف المأساة عند الموظفين وعمال القطاع الخاص، بل طاولت أهم الشرائح والفئات العمالية الكادحة في اليمن، إذ يقول النازح في صنعاء من محافظة الحديدة غربي اليمن، فؤاد الشغدري، لـ"العربي الجديد"، إنه كان يعمل في صيد الأسماك بالمحافظة اليمنية الساحلية التي شهدت معارك عنيفة خلال الفترة 2017 و2019 وتوترات متواصلة حتى الاَن، ما أدى إلى تشريده من مدينته وعمله ووقوعه في براثن الفقر والبطالة.
وتعرض البلد المنكوب بفقر وبطالة مزمنة على مدى السنوات الماضية من الحرب، إلى تدمير هائل وخسائر ضخمة في البنية التحتية والتنمية الاقتصادية وتفاقم المعاناة الإنسانية وتوسع الفقر وتزايد أعداد البطالة.
ويقول مسؤول في الصندوق الاجتماعي للتنمية، وضاح الأشول، إن توقف محافظ التمويلات الدولية في السنوات الأولى للحرب أدى إلى تعثر عديد المشاريع المبرمجة في الخطط التنموية المعدة سابقاً، وبالتالي تسريح عمالة كثيفة كانت تستوعبها.
ويضيف الأشول لـ"العربي الجديد"، أن ذلك أدى إلى انضمام هذه العمالة متعددة مستويات المهارة والتأهيل إلى طوابير البطالة المتضخمة وبالتالي ارتفاع مستويات الفقر، إذ أصبحت مئات الاّلاف من الأسر اليمنية بدون أي عائل ومصدر دخل مع تضييق فرص وسبل العيش بشكل كبير ووصلها لمرحلة الانعدام.
ورغم أن عوامل تفشي وتسارع انتشار الفقر في اليمن متعددة ومزمنة، إلا أن حدة وتيرتها زادت في السنوات الأخيرة، نتيجة التداعيات التي أدت إلى ارتفاع سعر صرف الدولار وتدهور القيمة الشرائية للعملة الوطنية التي تبلغ حاليا نحو 830 ريالاً في السوق السوداء بالإضافة إلى انكماش الأنشطة الاقتصادية، ما أدى إلى مزيد من انزلاق الأسر في معدلات الفقر.
وطبقاً لأحدث البيانات الرسمية فقد بلغ عدد السكان غير الاَمنين غذائياً في اليمن نحو 20.1 مليون شخص بدون المساعدات الغذائية، أو 15.9 مليون شخص مع المساعدات.
وارتفعت نسبة الفقراء في اليمن بين عامي 2014 و2018 بشكل حاد. وتشير تقديرات رسمية إلى أن معدل الفقر بلغ 76.9% عام 2016، فيما زادت هذه النسبة عام 2017 إلى 77.9%، وإلى 78.8% عام 2018. ومع استمرار الوضع الحالي المتردي وتواصل التراجع الاقتصادي وصعوبة الأوضاع الإنسانية فإن معدلات الفقر مرشحة للزيادة إلى معدلات تفوق 80% خلال عام 2020.
وفق التقديرات الرسمية كذلك، فقد ارتفع عدد الفقراء إلى ما يقارب الضعف عام 2014 مقارنة مع 2005 ليصل إلى 12.6 مليون شخص، ثم إلى أكثر من 20 مليون شخص مع نهاية 2019.
ومع استمرار الحرب وعدم تحقيق السلام المستدام في اليمن، يحذر خبراء أن اليمن ستعاني من أكبر مجاعة في العالم، وستصنف اليمن كأفقر بلد في العالم.
وقد مثل الافتقار إلى الفرص الاقتصادية المتاحة السبب الرئيسي وراء انخفاض سبل العيش لجميع الفئات السكانية في اليمن، إلى جانب توقف صرف رواتب الموظفين المدنيين والتسريح الذي طاول الأيادي العاملة في شركات القطاع الخاص، إضافة إلى غياب الفرص الاقتصادية المتاحة لكسب العيش للفئة العاملة من السكان.
ويرى الباحث الاقتصادي، منير القواس، أن جهود التعافي للحد من الفقر وانتشار المجاعة في اليمن تحتاج إيقاف الحرب وتحييد الاقتصاد عن الصراع الدائر ومن ثم العمل على تطبيق منهج يعتمد على العديد من القطاعات للتعامل مع التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الفقراء ومعدومي الدخل.
وإلى جانب تنفيذ برامج تدعم الحماية الاجتماعية والزراعة والصيد لكسر حلقة الفقر، يقترح الباحث الاقتصادي في حديثه لـ"العربي الجديد"، العمل على إيجاد برامج إنقاذ عاجلة وشاملة تستجيب بصورة تلقائية للصدمات التي تواجه الفقراء ودعم المشروعات الزراعية والحرفية والمهنية وتنمية المهارات من أجل توفير سبل الدخل المستدامة.
التعليقات