[ وحدة اليمن أمام مصير غامض بسعي "الانتقالي" للانفصال ]
يسود غموض حول مصير الوحدة اليمنية بين شطريه الشمالي والجنوبي، في ظل خطوات ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم إماراتيا، لإنهاء الوحدة، والانفصال لإنشاء دولة "الجنوب".
وكان نظاما الشطرين في شمال اليمن وجنوبه، أعلنا عام 1990 "الانخراط في دولة واحدة" عبر الدمج السريع للمؤسسات السياسية والاقتصادية دون الخضوع لفترة انتقالية.
وظهر زعيما الشطرين علي عبد الله صالح (شمال)، وعلي سالم البيض (جنوب) وهما يرفعان علم الدولة الجديدة على سارية بمحافظة عدن عاصمة الشطر الجنوبي التي تخلت عن رمزيتها السياسية كعاصمة سياسية لصالح العاصمة الشمالية صنعاء لتتحول إلى عاصمة اقتصادية للبلاد.
وحظيت الخطوة المفاجئة بترحيب عربي، وإقليمي، ودولي إلا أن طرفي الاتفاق، وفق خبراء، "لم يوفرا مناخا سياسيا ملائما لاستكمال التحول القائم في البلاد، وقيادة دولة الوحدة إلى الرخاء والاستقرار، والبناء".
وفي عام 1993 اندلعت أزمة في النظام السياسي الذي كان يتشكل من المؤتمر الشعبي العام بقيادة صالح الذي تولى رئاسة اليمن الموحد، والحزب الاشتراكي اليمني بزعامة البيض الذي شغل منصب نائب الرئيس.
وأدت التجاذبات السياسية الناجمة عن انهيار الثقة، وتصاعد الاتهامات بين الطرفين بالإقصاء والاستحواذ على القرار السياسي، إلى اندلاع توتر عسكري بين الجانبين، في عدد من محافظات البلاد.
هذا التوتر تحول في 1994 إلى حرب شاملة عقب اتخاذ الحزب الاشتراكي قرارا بالتراجع عن الوحدة، وإعلان رغبته بالعودة إلى "التقسيم".
لكن القوات الموالية للرئيس صالح مسنودة بمسلحين قبليين، ودعم من قيادات عسكرية جنوبية نجحت بعد شهرين من القتال بهزيمة الحزب الاشتراكي وفرض سيطرة كاملة على عدن، والمحافظات الجنوبية.
ويقول مختصون، إن الواقع الذي فرضته "حرب الانفصال" وفر مناخا مناسبا لتحقيق العدالة الاجتماعية، وإصلاح الاختلالات في بنية النظام السياسي، لضمان عملية التحول نحو "الدولة الديمقراطية".
غير أن نظام الرئيس صالح واجه اتهامات بـ"الاستحواذ" على السلطة، وإحكام قبضته على جميع السلطات التشريعية والتنفيذية، والقضائية في البلاد.
وفشلت قوى المعارضة اليمنية في فرض عملية التغيير السياسي عبر الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2006، والتي انتهت بـ"اكتساح" صالح لنتائج الانتخابات على حساب مرشح المعارضة القيادي الجنوبي فيصل بن شملان وسط اتهامات محلية لصالح بـ"التزوير" وتشكيك دولي بالنتائج المعلنة.
انطلاق الحراك الجنوبي
وفي عام 2007 دشن متقاعدون عسكريون، يتهمون نظام صالح بتسريحهم عنوة من الجيش شرارة الحراك الشعبي، في ما عرف لاحقا بـ"الحراك الجنوبي السلمي"، مستفيدين من حالة التذمر العام التي خلفها سوء الأوضاع المعيشية، والغلاء، وتدهور الخدمات العامة في البلاد.
وبدأ الحراك نشاطه الجماهيري برفع شعارات مطالبة بإصلاحات اقتصادية، ومدنية، دون المساس بفكرة "الوحدة بين الشطرين".
لكن تجاهل نظام صالح لمطالب الحراك، ولجوئه إلى قمع الاحتجاجات، دفع الحراك الشعبي بعد عام من انطلاقه لرفع شعارات سياسية، وصولا إلى المطالبة الواضحة بـ"إلغاء الوحدة، وفك الارتباط مع الشمال اليمني".
مؤتمر الحوار اليمني يقدم حلولا
ثورة الشباب اليمنية التي اندلعت في شباط/فبراير 2011، وأطاحت بصالح من الحكم أنتجت واقعا سياسيا جديدا في البلاد.
كما دفعت بصعود أول رئيس جنوبي إلى سدة الحكم، منذ إعلان الوحدة عام 1990.
وفي مارس/آذار 2013 حضرت "الأزمة الجنوبية" كقضية رئيسة في مؤتمر الحوار اليمني الشامل الذي رعته الأمم المتحدة، وشاركت فيه معظم الأطراف السياسية في البلاد، إضافة إلى جزء من قوى الحراك الجنوبي.
وتضمنت وثيقة الحوار حلولا للقضية الجنوبية، تحت سقف "دولة اتحادية" مكونة من ستة أقاليم لضمان إنهاء "المركزية" السائدة في البلاد منذ عام 1990.
كما نصت الوثيقة، على إنهاء كافة المظالم الواقعة على المحافظات الجنوبية منذ اندلاع الحرب في 1994، وإعادة كافة الممتلكات المنهوبة، وجبر الضرر، وضمان تنفيذ ذلك بشكل كامل وفق مبادئ العدالة الانتقالية، دون تمييز.
لكن الآمال بتنفيذ هذه الإجراءات تلاشت باقتحام المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران للعاصمة اليمنية صنعاء في 2014 واستيلائهم على السلطة، ودخولهم إثر ذلك في حرب شاملة مع القوات الحكومية المدعومة من قبل تحالف عربي بقيادة السعودية.
الإمارات على خط الأزمة
ودفع التوتر في العلاقة بين الحكومة اليمنية والإمارات عقب استعادة عدن من يد الحوثيين، إلى لجوء أبو ظبي لـ"الورقة الجنوبية"، وإحياء فكرة "التقسيم" في الأوساط السياسية بالجنوب.
وشرعت الإمارات التي تتحكم بزمام الأمور في عدن، في بناء تشكيلات عسكرية وأمنية، معظم عناصرها من ذوي "النزعة الانفصالية"، وزودتها بأحدث الأسلحة والعتاد المتطور.
كما منحت هذه القوات صلاحيات "الإدارة المطلقة" للمحافظات الجنوبية التي تشرف عليها في إطار تقاسم النفوذ العسكري مع السعودية قائدة التحالف.
ومطلع مايو 2017 أعلن في العاصمة المؤقتة عدن ولادة ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" برئاسة عيدروس الزبيدي بدعم من الإمارات، صاحبة النفوذ العسكري في المدينة.
لم يكن ثمة صعوبة لأي متابع في إدراك خطورة هذه الخطوة على وحدة البلاد، والتماسك الداخلي للشرعية اليمنية بقيادة الرئيس عبد ربه منصور هادي التي تخوض معركة مفتوحة مع الحوثيين شمال، وغرب، ووسط البلاد.
ولم يحرج الكيان الوليد في إعلان أهدافه الواضحة التي في مقدمتها "تحقيق الانفصال واستعادة الدولة الجنوبية".
وشرع الانتقالي في اتخاذ سلسلة من الخطوات التصعيدية، وصولا لإعلان ما سماه "الإدارة الذاتية" للجنوب اليمني في 26 نيسان/أبريل الماضي.
وأحدثت الخطوات الأحادية المتخذة من المجلس الانتقالي، إضافة إلى الدور الإماراتي الواضح في دعمها، انقساما حادا داخل مكونات "الحراك الجنوبي" الذي ترفض تيارات فاعلة فيه الحضور الإماراتي على الساحة الجنوبية وتصفه بـ"الاحتلال".
وشهدت محافظة عدن خلال مايو الجاري تظاهرات غاضبة دعت لها مكونات سياسية وفصائل في الحراك الجنوبي، احتجاجا على تردي الخدمات العامة في المدينة.
وندد المحتجون بالمجلس الانتقالي، وأحرقوا صور رئيسه الزبيدي، إضافة إلى صور معين عبد الملك.
ويعتقد مراقبون، أن هذه الاحتجاجات عكست حجم الإحباط والتذمر إزاء المجلس الانتقالي الذي فقد "ورقة الشارع"، وبات يضع رهانه كليا على الدعم الإماراتي لفرض "الانفصال" بالقوة العسكرية.
جنوب خارج سيطرة الانتقالي والإمارات
أفرز القتال الذي اندلع في آب/أغسطس الماضي بين القوات الحكومية والمجلس الانتقالي معادلة جديدة في الساحة الجنوبية، مثل بارقة أمل للحكومة اليمنية التي تسعى لطي دعوات الانفصال، وتثبيت مشروع "الدولة الاتحادية" المنصوص عليها في مؤتمر الحوار الوطني الشامل عام 2013.
ورغم خسارة الحكومة لعدن التي تتخذها عاصمة مؤقتة منذ 2015، إلا أنها في المقابل انتزعت محافظة شبوة الغنية بالنفط من أيدي الانتقالي الجنوبي.
كما تتمتع الحكومة بنفوذ سياسي وعسكري في محافظات سقطرى، وأبين، ولحج، وحضرموت جنوبي البلاد عبر عسكريين ومسؤولين جنوبيين يرفضون خطط التقسيم ويتمسكون بوحدة البلاد.
ومنح ذلك الحكومة، وفق خبراء، "نقاط قوة" في مواجهة المجلس الانتقالي الذي يتحكم بزمام الأمور في عدن، والضالع، إضافة إلى أجزاء من محافظة أبين.
لكن ضعف الأداء السياسي والدبلوماسي للحكومة، والصراع بين أقطابها، إضافة إلى ارتهانها لـ"حلفاء غير موثوقين"، وفق الخبراء، يهدد "بتلاشي" هذا النفوذ، ويضع "الوحدة" تحت رحمة الظروف والمتغيرات في بلد يصعب فيه التنبؤ بمآلات النزاع الدائر فيه منذ نحو 6 أعوام.
التعليقات