أضاف العام الدراسي الجديد عبئاً جديداً على كاهل الأسر اليمنية التي تكافح هذا العام عدة تحديات هيمنت على مسيرة التعليم، في مقدمتها فيروس كورونا المتربص بأطفالهم، فضلاً عن الغلاء المعيشي وارتفاع رسوم التسجيل بالمدارس الأهلية (الخاصة) وضعف المنهج الدراسي في ظل العجز الحكومي الكبير عن طباعة كتب دراسية جديدة مطلع كلّ عام.
وتسبب الصراع الدائر منذ خمس سنوات وانفصال العملية التعليمية في جنوب وشمال اليمن، طوال الأعوام الماضية، في افتتاح غير موحّد للعام الدراسي، إذ تتفاوت المواعيد بين صنعاء والسلطات الحوثية المسيطرة على وزارة التربية فيها، وبين عدن مقر وزارة التربية في الحكومة المعترف بها دولياً.
وللمرة الأولى، أجبر فيروس كورونا السلطات بالمناطق الخاضعة للحكومة الشرعية، البدء بالعام الدراسي على مراحل، إذ بدأ تلاميذ المرحلة الثانوية فقط عامهم الدراسي، فيما سيكون على تلاميذ المرحلة الأساسية من الصف الأول وحتى التاسع، الانتظار حتى الرابع من أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وفي صنعاء، أكد مصدر في وزارة التربية الخاضعة للحوثيين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ من المقرر أن ينطلق العام الدراسي لكافة المراحل منتصف أكتوبر المقبل، ما لم يستجد أيّ طارئ، خصوصاً في ما يتعلق بفيروس كورونا في ظلّ الأنباء عن موجة ثانية قد تبدأ مع انتهاء الصيف.
وأثارت تجزئة العام الدراسي في مناطق الحكومة الشرعية شرخاً واسعاً في نفوس أولياء الأمور والتلاميذ أنفسهم، وسط تزايد المخاوف من احتمال ضياع عام دراسي من جراء فيروس كورونا المتربص بكثير من البلدان.
يقول محمد الشرعبي، وهو معلّم في مدرسة حكومية بتعز، إنّ تأجيل الدراسة للمرحلة الأساسية كان قراراً مرتجلاً، خصوصاً أنّ السلطات الحكومية لن تستغل هذه الفترة في إيجاد أيّ حلول لجائحة كورونا، وكان الأفضل السماح بانطلاق العام الدراسي.
ويتخوف تربويون من هجوم الموجة الثانية لفيروس كورونا في الأشهر المقبلة، خصوصاً نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول عند حلول فصل الشتاء، ويرون أنّه كان من اللازم إتاحة الفرصة للمدارس بالعمل، وإذا جاء التوقف لاحقاً يكون المعلمون قد قطعوا شوطاً في الفصل الدراسي الأول على الأقل، بدلاً من بدء عام متأخر ومحفوف بالمخاطر.
واعتبر وزير التربية بالحكومة الشرعية، عبد الله لملس، أنّ التأجيل "فرصة لوضع الحلول والمعالجات التي تواجه بدء العام الدراسي وأهمها القضايا المتعلقة بحقوق المعلمين، والنزوح المستمر للتلاميذ من مناطق سيطرة الحوثيين واستيعابهم بمدارس المحافظات المحررة".
وعلى الرغم من الجوانب الإيجابية التي ساقها الوزير اليمني، فإنّ مصدراً في وزارته، طلب عدم الكشف عن هويته، يؤكد في تصريحات أنّ السبب الرئيسي للتأجيل يعود لغياب الكتاب المدرسي، إذ عجزت الوزارة عن توفيره لغياب التمويل اللازم لطباعة المناهج، فضلاً عن الإضراب الذي أعلنه المعلمون في المحافظات الجنوبية كاملة للمطالبة بزيادة رواتبهم. ويقول: "مع استمرار الإضراب، هناك عجز كبير في قوام المعلمين، خصوصاً بمحافظات عدن ولحج والضالع، ولن يكون بمقدور الوزارة تعويضهم بمتطوعين، خصوصاً أنّ التهديد بتجدد الإضراب يشمل المدن الجنوبية كافة".
زيادة الرسوم الدراسية
ودخل محافظ عدن الجديد، أحمد لملس، في مفاوضات مع نقابة المعلمين بالمحافظات الجنوبية بهدف رفع الإضراب واستئناف العملية الدراسية بعد تقديمه وعوداً بصرف المستحقات التي يطالبون بها، ووفقاً للدائرة الإعلامية بالنقابة، فقد تم رفع الإضراب الكلي والاكتفاء بإضراب جزئي يوم الخميس من كلّ أسبوع حتى إيفاء السلطات بوعودها، بالإضافة إلى عدم إجراء الامتحانات في نهاية الفصل الدراسي الأول، وعدم تسليم تقارير الأداء الشهرية للتلاميذ إلى إدارة المدرسة كنوع من الضغط على الحكومة.
وخلافاً لتعقيدات كورونا والمنهج الدراسي والإضراب، يقف الارتفاع المهول في رسوم الدراسة، خصوصاً في المدارس الأهلية، كتحدٍّ رئيسي للأسر اليمنية التي باتت تفضل أن ينخرط أطفالها بالتعليم الأهلي بدلاً عن المدارس الحكومية المجانية التي يغيب فيها الانضباط والقوانين الدراسية الصارمة مع استمرار الإضرابات.
وقال أولياء أمور في صنعاء وعدن لـ"العربي الجديد" إنّ إدارات المدارس الأهلية، أقرت زيادة 30 في المائة في رسوم التسجيل عما كان معمولاً به في العام الماضي، نظراً لانهيار العملة المحلية أمام الدولار، ولدى بعض الأسر ثلاثة تلاميذ وأكثر في المراحل الدراسية الأساسية والثانوية، ومع الزيادة الجديدة في الرسوم الدراسية، سيكون كثيرون من أولياء الأمور مجبرين على التفكير في سحب ملفات أولادهم وإعادتهم إلى المدارس الحكومية المجانية بالرغم من الشكوك الكبيرة في جودة العملية التعليمية فيها.
وتصل رسوم المدارس الأهلية في صنعاء إلى نحو 600 دولار أميركي، كما ترتفع من مدرسة إلى أخرى، وفي عدن، قال أولياء أمور إنّ الرسوم في المدارس الأهلية النموذجية تصل إلى 1100 دولار في العام، عن التلميذ الواحد، يجرى تقسيطها على امتداد الفصلين الدراسيين الأول والثاني.
ويرى أحمد زيد، وهو صحافي يمني متخصص بالشأن التربوي والرياضي لدى الناشئة، أنّ الجيل الحالي من التلاميذ اليمنيين محاصر بعشرات من الأزمات المركبة التي أفرزتها ظروف الحرب ومن بعدها كورونا، وهو ما سيؤثر على مستوى تحصيلهم العلمي.
ويقول زيد : "غياب الدور الفاعل للسلطات هو السبب في الأزمات الحاصلة، فلو كانت هناك رقابة للتعليم الحكومي، لما اضطر أولياء الأمور إلى طرق أبواب المدارس الأهلية التي توفر للتلاميذ تعليماً أفضل ومناهج تعليمية جديدة كلّ عام مع مواد اللغة الانكليزية".
أما في ما يخص التأجيل بسبب أزمة كورونا، فيشير زيد إلى أنّه كان الأولى بالسلطات البحث عن حلول سريعة تضمن عدم اكتظاظ عشرات التلاميذ في الفصل الواحد، وتوفير أدوات سلامة وتعقيم للمدارس كافة في الحواضر والأرياف من دون استثناء.
العربي الجديد
التعليقات