[ ضحايا فيروس كورونا ]
تصاعدت أعداد الوفيات بمحافظة إب "وسط البلاد" خلال الأيام الماضية في مؤشر واضح على تفشي فيروس كورونا، في حين تواصل ميليشيا الحوثي إنكار وجوده رغم إصابة ووفاة عدد من قياداتها بالمحافظة.
ولفتت مصادر طبية إلى ازدياد الإصابات والوفيات منذ بداية عيد الفطر المبارك بشكل لافت وكبي في مختلف مديريات المحافظة، مشيرة إلى أن انتقال المواطنين من المدينة إلى الريف خلال شهر رمضان الماضي وأثناء عيد الفطر المبارك ساهم في هذا الانتشار.
وبحسب الأطباء فإن قليلاً من المرضى وصلوا للمستشفيات، وتشكو أغلب الحالات من الحمى والسعال وضيق التنفس، في حين فضل البعض أخذ العلاجات بعد استشارات طبية من أطباء عبر الهاتف أو عبر مواقع التواصل، والكثير من المرضى ملتزمون في البيوت دون علاج لأسباب يتعلق بعضها بفقدان الثقة في أداء تلك المستشفيات.
وكشفت مصادر طبية ومحلية متطابقة عن وفاة أكثر من 45 حالة خلال العشرة الأيام الأخيرة من شهر مايو المنصرم، في عدد من مديريات محافظة إب، فضلا عن وفاة آخرين في منازلهم.
ويلحظ المتابع لحسابات أبناء المحافظة في مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة يجد سيلاً من التعازي بوفاة مواطنين وشخصيات اجتماعية خلال الأيام الماضية تكشف مدى انتشار الفيروس في مختلف مديريات المحافظة.
مغسلة وجامع "البر"
تستقبل مغسلة جامع البر جثامين عدة لمتوفين بشكل يومي بهدفهم تغسيلهم وتكفينهم، وعلى مدار جميع أوقات الصلاة وأحيانا خارج أوقات الصلاة، حيث تجري عملية الغسل والتكفين بشكل مجاني على نفقة فاعل خير.
إمام جامع البر "محمد هاشم" أكد أن مغسلة الجامع إستقبلت خلال ثلاثة أيام أكثر من خمسين متوفي.
وقال "خلال 3 ايام تم تغسيل أكثر من 50 شخص في جامع البر مع العلم أن من يأتي بعد الساعة التاسعة ليلا لم يغسل لأنه جاء خارج دوام المغسلة، وهذا العدد ليس إحصائية لكل من توفى في محافظة إب بل الذين يتم تغسيلهم في جامع البر فقط، وتوجد في محافظة إب عدة مغاسل للموتى.
وأضاف هاشم " لقد تفشى الوباء في محافظة إب وانتشر بشكل كبير"، مطالباً المواطنين الجلوس في المنازل والالتزام بإجراءات الوقاية والتباعد الإجتماعي.
وأفاد سكان بوفاة شاب يدعى "عبدالإله صالح قاسم" في مدينة إب، بعد يوم من وفاة والده، فيما توفي مواطن يدعى "عبدالله عبده علوان" من أبناء عزلة ريمان مديرية بعدان، شرقي المدينة.
أزمة قبور
ونتيجة زيادة أعداد الموتى بمحافظة إب، ظهرت أزمة أخرى؛ إذ شكا أهالي المتوفين من عدم وجود مقابر لدفن جثامين الموتى، فضلاً عن أسعارها الخيالية والتي لم يسبق أن عرفت في تاريخ المحافظة.
وتتفاوت أسعار القبور ما بين ستين ألف إلى ثمانين وإلى مائة ألف ريال وأحيانا تكون أكثر من ذلك.
وبلغ سعر قبر أحد المتوفين جراء "كورونا" مبلغ مائة وخمسين ألف ريال بحسب أحد أقارب المتوفين، ترتفع أسعار القبور بشكل جنوني في ظل غياب أي دور لمكتب الأوقاف بالمحافظة والخاضعة لسيطرة المليشيا الحوثية.
ويقول أحد أقارب المتوفين: " أخذنا جثمان قريبنا وطلب منا حارس المقبرة مبلغ مائة ألف ريال قيمة القبر وإلا ابحثوا لكم عن مقبرة أخرى، والجنائز هذي الأيام مليان غيركم كثير ويدفعوا هذا المبلغ وأكثر".
ويقول شخص آخر: " القبور أصبحت من خمسين ألف إلى مائة ألف وأحياناً أكثر، وهو احتكار واستغلال في وقت صعب وزمن تفشى فيه الأمراض والأوبئة وازدادت عدد الوفيات اليومية وأصبحت المقابر مليئة بالجثامين والمساجد كل يوم تصلي على أموات وفي ظل جائحة كورونا لم تعد هناك تلك الجموع الغفيرة للتشييع ولا صالات للعزاء ولم نعد نجد أي مراسيم للدفن والتشييع والعزاء، لقد غير كورونا كل تلك الطقوس وتلك الحياة التي كنا نعيشها"
يتساءل أحدهم " أين مكتب الأوقاف والسلطة المحلية، أين الخوف من الله والاعتبار والعظة مما يحدث، أما آن لنا أن نتراحم فيما بيننا ونعلم بأن الحياة قصيرة والعمر كلمح البصر، والموت حق، والدنيا فانية"
وأكد مصدر في أوقاف إب أن هناك عدم اهتمام من قبل إدارة المكتب، كاشفاً عن أوقاف خصصت لهذه الأشياء، فضلا عن وجود أبواب وقفية عدة للجوائح والأوبئة غير أن المكتب كما يقول المصدر لم يهتم بالمحافظة على أموال الأوقاف، فكيف سيهتم لمسألة القبور والمساجد وغيرها.
يقول الناشط عمر الكثيري ساخراً " مشكلة لما تموت وما بش معك الا 40 ألف ريال ما تكفي حتى قيمة القبر "
خسائر القطاع التعليمي
خسر القطاع التعليمي العديد من كوادره في حين الكثير من المصابين لا يزالون يتلقون العلاج.
الأستاذ عبدالله عبده سيف الآنسي، نائب مدير مكتب التربية بمديرية مذيخرة، جنوبي غرب محافظة إب، كان واحداً من بين ضحايا الفيروس إذ أصيب به في نهاية رمضان وظل يعاني منه لقرابة عشرة أيام قبل أن يفارق الحياة صباح السبت الماضي، وسط حزن عميق في الأوساط التربوية لخسارتها واحداً من القيادات التربوية الفاعلة.
وفي ذات القطاع التربوي توفت أستاذة الرياضيات بمدرسة علي ابن طالب بمنطقة مفرق جبلة بمديرية المشنة، بعد ايام من وفاة أبيها وجدتها جراء إصابتهم بالفيروس.
وفي مديرية السياني توفي السبت رئيس قسم الإحصاء التربوي بالمديرية الأستاذ عبدالقادر احمد مالك القباطي، جراء إصابته بكورونا.
حارة الوازعية
تعد حارة الوازعية بمدينة إب، أكثر الأحياء التي تفشى فيها الفايروس وسجل وفيات أكثر من غيره؛ إذ كانت فيه وفاة أول طبيب بمدينة إب نتيجة إصابته بالفيروس هو د. يسري مجلي، الذي توفي بعد وفاة والده بأيام قليلة، كما توفي الأستاذ بشير العماري في ذات الحارة، والأحد الماضي توفي "عاقل الحارة"، عبدالله صالح علوه. وأكد سكان وفاة وإصابة العشرات من أبناء تلك الحارة.
حارتي "بغداد" و "المدرية"
من "الحارات" التي نالها نصيب من وباء وجائحة كورونا، حارتي بغداد والمدرية بمدينة إب، حيث سجلت فيها وفيات بشكل لافت، إذ يؤكد أحد أبناء حارة المدرية "المركز الثقافي" وسط مدينة إب، وفاة العديد من أبناء "الحارة" خلال اليومين الماضيين، بينهم محمد ناجي الدعيس، وزوجة وليد ردمان سيف، وزوجة عبده علوان، ومرشد خشافة.
أما في حارة "بغداد" وسط مدينة إب، فقد توفي خلال الأيام الماضية، عدد من المواطنين، بينهم عيسى الصهباني، والمحامي الكبير ورجل القانون عبدالعزيز السماوي، ومحسن أحمد ثابت القبلاني.
الأرياف والهلع
وصلت الجائحة إلى عدة بلدات ومناطق ريفية بمحافظة إب، وسط حالة من الهلع في أوساط المواطنين جراء حالات الموت المفاجئة في مناطقهم.
وسجلت مديريتا مذيخرة جنوبي غرب المحافظة، والسياني جنوبي المحافظة، أرقام مرتفعة في أعداد الوفيات والإصابات بلغت أكثر من 12 حالة وفيات فضلاً عن عشرات الإصابات.
وفي مديرية حبيش توفي أربعة شبان، خلال الأيام القليلة الماضية، وبحسب سكان فالمتوفين هم فهد عبدالله الفقيه في الثلاثينات من عمره ويعمل تاجر حديد بمفرق حبيش، والشاب عصام يحيى الصديق 35 عام توفي في منطقة "ظلمة" بمركز مديرية حبيش، وماجد أحمد عبد الله الحامدي، وحميد محمد الحامدي.
وخلال الأيام الماضية توفي ثلاثة مواطنين بالفيروس في منطقة مفرق حبيش شمال مدينة إب، بينهم مواطن توفي في منطقة "المنقودة" بمفرق حبيش.
ولجأت مليشيا الحوثي لفرض حظر تجوال في منطقتي الدليل ومفرق حبيش شمال مدينة إب، وأغلقت المحلات التجارية بعد تسجيل عدد من الإصابات والوفيات.
مديريتا النادرة والسدة
وصل الوباء إلى مناطق عدة شرق محافظة إب، إذ توفي نتيجة الإصابة به "عبدالكريم عباس أحمد زبارة" من أبناء قرية "أشمح" بعزلة مفتاح بمديرية النادرة شرق محافظة إب، كما توفيت والدته بعد 10 ساعات من وفاته.
وفي مديرية السدة توفي مواطن يدعى "عبدالواحد إسماعيل الديلمي" أحد أبناء قرية حفزان بعزلة الحبالي شرق محافظة إب، وكان يعمل موظفا في مستشفى الشهيد علي عبدالمغني، فيما أصيب عدد من أبناء القرية بينهم طبيب ومذيع في فضائية اليمن الخاضعة لسيطرة الحوثي.
شكاوى
ويشكو مواطنون في إب من عدم استقبال بعض المستشفيات للمرضى أو أصحاب الأمراض المزمنة كالقلب والسكر وغيرها، وآخرون يشكون عدم إستجابة الفرق الطبية التي تتبع مكتب الصحة بالمحافظة.
وبحسب الناشطة "كاملة ياسين" فقد توفيت أمراة جراء عدم استقبالها من قبل المستشفيات ورفضهم إعطاءها العلاج.
وقالت: "مستشفيات إب رفضت استقبال امرأة حامل بتوأم، لديها "تسمم حملي" وماتت رحمة الله عليها تحمل بين أحشائها صغارها الاثنين".
يقول الشاب "علي أمين": أبلغنا مكتب الصحة بوجود حالة اشتباه بكورونا في حارة الوازعية، وبعد طول انتظار، وصلت سيارة الإسعاف وبداخلها السواق وعسكري بجواره وبدون فريق طبي، في مشهد يكشف استهتار الجهات المعنية بأوضاع المواطنين وصحتهم.
ونشر الناشط عمرو الجماعي مقطع فيديو يوثق فيه غياب أي دور لمكتب الصحة، إذ تم العثور على جثمان مواطن في جامع "الغيثي" بسوق الظهار بمدينة إب، وتم إبلاغ مكتب الصحة والذي أرسل سيارة إسعاف لنقل جثمان المتوفي؛ لم يكن فيها أي طاقم طبي.
شائعة "إبر الرحمة"
انتشرت شائعة "إبر الرحمة" بشكل قوي في محافظة إب، والتي تعني أن أي مريض يصل مستشفى "جبلة" جنوب غرب مدينة إب، يتم حقنه بإبرة معينة يفارق على إثرها الحياة.
ويحاول الأطباء توضيح عدم صحة تلك الشائعة ومدى تأثيرها على حياة الناس والتي بسببها كما يقولون توفي العشرات من المواطنين في منازلهم، دون الذهاب إلى المستشفيات لتلقي العلاج.
ويؤكد الأطباء أنه لا العقل ولا المنطق يقبل بتلك الحكاية، مشيرين إلى الجهود الطبية التي تبذل في ظل انعدام الإمكانيات ومعاناة الكادر الطبي جراء عدم إعطائهم مستحقاتهم المالية، إذ أن المرتبات متوقفة منذ سنوات، فيما يحاول الأطباء والممرضين وكل الكوادر الطبية العمل للتحفيف من تبعات الجائحة التي تفشت في إب بشكل كبير.
التعليقات