يواجه الاقتصاد اليمني ومعه عملة البلاد الريال خطر الانهيار من جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من 5 أعوام ونصف، وسط غياب رسمي للحكومة اليمنية الموجودة في الرياض، وغياب للدور السعودي الذي يقود تحالفاً عسكرياً في اليمن في وقف ذلك التدهور.
وتزايدت مؤخراً مؤشرات تفاقم أزمة الاقتصاد اليمني مُنذِرة باقترابه من حافة الانهيار الكلي، ما قد يخلف تداعيات هائلة ومأساوية على حياة الغالبية العظمى من اليمنيين الذين يعانون أصلاً من ظروف معيشية صعبة منذ عدة سنوات.
ويعتمد الاقتصاد اليمني على القطاع النفطي بشكل كبير، منذ اكتشافه منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كمورد رئيسي لسلّة النفقات العامة؛ إذ تشكّل العائدات النفطية 70% من موارد الموازنة العامة للدولة، و63% من إجمالي صادرات البلاد، كما تشكل عائداته 90% من النقد الأجنبي.
غير أن الحرب التي اندلعت، أواخر مارس 2015، وما تبعها من إغلاق المطارات والموانئ، والإنتاج النفطي من قبل دول تحالف دعم الشرعية، أسهم بشكل كبير في تأثر الاقتصاد اليمني، ما يطرح تساؤلات عن تلك الأسباب وما قد يعانيه اليمن لاحقاً.
ريال متدهور
منذ اندلاع الحرب في اليمن، قبل أكثر من 5 سنوات، لم يشهد الريال اليمني غير الهبوط المتواصل مقابل العملات الأجنبية، والذي قابله ارتفاع بأسعار السلع والمواد الغذائية.
ودفع انهيار الريال أمام العملات الأجنبية البنك المركزي اليمني إلى منع تداول التحويلات المالية الداخلية بالعملة الأجنبية بشكل كامل، بحيث تنحصر فقط على العملة المحلية (الريال).
وتقتصر عمليات السحب والإيداع لحسابات العملاء بالعملة الأجنبية على الفروع التي توجد بها تلك الحسابات.
وأغلقت جمعية الصرافين اليمنيين محال الصرافة في عدن وعدة محافظات؛ بعد وصول الدولار إلى 820 ريالاً مقابل الدولار الواحد في مناطق سيطرة الشرعية اليمنية، ونحو 620 ريالاً في مناطق سيطرة الحوثيين، وهو ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية الرئيسية.
تحذير من الجوع
أواخر سبتمبر الماضي، أعلنت الأمم المتحدة تراجع الريال اليمني بنسبة 25%، منذ مطلع العام الجاري، محذرة من انتشار الجوع في البلاد على خلفية ارتفاع الأسعار في السوق المحلية.
وفي بيان لبرنامج الأغذية العالمي التابع للمنظمة الأممية أوضح أن العملة فقدت 25% من قيمتها خلال 2020 وحده؛ "نظراً لأن احتياطيات البلاد من العملات الأجنبية آخذة في النفاد، فقد لا يتمكن اليمن من استيراد الغذاء، ما يهدد بوقوع الملايين في براثن الجوع".
وأشار البيان إلى تصاعد الصراع عبر أكثر من 40 جبهة في اليمن، وباتت تكلفة الأغذية الأساسية أعلى من أي وقت مضى.
كما حذر مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، من مجاعة محتملة في اليمن في ظل استمرار الحرب وعدم إيفاء الدول المانحة بالتزاماتها، منتقداً في مقدمة تلك الدول السعودية والإمارات، التي وعدت بتقديم مزيد من المساعدات لليمنيين.
أسباب انهيار الاقتصاد
أرجع الصحفي الاقتصادي ناصر الريمي أسباب تدهور الاقتصاد اليمني إلى تداعيات الحرب، وسوء الإدارة المالية، وإدارة النظام المصرفي، مشيراً إلى أن انكماش الناتج المحلي وتوقف صادرات النفط والغاز، إلى جانب استمرار الأزمات الاقتصادية وعلى رأسها أزمة السيولة، زادت من تفاقم المشكلة الاقتصادية.
وأكد أن السبب الرئيس في هذه المشاكل، بالإضافة للحرب، يكمن في سوء إدارة النظام المصرفي، موضحاً أن النظام المصرفي في اليمن يتغذى من إيرادات الصادرات من النفط والغاز وتحويلات المغتربين والقروض والمساعدات الخارجية، وهذه الإيرادات هي أهم موارد النقد الأجنبي، والتي توقفت جميعها باستثناء تحويلات المغتربين.
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أرجع أسباب انهيار العملة إلى "عدم تحييد الاقتصاد، وخصوصاً البنك المركزي، وغياب السلطة النقدية الموحدة (فهناك سلطة في صنعاء وسلطة في عدن)، وطباعة النقود دون غطاء خارجي، وإرباك المصارف بتعليمات سلطتين نقديتين غير منسجمتين".
كما أرجع ذلك إلى "تدهور البيئة الاستثمارية، وخروج الرأسمال الاستثماري إلى خارج البلاد، فضلاً عن تدمير البنى التحتية للبلاد جراء الحرب".
وعما إن كانت الودائع السعودية في البنك المركزي ستسهم في إيقاف تدهور الريال يقول الريمي إن الاقتصاد لن يتعافى بودائع، وإنما بخروج القوات الإماراتية من ميناء بلحاف، وسماح التحالف للحكومة بتصدير النفط إلى الخارج.
التحالف والموارد الاقتصادية
وتعاني الحكومة اليمنية من عجز كبير في مواردها المالية بسبب تأثر إيراداتها النفطية وغير النفطية نتيجة أزمة كورونا، وتعطيل الإمارات للموانئ، بالإضافة إلى الانخفاض الحاد في تحويلات المغتربين إلى اليمن لتأثر أعمال أغلبيتهم في دول الاغتراب.
ولا يملك البنك المركزي اليمني سوى أموال قليلة من النقد الأجنبي، المتمثلة في جزء من الوديعة السعودية التي تقدر بملياري دولار ترفض المملكة تجديدها في ظل ظروف صعبة تمر بها المملكة جراء أزمة كورونا.
وباءت التحركات التي قامت بها الحكومة اليمنية لتجديد الوديعة السعودية، أو رفع يد الإمارات عن ميناء بلحاف الاستراتيجي في شبوة (جنوب شرق) وميناء الضبة النفطي في حضرموت (شرق) لإعادة التصدير وتوفير موارد مالية، باءت حتى الآن بالفشل.
ويعاني اليمن عجزاً كبيراً في العملة الصعبة من الدولار، الأمر الذي يجعله غير قادر على مواجهة المتطلبات المتعلقة بتوفير العملة الصعبة للتجار للاستيراد، خصوصاً أن الأسواق اليمنية تعاني من أزمة سلعية وانخفاض كبير في معروض عدد من السلع الغذائية المدعومة من الوديعة السعودية.
أسباب مختلفة
ويعتقد المحلل الاقتصادي اليمني وفيق صالح أن تدهور الأوضاع الاقتصادية وانهيار قيمة الريال تعود لجملة من الأسباب المتشعبة والمتراكمة؛ تبدأ منذ انقلاب مليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة في سبتمبر 2014، ومن ثم استنزاف احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي بصنعاء والمقدر بنحو خمسة مليارات دولار.
وأضاف في حديثه لـ"الخليج أونلاين" أن من بين تلك الأسباب "ما حدث من تبعات على كافة الجوانب العسكرية والسياسية والاقتصادية في البلاد، وتوقف المنح والمساعدات المالية المقدمة من المجتمع الدولي، والتي كانت تشكل مصدراً هاماً لدعم البنك المركزي من النقد الأجنبي، وكذلك عملية نقل البنك المركزي إلى عدن، دون أن يفي التحالف بوعوده ويقدم الدعم اللازم للبنك للسيطرة على السياسة النقدية في البلاد".
ويرى أيضاً أن غياب الحكومة عن الأرض، "وبقاءها في الخارج للعام الخامس على التوالي، وعدم تفعيل مؤسسات الدولة، واستمرار تعطيل أهم موارد وصادرات البلاد؛ من قطاع النفط والغاز، واكتفاء الحكومة باستمرار نهج التمويل بالعجز عبر طباعة مزيد من العملة الوطنية دون غطاء نقدي، والاقتراض لتغطية عملية نفقات الحكومة والتزاماتها المالية دون أن تفعل إيرادات البلاد من العملات الصعبة، كل هذا شكل ضربة عنيفة لاقتصاد البلاد المنهك أصلاً، وأدى إلى تدهور قيمة العملة اليمنية إلى أدنى مستوى في تاريخها، حيث تجاوز سعر الدولار الواحد أكثر من 820 ريالاً".
ويؤكد أنه خلال السنوات الماضية، وفي ظل الانقسام النقدي الحاصل في البلاد بعد أن أقدمت جماعة الحوثي على حظر التعامل بالفئات النقدية الجديدة من العملة التي طبعتها الحكومة الشرعية في الخارج، "تفاقمت المشكلة المالية في الداخل اليمني، وتعمقت الأزمة النقدية، وعانى البنك المركزي في عدن من اختلال فاضح في الدورة النقدية، وعجز عن السيطرة على السياسة النقدية في البلاد، مع تشتت الموارد وتقاسمها بين أكثر من طرف محلي، في ظل غياب الحكومة الشرعية عن الأرض".
ولعل الخطوة الأولى التي يعتقد أنها ستعمل على وقف تدهور الريال وإنعاش الاقتصاد هي "عودة الحكومة إلى الداخل والسيطرة على كافة موارد البلاد، وتنشيط كافة الصادرات وأهمها النفط والغاز، حيث ما زال مشروع تصدير الغاز المسال معطلاً منذ خمسة أعوام، رغم الحاجة الملحة للبلاد إلى تشغيل هذه الموارد التي يمكن أن تعمل على وقف التدهور الاقتصادي".
وتابع: "تنشيط موارد البلاد لا بد أن يصاحبها إصلاحات اقتصادية وهيكلية واسعة من قبل الحكومة وفي كافة الدوائر والمؤسسات، ووضع برنامج تقشفي وعملي، وضبط النفقات، ووقف عملية الإنفاق على هياكل ومسميات وهمية، إضافة إلى وضع كافة ايرادات النفط وبقية موارد البلاد في البنك المركزي بعدن، وإغلاق حسابات الحكومة في الخارج التي يتم عبرها توريد إيرادات الدولة في الوقت الحالي، وصرف رواتب كافة موظفي الدولة بالريال اليمني، ومن ضمنهم أعضاء الحكومة الذين يتقاضون رواتبهم بالعملة الصعبة".
التعليقات