تصاعدت خلال الأيام الماضية حدة الاتهامات والهجوم من قبل قيادات جماعة الحوثيين على حزب "المؤتمر الشعبي"، الجناح الحليف لهم في صنعاء، في الوقت الذي تتزايد فيه المطالبات لسلطات الجماعة في صنعاء بتحمّل مسؤوليتها تجاه رواتب الموظفين المنقطعة للعام السابع على التوالي في مناطق سيطرتها.
ويشن الحوثيون هجوماً واسعاً، عبر وسائل إعلامهم، على المطالبين بدفع الرواتب، باعتبارهم ليسوا مسؤولين عنها. ويقولون إن من يتحمّل المسؤولية هو التحالف، الذي تقوده السعودية، ويتهمونه بنهب ثروات اليمن النفطية، في الوقت الذي تعيش فيه البلاد نحو عام ونصف العام من التهدئة، وتوقف جبهات القتال منذ إبريل/ نيسان 2022.
وأعلن حزب المؤتمر في صنعاء (الجناح الحليف للحوثيين) دعمه لمطالبات دفع الرواتب. وخلال احتفال الحزب بالذكرى 41 لتأسيسه، الخميس 24 أغسطس/ آب الماضي، شن رئيس الحزب في صنعاء صادق أمين أبو راس هجوماً لاذعاً على سلطات الحوثيين، واتهمها بعدم الشفافية والتطرف، وتهميش قيادات الحزب المشاركين في الحكومة غير المعترف بها.
وقال أبو راس إن "للمواطنين الحق في أن يتكلموا عن مرتباتهم لأنها حق، ويجب أن نفكر بأن نضع للموظف سنداً (شيك) بيده للمرتبات خلال السنوات الماضية، ومتى ما توفرت الموارد يستلمها".
واتهم الحوثيين بعدم الشفافية، قائلاً إنه "يجب أن نعرض ميزانيتنا ومواردنا أمام الشعب". وتابع: "لا تبنى الأوطان بالاجتماعات الليلية ولا باللقاءات داخل البدروم (بيت تحت أرضي) وإنما بالشفافية".
ودفع زعيم "المؤتمر" في صنعاء التهم عن قيادات حزبه بالعمالة والخيانة، والتي يطلقها الحوثيون ضدهم. وقال: "الآن لم يتبق شيء، العدو عرفناه والعميل عرفناه، لكن أنت داخل صنعاء تؤيد قيادتك وتحارب بكل المناطق وعادك خائن". في الوقت نفسه، كشف عن زيارته لزعيم الحوثيين في صعدة، عبد الملك الحوثي، خلال الأسابيع الماضية، ووصفه بأنه "قائد النصر الذي تحقق".
ويعد هذا أبرز تصريح علني فيه نقد لاذع للحوثيين منذ تعيين أبو راس بمباركة الحوثيين رئيساً للحزب في صنعاء، عقب مقتل زعيم الحزب الرئيس الأسبق علي عبد الله صالح، في معارك مع الحوثيين في ديسمبر/ كانون الأول 2017، والتي اندلعت بعد اشتداد الخلافات بينهما، بعد ثلاث سنوات من تحالفهما، والذي أسفر عن سقوط الدولة وسيطرة الحوثيين على صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.
رد الحوثيين: حمقى وخونة
خلال الفترة الماضية كان الحوثيون يطلقون تهديدات بالتصعيد العسكري مع كل ضغوط يواجهونها، إلا أن هذه المرة كانوا أكثر حدة في مواجهة هجوم زعيم حزب "المؤتمر" في صنعاء. وتحدث رئيس المجلس السياسي للحوثيين (مجلس الحكم) مهدي المشاط عن مؤامرات ضدهم، وعملاء وخونة يعملون مع خصومهم. وقال: "نتحمل الطعن في الظهر، وكل الدعايات التي تتلقاها آذان الحمقى والعملاء حفاظاً على الجبهة الداخلية"، على حد تعبيره.
وكشف المشاط، في كلمة خلال زيارته صعدة الخميس الماضي، عن تسرّب موازنة عام 2019 إلى لجنة العقوبات في مجلس الأمن خلال أسبوع من تسليمها لمجلس النواب (تابع للحوثيين بصنعاء غير مكتمل النصاب)، في معرض رده على زعيم حزب المؤتمر بضرورة الشفافية. وقال: "وجهت ألا تقدم الموازنة أبداً حتى نعرف من هو هذا العميل الذي يسرّب المعلومات".
وأضاف المشاط: "العدو يتجه هذه الأيام إلى زعزعة الجبهة الداخلية، ولدينا من المعلومات المؤكدة بأنه يستهدف القلاع الحصينة للمسيرة القرآنية ومنها صعدة"، في إشارة إلى جماعة الحوثي التي اتخذت من صعدة مركزاً لانطلاقها، وخوض أول معركة ضد الجيش اليمني في العام 2004.
وأضاف، في حديثه عن أزمة الرواتب: "إذا تحدثنا عن الراتب فالمسؤولية علينا، لكن إمكانيته ليست عندنا، إمكانياته لدى العدو" في إشارة إلى التحالف. وهاجم المطالبين به، قائلاً "أقول للحمقى أنتم بحسن نيّة أو بسوء نيّة تبرئون العدو من التزامه بالراتب، وأعطيتموه فرصة للتهرب من التزاماته".
علاقة الحوثيين بحزب المؤتمر
بدأ حزب المؤتمر بالانقسام إلى أجنحة مع بداية الحرب، إذ خرج جناح بقيادة الرئيس السابق عبدربه منصور هادي يرفض التحالف مع الحوثيين، وعمل بصفوف الشرعية اليمنية، بعد مقتل زعيم "المؤتمر" علي عبدالله صالح على يد الحوثيين. وانقسم الحزب إلى جناحين، الأول مطالب بثأر صالح بقيادة طارق صالح عضو مجلس الرئاسة اليمني، والآخر بقي على تحالفه مع الحوثيين في صنعاء بقيادة صادق أبو راس، ولم يسلم الأخير من حالة الشك الدائم بولائه من قبل الحوثيين.
الخلاف بين "المؤتمر" والحوثيين موجود منذ البداية
ورأى الباحث اليمني عادل دشيلة أن "الخلاف بين حزب المؤتمر والحوثيين موجود منذ البداية، لأن التحالف بينهما كان مرحلياً وصورياً، وليس استراتيجياً. ولذلك عندما تغلّبت جماعة الحوثي على المؤتمر عسكرياً بعد مقتل صالح أصبح الحزب مهمشاً بشكل أكبر وإن كان شريكاً أساسياً في سلطة الانقلاب في صنعاء".
وأضاف، في حديث لـ"العربي الجديد": "الحوثيون سيطروا على مؤسسات الدولة وهمشوا قيادات المؤتمر بصنعاء، مما جعل رئيسهم أبو راس يخرج بخطاب كان فيه نوع من الصراحة، وأيضاً نوع من المجاملة لجماعة الحوثي، وحالياً العلاقة بينها ليست على ما يرام".
وأشار دشيلة إلى أن "الحوثي يتخوف من أي نشاط سياسي في صنعاء لحزب المؤتمر أو الأحزاب الأخرى، ويهاجم المؤتمر تحديداً، لأنه ما زالت لديه قيادات رفيعة المستوى موجودة في العاصمة اليمنية، ولذلك قد نرى ارتفاعاً في حدة الخطاب السياسي بين الحوثيين والمؤتمر مستقبلاً".
وأوضح أن "الحوثيين يريدون أن يكونوا الممثل الوحيد للمناطق التي تقع تحت سيطرتهم، وأن تكون القوى السياسية مجرد ديكور لا وجود فعلياً لها في الواقع السياسي، ولذلك عندما يأتي المبعوث الدولي يلتقي بالحوثيين فقط، وكذلك الوفد العماني أو السعودي".
وقال دشيلة إن "الحوثي لا يريد تفعيل دور المؤتمر في صنعاء، وهذا يعني أن الخلافات مفتوحة، وربما تقود إلى مزيد من التوتر بين الجانبين، ولكن في نهاية المطاف، وفي ظل الوضع الحالي، لا يستطيع المؤتمر القول لا لجماعة الحوثي. ولكن لو حصلت تسوية سياسية قد يكون للمؤتمر دور كبير فيها، في حال أحسن ترتيب صفوفه الداخلية".
إقصاء وخلافات مفتوحة
من جهته، قال المحلل السياسي عبد السلام القيسي إن "الحوثي يشعر بأن حزب المؤتمر في صنعاء هو المهدد الحقيقي لوجوده السياسي. فمثلاً إذا فُرض السلام على كل الأطراف اليمنية سيكون شريكاً أساسياً من حصة صنعاء في السلام، وهذا يهدد الاستحواذ الحوثي على كل شيء بعملية السلام".
وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "كانت ردة فعل الحوثي سيئة على خطاب أبو راس، وهو ربما تمهيد لإقصاء أكثر للمؤتمر واعتبارهم مرتزقة وعملاء. وقد وصف رئيس الانقلاب الحوثي المشاط أبو راس بالأحمق، لكنه يرى منه عدواً وتظهر عنصرية الحوثي ضد الحزب الذي منحهم ولو قليلاً من العملية السياسية أمام خصومهم".
وتابع القيسي: "يخشى الحوثيون من الإيحاءات الظاهرة على المشهد، والتي تكشف عن نيّة رعاة العملية السياسية تأهيل حزب المؤتمر ليقود السلام (بأجنحته المختلفة)، وهذا لا يمكن أن يقبله الحوثي. ولكن نفهم من خطاب أبو راس أن هناك تطميناً قوياً له من رعاة كثيرين جعله يصرخ بوجه الحوثي".
العربي الجديد
التعليقات