تصدر التوتر بين سلطات محافظة شبوة، شرق البلاد، ودولة الإمارات، واجهة الأحداث اليمنية، على خلفية "تواجدها العسكري في منشأة بلحاف لتصدير الغاز المسال"، ورفضها إخلاء المنشأة، وسط تحذيرات من تفاقم الأزمة أكثر، وجعلها مفتوحة على كافة الاحتمالات، وفقا لمراقبين.
وقبل أيام، طالب حاكم شبوة، محمد بن عديو، الحكومة بالعمل على إخلاء منشأة بلحاف من القوات الإماراتية، لتعود إلى طبيعتها بوصفها ميناء لتصدير الغاز ومشروعا استراتيجيا وطنيا.
وبين مطالب إخلاء المنشأة الغازية من التواجد العسكري الإماراتي، وبين رفض أبوظبي، تبرز أسئلة عدة حول مآلات هذه الأزمة في ظل تمسك سلطات محافظة شبوة بهذا المطلب واحتشاد القوى السياسية والقبلية خلفها.
"خنق اليمنيين"
وقال مصدر مسؤول في السلطة المحلية إن القيادة في شبوة، على تواصل مستمر مع الحكومة الشرعية لإخلاء المنشأة الأضخم في البلاد ومينائها الاستراتيجي من الوجود العسكري الإماراتي.
وأضاف في حديث خاص لـ"عربي21" أن هناك اصطفافا شعبيا ومجتمعيا وسياسيا، خلف السلطة المحلية في مطالبها بإخراج القوات الإماراتية من هذه المنشأة، ليتسنى إعادة تشغيلها وتصدير الغاز المتوقف منذ العام 2015.
وأشار إلى أن الأصوات ستتعالى وسترتفع سلطة ومجتمعا، ونحن متمسكون بضرورة إخلاء منشأة بلحاف، وستواصل السلطات المحلية جهودها مع الحكومة بإنهاء سيطرة الإمارات عليها.
وتابع المصدر المسؤول: "كنا نظن أن الإمارات جاءت لمحاربة الحوثي وإسناد الشرعية، وبالقدر ذاته اعتقدنا أن تواجدها في منشأة بلحاف ضمن خطة التحالف العربي للقضاء على الانقلاب الحوثي، لكنها خيبت آمالنا".
وكشف أن هذا التواجد العسكري هدفه "تعطيل منشأة بلحاف ومنع إعادة تشغيلها"، مشيرا إلى أن "مثل هذه الاستراتيجية تمارس في كثير من المواقع والموانئ التي قامت بتعطيلها وتحويلها إلى ثكنة عسكرية".
وبحسب المصدر فإن ما تقوم به الإمارات هو "خنق الشعب اليمني والضغط على الشرعية وفي سياق مساعي تقسيم اليمن، وتحويله إلى مربعات تتنازعها مليشيات، لتتمكن من الهيمنة على موانئ وموارد البلاد".
وذكر أنه في الأيام القليلة الماضية، ألقت القوات الحكومية القبض على 23 عنصرا من مليشيات ما كانت تسمى "النخبة" الموالية للإمارات ـ تم حلها عام 2019 من قبل السلطات المحلية بشبوة ـ عقب خروجهم من منشأة بلحاف، موضحا أنه تم إطلاقهم مراعاة للروابط الاجتماعية في المحافظة، وبعد تدخل شخصيات محلية بعدم ممارسة هؤلاء العناصر لأي أعمال مخالفة للقانون.
وأوضح المصدر اليمني المسؤول أن "استمرار سيطرة الإمارات على ميناء بلحاف، يكبد اليمن 3 مليارات و700 مليون دولار سنويا".
وحول الانفجار الذي استهدف باخرة نفط في ميناء النشيمة النفطي، أفاد المصدر بأن انفجارا كان ناتجا عن لغم بحري، استهدف الناقلة التي كانت تقوم بنقل النفط من ميناء النشيمة، لكن دون وقوع أي أضرار كبيرة بها.
ولم يشر إلى الجهة المسؤولة عن الانفجار، إلا أنه جاء في ذروة التوتر مع الإمارات في ميناء بلحاف الواقع على بعد عدة أميال من ميناء النشيمة النفطي.
"نحو التصعيد"
من جانبه، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، أحمد الزرقة، أن الأمور تتجه نحو التصعيد في شبوة، مضيفا أن استعادة "بلحاف" أمر سيادي ومهم سياسيا واقتصاديا للشرعية.
وقال في حديث خاص لـ"عربي21"، إن تصدر السلطة المحلية في شبوة للموضوع دليل على عدم الارتهان لأي قوة خارجية، بل يمثل نواة لخلق قيادة ميدانية جديدة قد تصبح هي الحامل الوطني الجديد لاستعادة الدولة.
وتابع الزرقة: "ولعل النجاح في مأرب وشبوة من شأنه أن يخلق مثل هذا التوجه ويجب دعم مثل هذه القيادات".
وأوضح المحلل السياسي اليمني أنه أخلاقيا، يجب إنهاء سيطرة الإمارات على ميناء بلحاف، الذي حولته لسجن سري لتعذيب اليمنيين وحشد المرتزقة منه وعبره، بالإضافة لسرقة النفط والغاز وتهريبه من قبل عصابات مدعومة من حكام الإمارات.
ومن السيناريوهات التي يطرحها الكاتب اليمني أنه قد تلجأ الإمارات إلى استخدام الطيران في حال وجود تهديد قريب، مثلما حصل في نقطة العلم على مشارف مدينة عدن، جنوبا، أواخر آب/ أغسطس 2019.
وأردف قائلا: "حينها ستراهن أبوظبي على قدرتها على تزييف الحقائق وسكوت الشرعية وتواطؤ السعودية ومجلس الأمن على جرائمها في حق اليمنيين".
ونوه الكاتب الزرقة إلى أن هناك شريكا دوليا لأبوظبي في "بلحاف"، والمتمثل في "شركة توتال الفرنسية" التي يفترض أن الميناء تحت سيطرتها وعهدتها باعتباره مشروعا اقتصاديا مشتركا بين اليمن وفرنسا.
وانتقد باريس قائلا: "فبدل أن يحافظ الفرنسيون عليه، سمحوا بتحويله لسجن ومعسكرات إماراتية مقابل صفقات بيع أسلحة".
"عبء وتطوير المقاومة"
من جهته، قال ياسين التميمي، الكاتب والمحلل السياسي اليمني، إن السلطة المحلية في شبوة تصرفت من منطلق الحاجة إلى إعادة إطلاق عجلة الحياة في المحافظة والمناطق التي تتبع ولو بشكل اسمي السلطة الشرعية المواظبة على الإقامة في الرياض.
وأكد في حديث خاص لـ"عربي21": "الإمارات تتعمد تعطيل المنشآت الحيوية وحرمان السلطة الشرعية من الاستفادة من مواردها السيادية، وأبقت عينها على الحقول النفطية في شبوة ووضعت اليد على منشأة بلحاف الغازية العملاقة".
وأضاف: "وفوق هذا وذاك قامت بتحويل المنشأة ومعسكر العلم إلى نقاط انطلاق عملياتية خطيرة ضد القوات الحكومية في هذه المحافظة ومراكز إمداد للعناصر التخريبية، بالإضافة إلى نقاط متقدمة للتحكم بالموارد النفطية والغازية".
فضلا عن ذلك، وفقا للتميمي، "يستخدم الإماراتيون بلحاف، كمركز رئيس للاعتقالات والتغييب والتعذيب ضد أنصار الشرعية".
وأوضح المحلل السياسي أنه من المهم جدا أن تستمر مظاهر الاحتجاج والرفض للوجود الإماراتي وللدور الخطير الذي تلعبه شركة توتال الفرنسية ومن خلفها فرنسا في إسناد الدور القذر للإمارات في شبوة.
واستطرد التميمي: "ينبغي أن يتحول الوجود الاماراتي العسكري المعادي إلى عبء على أبوظبي"، مشددا على أن "هذا لن يتحقق إلا بتطوير وسائل المقاومة ضد هذا الوجود".
ومنذ سنوات، تسيطر قوات إماراتية على "بلحاف" حيث توجد أكبر منشأة يمنية مخصصة لتصدير الغاز المسال عبر الأنبوب الرئيس الممتد من محافظة مأرب وحتى ساحل بحر العرب، والمتوقف عن التصدير منذ العام 2015.
ويتهم مسؤولون يمنيون، أبوظبي بتحويل المنشأة إلى قاعدة عسكرية، وتعطيل العمل في الميناء ومنع استئناف تصدير الغاز، لإعاقة جهود الحكومة في تعزيز سلطاتها ووضع يدها على مواقع البلاد الحيوية.
عربي 21
التعليقات