الخبر من عمق المحيط

هل مفاوضات ملف الأسرى الحالية هي الاختبار اليمني الأول للاتفاق السعودي الإيراني؟

هل مفاوضات ملف الأسرى الحالية هي الاختبار اليمني الأول للاتفاق السعودي الإيراني؟
سقطرى بوست -   الجمعة, 17 مارس, 2023 - 01:45 مساءً

يترقب اليمنيون نتائج الجولة السابعة من مفاوضات ملف الأسرى المستمرة حاليا في جنيف بين طرفي الصراع بتفاؤل لا يخلو من توجس من الفشل لاسيما مع التصعيد الإعلامي المستمر بين الطرفين. فبقدر ما تفاءلوا بالاتفاق السعودي- الإيراني لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بقدر ما يتمنى اليمنيون أن يلمسوا تأثيره في نتائج المفاوضات الجارية بشأن الأسرى والمعتقلين؛ ليمثل شهر رمضان مناسبة للإعلان عن صفقة كبيرة لتبادل المحتجزين كمقدمة على طريق بناء الثقة؛ وبالتالي إعلان التوصل إلى اتفاق تجديد الهدنة.

 

فما هي التحديات التي تعترض سير المفاوضات، التي بدأت السبت، وهل يمكن اعتبارها الاختبار الأول لتأثير الاتفاق السعودي الإيراني على الملف اليمني؟.

 

تحديات ومعوقات

 

تواجه هذه المفاوضات تحديات أبرزها مرتبط بالإصرار على عدم حسم ملف الأسرى وإبقائه مفتوحا لجولات عديدة يمكن معها تحقيق مكاسب سياسية في كل مرحلة.

 

يقول الباحث اليمني، أستاذ علم الاجتماع السياسي، عبد الكريم غانم، لـ”القدس العربي”، إن هذه المفاوضات تواجه “تحديات يمكن وصفها بالمنهجية، بدءا من تفكيك الأزمة اليمنية إلى ملفات مجزأة ومنفصلة عن بعضها، بما يترتب عليه من حرص على عدم حسم هذا الملف، وعدم إتمام عملية تبادل الأسرى بشكلٍ نهائي، وذلك لاستخدام ما تبقى منه في جولات التفاوض حول الملفات الأخرى”.

 

وأشار إلى “أن تجزئة الأزمة تجعل الانتقال إلى حل الملفات التالية مرهونا بنجاح هذه الجولة، بما يمثله نجاحها من بناء للثقة أو العكس، وفي حين يعاني الوفد الحكومي من تغيير تشكيلته بين فترة وأخرى، يصرّ الحوثيون على تقديم القليل من التنازلات مقابل المطالبة بالكثير من الفوائد”.

 

واستطرد قائلا “على الرغم من أن نسبة أسرى الحوثي تصل إلى 63 في المئة، لم يُظهر وفدهم، حتى الآن، القبول بتنفيذ ما تم التوافق عليه في مارس 2022، ومن المتوقع أن يطلبوا مقابل الإفراج عن كل شخصية سياسية أو عسكرية بارزة إطلاق العشرات من أسراهم، الأمر نفسه قد ينطبق على الأسرى السعوديين والسودانيين، وسجناء الرأي من الصحافيين والنشطاء.

 

واستبعد غام “أن يقبل الحوثيون بالإفراج عن الشخصيات البارزة إلا إذا كان ذلك مقابل إطلاق أعداد كبيرة من أسراهم، وما لم يتمكنوا من ذلك فلن يترددوا في الاحتفاظ بهم كورقة مساوة لتحقيق مكاسب أكبر”.

 

وخلص إلى “أن المفاوضات الجارية حاليا في أحسن التوقعات قد تتضمن تبادل العدد المتفق عليه في اتفاقية مارس الماضي، فهناك الكثير من الصعوبات التي تحول دون الاتفاق على تبادل (الكل مقابل الكل)”.

 

النجاح والفشل

 

مما سبق يبقى من المهم التوقف أمام قراءة ما يمكن أن تفضي إليه هذه المفاوضات نجاحا أو فشلا في ضوء ما يمكن افتراضه تأثيرا للاتفاق السعودي- الإيراني على مسار هذه المفاوضات.

 

هنا يتوقع عبد الكريم غانم “أن تترك إيران لحلفائها الحوثيين هامشا كبيرا للمناورة والتحرك بعيدا عن تدخلها، في التأثير على سير مفاوضات تبادل الأسرى، خلافا لما هو متوقع من جانب السعودية التي عادةً ما تستخدم نفوذها في الضغط على حلفائها للتوقيع على مثل هذه الاتفاقيات، وإن لم تلب كل مطالبهم. فعلى الأرجح لن يكون أمام الوفد الحكومي سوى الاستجابة للضغوط التي تُمارس عليه، ليس فقط من جانب الرياض بل أيضًا من قبل المبعوثين الأممي والأمريكي، في مقابل تصلب المواقف التي يبديها وفد الحوثيين، إذ من المستبعد أن تمارس إيران عليه ضغطًا يُذكر”.

 

أكبر عملية تبادل للأسرى

 

ويرجّح غانم “أن تنجح هذه المفاوضات في إتمام أكبر عملية تبادل أسرى حتى الآن، ومما يعزز من نجاحها الحرص على بناء الثقة، أملًا في الوصول إلى جولات التفاوض التالية، إلى جانب تزامن انتهاء المفاوضات مع قدوم شهر رمضان، المناسبة التي تحظى باهتمام خاص لدى الحركة الحوثية التي تحرص على ربط ممارساتها السياسية بأبعاد دينية”.

 

لكنه يعتقد “أن نجاح اتفاق تبادل الأسرى قد يكتنفه القصور، في ظل ما يحيط به من غموض، فقد يتم إطلاق العدد الذي تم الاتفاق عليه في مارس الماضي، إلا أن مكمن الاختلاف قد يتمثل في النوع لا الكم، أي مَن المفرج عنهم؟ فالحوثيون، وهم الطرف الأقل استجابة للضغوط، قد يصرون على استبعاد أسماء القيادات العسكرية والسياسية البارزة وسجناء الرأي، من صحافيين ونشطاء، باعتبارهم ورقة مساومة هامة، كما أن كل طرف يتجنب تقديم إحصائيات دقيقة للطرف الآخر بشأن أعداد وهويات الأسرى والمعتقلين في سجونه، للإبقاء عليهم ورقة للمساومة في المفاوضات التالية، فملف الأسرى لن يتم إغلاقه بشكلٍ نهائي، حتى وإن سار وفق تفاهمات مارس الماضي، الأمر الذي يعني استمرار معاناة المئات من الأسرى والمعتقلين لفترات أطول، وترك البعض منهم يواجه مصيرا مجهولًا”.

 

 الاختبار الأول

 

لكن هل يمكن اعتبار هذه المفاوضات هي الاختبار الأول لتأثير الاتفاق السعودي- الإيراني على الملف اليمني؟.

 

يعتبر الباحث السياسي اليمني، عادل دشيله، هذه المفاوضات الاختبار الأول لتأثير الاتفاق على الملف اليمني، لكن في المقابل يقول “علينا أن نقرأ الأحداث جيداً، وخصوصا في هذا الملف الإنساني، إذ مر هذا الملف بعدة مراحل، وكان في أغلبها متعثرا، باستثناء صفقة واحدة أو صفقتين برعاية الأمم المتحدة وبعض الأطراف المحلية القبلية”.

 

لكن ما يستدعي طرحه حاليا: ما هو تأثير نتائج هذه المفاوضات على الخطوات التالية ممثلة في اتفاق تجديد الهدنة نجاحًا أو فشلا؟ بمعنى قراءة مآل هذه المفاوضات وتأثير الاتفاق السعودي- الايراني على مسار المفاوضات الأخرى في الفترة المقبلة سواء مفاوضات تجديد الهدنة أو مفاوضات التسوية الشاملة.

 

يقول الباحث دشيله “في حال نجحت إيران والسعودية في البدء باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين فلا يُستبعد أن تنجح طهران في الضغط على جماعة الحوثيين في تقديم بعض التنازلات والدخول في تسوية سياسية”.

 

واستدرك: لكن هذا يعتمد على مدى جدية النظام الإيراني في تطبيق الاتفاق المبرم مع الحكومة السعودية، وهذا في حال نجح البلدان في تثبيت تطبيق الاتفاق، ولكن كل المؤشرات تقول لا يمكن أن تقدم جماعة الحوثي تنازلات جوهرية في المجالين السياسي والعسكري، ولكن قد تقدم تنازلات إنسانية؛ بمعنى قد تنجح الأطراف اليمنية في تنفيذ اتفاق انساني سواء على صعيد تجديد الهدنة أو إطلاق بعض السجناء والأسرى والمختطفين، ولكن هذا يظل ملفا انسانيا بامتياز، ليبقى السؤال المطروح: هل سيكون هذا الملف مقدمة حقيقية للدخول في تسوية سياسية شاملة؟ لا أتوقع ذلك. إذن ما الذي يمكن أن يجري؟.

 

واستطرد: في تصوري الشخصي أن هناك ثلاثة سيناريوهات: الأول، أن ينجح هذا الحوار من إطلاق مجموعة من الأسرى والمختطفين، وبالتالي البدء بتمديد الهدنة والدخول في مفاوضات لا نعرف متى ستبدأ ومتى ستنتهي. الدخول في مفاوضات غير واضحة المعالم وغير مزمنة هو اسمرار لواقع اللاسلم واللاحرب، حتى لو تم اخراج مجموعة من الأسرى وتم تمديد الهدنة.

 

السيناريو الثاني: أن يتم وقف إطلاق النار بشكل رسمي من خلال تمديد الهدنة وتقديم ضمانات أمنية واضحة للسعودية بعدم الاعتداء على أراضيها، وهذا السيناريو هو امتداد للسيناريو الأول، إذ تبقى الأطراف اليمنية في حالة تفاوض وحالة اللاسلم واللاحرب، وهذا لن يستفيد منه سوى السعودية وإيران.

 

السيناريو الثالث هو أن ترفض الجماعة الحوثية الدخول في تسوية سياسية، وأن تقبل بحلول إنسانية. هذا السيناريو هو الوارد… وفي هذه الحالة هل سيمنح المجتمع الدولي الحكومة اليمنية ضوءا للقيام بعمل عسكري للضغط على الحوثيين حتى يأتون للطاولة؟ لا أتوقع ذلك في ظل المعطيات الدولية الراهنة.

 

وخلص إلى أنه “بدون وجود رؤية وطنية داخلية للتعامل مع الوضع فلن نستطيع الوصول إلى اتفاق سلام شامل وعادل يُنهي الحرب، ويحافظ على جميع الأطراف بما فيهم الحوثيون والمجلس الانتقالي الجنوبي، وندخل في مرحلة الاستقرار على المدى المتوسط”.

 

القدس العربي


مشاركة

كلمات مفتاحية

التعليقات