جاء تحذير حركة (الحوثيون)، الثلاثاء، من أي تصعيد أمريكي، وبتلك اللهجة، ليؤكد أن ثمة معلومات لديهم باستعدادات وترتيبات لشن حرب برية ضدهم من خلال قوى محلية ممثلة في القوات المنضوية شكليًا تحت قيادة وزارة الدفاع في الحكومة المعترف بها، وتلك المحسوبة عليها، أو أن الأمر ما زال في طور الاستعداد لفرضيات يجب استغلالها جيدًا.
وهو لو حدث (الهجوم البري) سيشكل مفترق طرق في الأزمة اليمنية، لأنه سيذهب بالبلد إلى مرحلة جديدة يزداد فيها تعقيد المشهد، وتتسع دائرة المأساة الإنسانية، وتتمدد جغرافية وزمن الحرب لعقود، وفق بعض المراقبين، انطلاقًا مما صار إليه الواقع اليمني حاليًا، علاوة على أن هذا التصعيد يأتي في غمرة العدوان الإسرائيلي على غزة، في الوقت الذي يتخذ الحوثيون موقعًا مناوئًا (عمليًا) لهذا العدوان، وبالتالي فإن هذه الحرب، لو افترضنا وقوعها، ومن ورائها واشنطن فقد تعزز من قدرات الجماعة أكثر مما تلحق بهم الضرر.
التحذير الحوثي لم يقتصر على ما صدر، أمس الأول الثلاثاء، عن رئيس المجلس السياسي الأعلى الحاكم في مناطق سيطرة الحركة، بل صدر عن قيادات أخرى تابعة للجماعة.
ونقلت قناة المسيرة الناطقة باسم الحوثيين عن قائد كتائب الوهبي التابعة لهم، اللواء بكيل الوهبي، قوله “إن التحركات الأمريكية المشبوهة في المنطقة محط أنظار القوات المسلحة اليمنية، وتحت المراقبة”.
وأضاف: “إن العدو الأمريكي يعمل بسرية شديدة لتنفيذ تصعيد عسكري قادم في اليمن عبر مرتزقته وأدواته وقواته بشكل مباشر”.
وأشار إلى أن واشنطن تسعى لنقل المعركة في البر، “وإفشال أي مساع أممية لإنجاح مفاوضات السلام في اليمن كورقة ضغط لوقف مساندتنا للأشقاء في غزة”.
واعتبر الوهبي “تصريحات القوات البحرية الأمريكية بشأن انسحاب حاملة الطائرات “يو إس إس دوايت دي أيزنهاور” والمدمرة “يو إس إس غريفلي” من البحر الأحمر إلى شرق البحر الأبيض المتوسط، ليست سوى مراوغة عسكرية مكشوفة”.
ما زال السؤال مطروحًا: ما احتمالات لجوء واشنطن لمعركة برية ضد الحوثيين من خلال القوات المحسوبة (شكلًا وفعلًا) على الحكومة المعترف بها؟
يقول مصدر يمني مطلع، طلب حجب هويته، إن ثمة احتمالًا بلجوء واشنطن إلى شن حرب برية ضد الحوثيين من خلال دعم قوات محسوبة على القوى المنضوية تحت لواء الحكومة المعترف بها، لكنه احتمال ضعيف لا تؤيده القراءة الدقيقة للواقع.
وأضاف لـ”القدس العربي”: “ربما صار الواقع اليمني أكثر تعقيدًا مما تتصور واشنطن أو أي قوى أخرى، فالسنوات العشر الماضية من الحرب العبثية هناك قد غيّرت كثيرًا من تفاصيل الواقع اليمني، وصارت هناك مشاريع عديدة، وكل مشروع له ممول وداعم وأهداف وأجندات”.
مضيفًا أن السؤال بات “هل واشنطن قادرة على ضمان عدم انحراف هذه القوى وهذه المعركة عن الهدف الحقيقي في النهاية في حال افترضنا نجاحها؟”، معقبًا أن ذلك “صعب جدًا في ظل ما صار إليه الحوثيون، بالإضافة إلى تفوقهم في الاستفادة من الجغرافيا التي تحت سيطرتهم”. كما تساءل المصدر إن كان الشمال اليمني “بعلاقته العدائية جدًا بالأجنبي (…) سيتيح لتلك القوات أن تتقدم بكل هدوء والشعب يعرف أن من ورائها واشنطن حماية لإسرائيل؟”، وتابع: “لا ننسى ما سبق وتحدثت به قيادات عسكرية جنوبية عن مشكلة عدم وجود حاضنة مجتمعية لهم في الشمال في حال تحركوا بذلك الاتجاه”.
وتابع أن هجومًا أمريكيًا بريًا سيزيد الوضع تعقيدًا في “المشهد اليمني من خلال حرب ستطول، لأن الحوثيين أصبحوا مختلفين ومتفوقين في قوتهم العسكرية عما كانوا في مستهل الحرب عام 2015، علاوة ما يمكن أن يسفر عن هذا التصعيد العسكري من نتائج على صعيد مفاوضات السلام، لأن الحديث، حينها، عن خارطة الطريق الأممية سيكون في حكم الملغي،” مشيرًا إلى أن “التصعيد العسكري سيكون له ما بعده من مستجدات (…) ستتجاوز اليمن إلى المنطقة من خلال افتراض استهداف الحوثيين للقواعد الأمريكية والعمق السعودي أيضًا، لأن التصعيد الأمريكي في هذا الاتجاه لا يمكن أن يتم بدون موافقة الرياض”. واعتبر المصدر أنه “لن توافق الرياض على هذا التصعيد في ظل ما صارت إليه علاقتها بإيران، وحرصها على توفير محيط آمن في منطقتها”.
وأضاف أنه لا يمكن لعملية كهذه أن تنفذ دون مشاركة سعودية، إذ ستستدعي الحرب مشاركتها “على الأقل من خلال إتاحة أجوائها للطيران الأمريكي، وهنا سيكون الوضع مختلفًا، وستكون النتائج كارثية حتمًا”.
واستدرك: “ربما يكون هدف واشنطن من العملية تحقيق مكاسب جزئية يتم من خلالها الضغط على الحوثيين لتقديم تنازلات في مفاوضات التسوية، وهذا احتمال ضعيف، لأن من يبدأ الحرب لا يعرف بالتأكيد كيف سيوقفها، لا سيما وأن القوى المنضوية تحت لواء الحكومة المعترف بها تدين في مشاريعها للممول، وهنا سنتحدث عن بيئة اجتماعية أكثر اختلافًا علاوة على البيئة الجغرافية التي تتيح للحوثيين الحرب لسنوات طويلة. وبقاء الحرب لسنوات طويلة سيدفع ثمنه المدنيون الأبرياء والشعب المغلوب على أمره”.
واستبعد أن تغامر واشنطن بالذهاب في هذا الاتجاه، وهي تعرف جيدًا أنه سيزيد من توسيع دائرة الصراع في المنطقة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهنا لا يمكن فصل الموقف الشعبي بين فلسطين وأهداف المعركة البرية المفترضة، التي يقول الحوثيون إن الهدف منها ثنيهم عن مناصرة غزة.
وقال الباحث أنور قاسم الخضري، رئيس وحدة الدراسات في مركز المخا للدراسات الاستراتيجية لـ”القدس العربي”: “إن الهجمات التي تقوم بها جماعة الحوثي تخرج إلى حد ما عن قواعد الاشتباك، التي حرصت عليها واشنطن في اليمن منذ سنوات، وبالتالي كان لا بد من تطويع الجماعة مجددًا لهذه القواعد والسقف المسموح به، وألا تخرج عن الدور المرسوم لها”.
وأضاف: “في هذا الإطار قصفت الولايات المتحدة وبريطانيا أهدافًا عسكرية للحوثيين لإضعاف قدراتهم الهجومية على السفن، حيث تم قصف مستودعات صواريخ وطائرات مسيرة ومنصات إطلاق. غير أن الجماعة لا تزال مستمرة في هجماتها التي تحقق لها ولحلفائها في المنطقة أجندات عدة. لهذا من المحتمل أن تحرك الولايات المتحدة بعض القوات المنضوية في الشرعية للقيام بعمليات عسكرية محدودة لما يمكن اعتباره “قرصة أذن”، وبالتالي لا ينبغي الذهاب بعيدًا في هذا الاحتمال وأنه سيسهم في استعادة صنعاء وتحريرها. كل ما في الأمر عمليات تأديبية خاطفة لإيقاف الهجمات وتفرغ الولايات المتحدة للملف الفلسطيني الذي بات الملف الأول في صدارة المشهد العالمي برمته”.
التعليقات