غداة تصعيد حوثي من خلال التهديد باستهداف كل السفن المتجهة صوب إسرائيل، بعدما كان التهديد مقتصرًا على السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي أو تملكها أو تديرها شركات مرتبطة بإسرائيل، أعلنت فرنسا، أمس الأحد، أن إحدى سفنها الحربية في البحر الأحمر اُستهدفت بطائرات مسيّرة قالت إنها قادمة من اليمن، وتم اعتراض كلاهما وإسقاطهما.
البيان القصير الصادر عن هيئة الأركان للقوات الفرنسية لم يذكر مَن أطلق الطائرات بدون طيار على الفرقاطة البحرية الفرنسية (لانغدول) مساء السبت. وحسب البيان، فإن الطائرات بدون طيار جاءت مباشرة نحو السفينة واحدة تلو الأخرى، بفارق ساعتين من اتجاه اليمن. وأضاف أن السفينة الحربية دمرتهما على بعد حوالي 110 كيلومترات قبالة ميناء الحديدة على البحر الأحمر على الساحل اليمني.
تتمركز (لانغدوك)، في المنطقة البحرية في المحيط الهندي منذ أغسطس/ آب، وتلعب دوراً حاسماً في مرافقة حاملة الطائرات التابعة للبحرية الأمريكية «يو إس إس دوايت دي أيزنهاور» عبر مضيق هرمز الحيوي استراتيجيًا إلى الخليج العربي.
وكان الناطق باسم القوات العسكرية التابعة للحوثيين، يحيى سريع، أصدر، السبت، تحذيراً، هدد فيه بمهاجمة أي سفينة (من أي جنسية) تتجه صوب إسرائيل، وحث كافة السفن والشركات على تجنب التعامل مع الموانئ الإسرائيلية حفاظًا على سلامة الملاحة البحرية.
ويمثل القرار الحوثي الأخير بمثابة إعلان فرض حصار تجاري بحري مباشر على تل أبيب من خلال البحر الأحمر، في وقت صارت بعض السفن المتجهة صوب إسرائيل تسلك طريقًا عبر البحر الأبيض المتوسط تجنبًا لهجمات الحوثيين، لكن هذا الطريق رفع رسوم الشحن، وفق أحد مواقع تتبع حركة السفن، ما نسبته 9 % وأكثر.
وشهدت الأسابيع الأخيرة تصاعدًا في هجمات جماعة الحوثيين على السفن المدنية والعسكرية في البحر الأحمر وخليج عدن التي تقول إنها مرتبطة بإسرائيل، كما أن الجماعة ما تزال تطلق صواريخ باليستية باتجاه إسرائيل، فيما أفادت البحرية الأمريكية بنجاحها في اعتراض طائرات بدون طيار من اليمن.
بلا شك أن القرار الحوثي الأخير يمثل تصعيدًا قويًا، ولهذا خرجت على إثره إسرائيل لتتحدث بلهجة تهديد مرتفعة لأول مرة من بدء الهجمات الحوثية ضدها. وقال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، السبت، إن «إسرائيل مستعدة للتحرك ضد جهود الحوثيين في اليمن لتعطيل الملاحة في البحر الأحمر إذا فشل المجتمع الدولي في القيام بذلك».
وأضاف للقناة 12 الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحدث مع الرئيس الأمريكي جو بايدن وكذلك القادة الأوروبيين بشأن استهداف الحوثيين للسفن التجارية التي لها صلات إسرائيلية مزعومة.
وأضاف: «إن إسرائيل تمنح العالم بعض الوقت للتنظيم من أجل منع ذلك، ولكن إذا لم يكن هناك ترتيب عالمي، لأنها قضية عالمية، فسنتحرك من أجل إزالة هذا الحصار البحري».
يأتي هذا في الوقت الذي تجري واشنطن محادثات لتشكيل قوة مشتركة لمرافقة السفن التجارية في البحر الأحمر. إزاء ذلك، هدد عضو المجلس السياسي الأعلى الحاكم في مناطق سيطرة الحوثيين، محمد علي الحوثي، بشكل غير مباشر بمهاجمة تلك السفن الحربية الأمريكية والتابعة للتحالف الدولي في المنطقة، في حال مرافقتها للسفن المتجهة إلى إسرائيل.
وقال الحوثي في تدوينة على منصة «إكس»: «القوات المسلحة (التابعة للجماعة) ستعتبر أي مرافقة عسكرية للسفن الإسرائيلية ستعرض أمن الجمهورية اليمنية للخطر. ومن هذا المبدأ سيكون من حق القوات المسلحة مواجهة هذا الخطر».
في ذات السياق، هل بمقدور قوات الحوثيين تنفيذ تهديدهم باستهداف كل السفن المتوجهة إلى إسرائيل؟ وهل بمقدور واشنطن منع الحوثيين من استهداف السفن؟
قال الباحث المصري، سامح عسكر، في تدوينة على منصة إكس: «سيكون (الحوثي) بحاجة لترسانة سلاح متطور وثقيل في ظل ردة الفعل الدولية المتوقعة التي ستقودها الولايات المتحدة على الأرجح بتحالف دولي بباب المندب،
ونفس السؤال سيوجه للأمريكيين، هل بمقدورهم منع الحوثي من استهداف السفن؟ الأيام القادمة صعبة».
تعليقًا على الموقف الأمريكي الراهن، قال الصحافي اليمني، عبد السلام محمد، رئيس مركز إبعاد للدراسات في تدوينة على منصة إكس متسائلاً: «هل واشنطن تجهز قوات لمرافقة السفن أثناء مرورها في البحر الأحمر، أم تنشئ تحالفًا دوليًا، أم توجه ضربة للحوثيين؟ لأول مرة تبدو الولايات المتحدة تتألم بدون صوت. لا تريد التورط في حرب اليمن، ولا تريد توسعة الصراع في المنطقة، ولا تريد تخسر علاقتها مع إيران والحوثيين، لكنها أيضًا لا تريد المزيد من الإهانات لحليفتها إسرائيل، ولو على سبيل المزاح!».
وفق تقرير نشرته منصة «شيبا انتلجنس»، وهي منصة استخباراتية مفتوحة المصدر، «تبنت الولايات المتحدة وستتبنى طرقًا معينة للحفاظ على أمن ممرات الشحن البحري واحتواء تهديدات الحوثيين. حتى الآن، اتخذت واشنطن إجراءين ردًا على التصعيد المستمر في البحر الأحمر. وهناك خطوتان أخريان قيد النظر».
وأضاف: «عززت الولايات المتحدة تواجدها العسكري في البحر الأحمر، خاصة بعد 19 نوفمبر/ تشرين الثاني، عندما استخدمت جماعة الحوثي مروحية نزل منها مسلحون على السفينة (غالالكسي ليدر) ووجهوها إلى ميناء خاضع لسيطرتهم في الحديدة».
واستطرد: «أجرت مدمرة الصواريخ الموجهة من فئة يو إس إس ميسون، والمدمرة من فئة موراسيم، التابعة لقوات الدفاع الذاتي البحرية اليابانية مناورة ثنائية في خليج عدن في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني. تم نشرها في منطقة عمليات الأسطول الخامس الأمريكي لدعم الأمن البحري والاستقرار في الشرق الأوسط. وتشمل منطقة عمليات الأسطول الخامس الأمريكي الخليج العربي وخليج عمان والبحر الأحمر وأجزاء من المحيط الهندي وثلاث نقاط اختناق حرجة في مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب».
وقال التقرير: «وفقًا «يو إس إن أي نيوز فليت أند مارين تراكر» عبرت حاملة الطائرات يو إس إس دوايت إيزنهاور مضيق هرمز في 26 نوفمبر/ تشرين الثاني، حسبما أعلنت القيادة المركزية الأمريكية. كانت تلك هي المرة الأولى التي تبحر فيها حاملة طائرات أمريكية في الخليج العربي منذ أن عملت يو إس إس نيميتز هناك في أواخر عام 2020. علاوة على ذلك، تم إرسال المدمرة يو إس إس كارني إلى الشرق الأوسط في أكتوبر/ تشرين الأول.
وفي 19 الشهر ذاته، أسقطت المدمرة ثلاثة صواريخ كروز وعدة طائرات مسيرة أطلقها الحوثيون في اليمن».
بالإضافة إلى تكثيف واشنطن وجودها في البحر الأحمر في مواجهة تهديدات الحوثيين فقد بدأت في فرض عقوبات على من اعتبرتهم الداعمين الماليين لجماعة الحوثيين. وأعلنت واشنطن في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني، فرض عقوبات على 13 شخصًا وشركة يُزعم أنهم يقدمون دعمًا ماليًا إلى الحوثيين في اليمن. وتعيق العقوبات الوصول إلى الممتلكات والحسابات المصرفية الأمريكية وتمنع الأشخاص والشركات المستهدفة من التعامل مع الأمريكيين.
في موازاة اتخاذ الولايات المتحدة خطوات عملية لمواجهة التهديدات التي تواجه الملاحة الدولية في البحر الأحمر، فإنها تدرس إمكانية إنشاء قوة مشتركة عالمية أو قد تقوم بشن ضربات على أهداف للحوثيين في اليمن، حسب تقرير منصة (شيبا انتلجنس).
وقال البيت الأبيض في 5 ديسمبر/ كانون الأول إن الولايات المتحدة قد تشكل قوة عمل بحرية لمرافقة السفن التجارية في البحر الأحمر لحماية السفن التجارية الدولية. وقال مستشار الأمن القومي، جيك سوليفان، إن الولايات المتحدة تُجري محادثات نشطة مع الحلفاء حول إنشاء المرافقين، واصفًا مثل هذه الخطوة بأنها رد فعل «طبيعي» على الهجمات المستمرة على السفن.
وقالت «شيبا انتلجنس»: «قد تنفذ القوات الأمريكية هجمات على الحوثيين في اليمن في أي وقت، ولا يجوز للأمريكيين انتظار تشكيل تحالف دولي. ووفقًا لمسؤولين أمريكيين تحدثا إلى صحيفة نيويورك تايمز، أعدت القوات الأمريكية أهدافًا أولية للحوثيين في اليمن في حالة أمرت إدارة بايدن بضربات انتقامية. لكن المسؤولين أشاروا إلى أن واشنطن لا تريد تحويل الصراع بين غزة وإسرائيل إلى حرب إقليمية».
تل أبيب هددت، السبت، بتنفيذها هجوماً على الحوثيين في حال لم تتحرك إدارة بايدن في هذا الاتجاه. لكن كيف ستستطيع إسرائيل شن هجوم ضد الحوثيين؟ من الصعب تحريك مقاتلاتها من داخل إسرائيل لتقطع أكثر من 2000 كيلومتر حتى تصل إلى اليمن، بينما يتاح لها ذلك من خلال القاعدة الإسرائيلية الضخمة في أريتريا، وهي قاعدة دهلك، لكن حتى هذا الاحتمال فهو مرتبط بمحاذير أمريكية وخشيتها من توسع دائرة الحرب، لأن استهداف الحوثيين، وبخاصة من قبل الإسرائيليين أو الأمريكيين سيوسع دائرة الصراع في المنطقة، نظرًا لحساسية الوضع حاليًا مع العدوان الهمجي المستمر على قطاع غزة، كما أن الحوثيين لن يتورعوا عن استهداف السفن الحربية لأمريكا وبريطانيا وفرنسا وكذلك قواعد واشنطن وإسرائيل في المنطقة. وبالتالي فواشنطن تدرك جيدًا ماذا تعني الحرب الإسرائيلية على غزة حاليًا، وماذا يعني اندلاع حرب إسرائيلية أمريكية أخرى في المنطقة؟ إذ إن ذلك سيؤلب الشعوب العربية بموازاة أن التوقعات بشأن رد الحوثيين ما زالت غير معروفة بالدقة، مما يعني أن الباب سيكون مشرعًا على المفاجآت.
وسبق وهدد الحوثيون بسلاح ردع جديد «مخصص للدفاع عن اليمن» وفق تدوينة لنائب وزير الخارجية في حكومتهم غير المعترف بها، حسين العزي، أضاف: «نتمنى ألا نضطر لاستعماله».
يقول الصحافي اليمني، خالد سلمان، في تدوينة على منصة إكس: «الولايات المتحدة تضغط لإشراك السعودية في تشكيل القوة الدولية في البحر الأحمر (حديث وزير الدفاع الأمريكي مع نظيره السعودي)، وإيران تضغط في حديث عبداللهيان السبت، بأن التقارب الدبلوماسي مع الرياض لا يعني التخلي عن تحفظاتنا تجاه سياستها في اليمن، ما يعني أن استنزافها ثانية، رهن بمواقف الرياض الدولية ذات الصلة بحسابات ومصالح طهران، وروسيا تضغط على السعودية في موضوع القوة الدولية متعددة الجنسيات المزمع تشكيلها، والحوثي يرفع سقف تهديداته، يفاوضها ويعيد تحديث بنك أهدافه الخاص بالداخل السعودي، ومصالح السعودية في إنهاء تواجدها في قلب صراع اليمن، يضغط هو الآخر للانسحاب الآمن، كاستحقاق سياسي اقتصادي مُلِح، ووسط كل هذه الضغوط لا وصفة جاهزة لهروب صانع القرار السعودي، من كل مطارق الضغط، أو لنقل الخروج بأقل الخسائر الممكنة. السعودية عالقة في المنتصف».
مما سبق، فالاحتمالات واردة، لكن محاذيرها كثيرة ومخاطرها أكبر.
التعليقات