مع بدء المفاوضات بين الحكومة اليمنية والحوثيين بشأن تبادل الأسرى والمختطفين، يأمل وضّاح المنصوري أن تسفر هذه الجولة عن الإفراج عن شقيقه الصحافي توفيق المنصوري، الذي يقبع في سجون الحوثيين للعام الثامن على التوالي، وهو أحد الصحافيين المحكوم عليهم بالإعدام من قبل سلطة الحوثيين في صنعاء.
وأول من أمس السبت، بدأت أولى اجتماعات جولة التفاوض الجديدة في مدينة جنيف السويسرية، بمشاركة وفدي الحكومة اليمنية والحوثيين، وبرعاية مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، رئيس اللجنة الإشرافية التي تشكّلت في عام 2018 من أجل الإفراج عن جميع الأسرى والمختطفين والمخفيين بناء على اتفاق استوكهولم في السويد، الموقّع في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018.
وقال وضاح المنصوري: “إن آخر تواصل (هاتفي) لعائلته بشقيقه كان قبل 9 أشهر، تحديداً في يوليو/تموز 2022، ولم يُسمح لنا بزيارته منذ نقله إلى سجن الأمن المركزي في صنعاء في أكتوبر/تشرين الأول 2020، الذي تُمنع فيه الزيارة بشكل مطلق لجميع المعتقلين”.
وأضاف في حديث مع “العربي الجديد”: “قبل أربعة أشهر، وصلت إلينا معلومات عن تعرّض شقيقي توفيق للضرب والاعتداء، وكُسرت جمجمته على يد رئيس لجنة الأسرى الحوثية عبد القادر المرتضى وشقيقه أبو شهاب المرتضى، وتم إدخاله مع زملائه الصحافيين في زنزانة انفرادية لمدة 45 يوماً”.
وتمنى وضاح أن تكون هذه المفاوضات حاسمة وجادة لإطلاق شقيقه وجميع المختطفين والأسرى، وكشف أن “الحوثيين يريدون مبادلته بمقاتلين أسرى، وهو صحافي اختُطف من مقر إقامته، لكن للأسف هذه الطريقة الوحيدة، ونأمل أن تتم قبل شهر رمضان (يبدأ في الأسبوع الأخير من شهر مارس/آذار الحالي)”.
وتدخل الحرب في اليمن عامها التاسع على التوالي، في ظل حالة من الجمود السياسي وفي الوقت الذي يستمر الصمود الواقعي للهدنة التي بدأت في 2 إبريل/نيسان 2022، على الرغم من عدم تمديدها خطياً في 2 أكتوبر الماضي.
ويسود ترقب لما إذا كانت التفاهمات السعودية الإيرانية الأخيرة، التي تضمنت استعادة العلاقات بين البلدين، ستنعكس إيجاباً على صعيد الحل السياسي في اليمن، خصوصاً بعدما أعلنت البعثة الإيرانية الدائمة في الأمم المتحدة أن استئناف العلاقات السياسية مع الرياض “سيسرع التوصل إلى وقف إطلاق النار في اليمن وإطلاق الحوارات اليمنية وتشكيل حكومة يمنية شاملة في هذا البلد”.
إطار المفاوضات
وتأتي مفاوضات الأسرى الجديدة في سياق تنفيذ اتفاق سابق بين الحكومة اليمنية والحوثيين، أُعلن في مارس 2022، ويقضي بتبادل أكثر من ألفي أسير ومختطف من الطرفين، إلا أنه تعثر وسط اتهامات متبادلة بين الطرفين بعرقلة التنفيذ، وكان الاختلاف في قوائم الأسماء التي من المفترض الإفراج عنها.
وقال مصدر في الحكومة اليمنية الشرعية مطلع على المفاوضات، لـ”العربي الجديد”، إن “جلسة المفاوضات الأولى بدأت بالنقاش حول ما تم الاتفاق عليه في الجولات السابقة، وطلب وفد الحكومة اليمنية التفاوض وفق مبدأ (الكل مقابل الكل)، إلا أن الحوثيين طلبوا تجزئة التبادل”. وأفاد بـ”أنه من المتوقع أن تجرى مناقشة قوائم أسماء جديدة لرفع الأعداد المتفق عليها سابقاً”.
وذكر مصدر حكومي آخر لـ”العربي الجديد” أنه “تم الاتفاق في الجولات على تبادل 23 من القوات الحكومية مقابل أكثر من 500 من عناصر الحوثيين، تشمل وزير الدفاع الأسبق محمود الصبيحي، وناصر منصور هادي شقيق الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، و(عفاش) نجل طارق صالح (عضو مجلس الرئاسة اليمني) وشقيقه محمد، بالإضافة إلى 16 سعودياً وثلاثة سودانيين”.
وأوضح المصدر لـ”العربي الجديد” أن “الجولة الحالية ستشهد مفاوضات ونقاشات حول الإفراج عن 800 شخص من كل طرف، ومن المفترض أن يوافق الطرفان على قوائم الأسماء بعد مراجعتها خلال أيام المفاوضات، التي ستستمر 11 يوماً وفقاً لما هو مقرر”.
من جانبه، أبدى المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ أمله “أن تكون الأطراف على استعداد للانخراط في مناقشات جدية وصريحة، للاتفاق على إطلاق سراح أكبر عدد ممكن من المحتجزين”. وأضاف في بيان أول من أمس: “مع اقتراب شهر رمضان، أحث الأطراف على الوفاء بما اتفقوا على الالتزام به بعضهم تجاه بعض، وأيضاً تجاه الآلاف من الأسر اليمنية التي طال انتظارها عودة ذويهم”.
ملف الصحافيين الأربعة
ودعت الحكومة اليمنية، أول من أمس السبت، غروندبرغ لوضع ملف الصحافيين الأربعة المعتقلين منذ 8 سنوات (عبد الخالق عمران، توفيق المنصوري، حارث حميد، أكرم الوليدي) ضمن مهامه في جولة المفاوضات.
واعتبر وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني “أن الصحافيين يخضعون لظروف اعتقال قاسية ومهينة في معتقلات الحوثيين، ويُستخدمون للابتزاز والمساومة”. وأضاف أن الصحافيين “اختُطفوا من منازلهم ومقار أعمالهم، ومورست بحقهم صنوف التعذيب النفسي والجسدي من قبل الحوثيين، وأُخضعوا لمحاكمات غير قانونية بتهم ملفقة، وأُصدرت بحقهم أوامر بالإعدام”، وفق ما نقلت وكالة “سبأ” الحكومية عنه.
وفي 11 إبريل 2020، أصدرت المحكمة الجزائية الخاضعة لسيطرة الحوثيين حكماً قضى بإعدام الصحافيين الأربعة، لَقِيَ إدانات واسعة من قبل منظمات دولية ومحلية. والاثنين الماضي، أصدرت منظمة العفو الدولية بياناً جاء فيه: “منذ مايو/ أيار 2022، أجّلت المحكمة الجزائية الاستئنافية المتخصصة الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي جلسة استئناف الصحافيين المحكوم عليهم بالإعدام 10 مرات على الأقل”.
من جانبها، حمّلت نقابة الصحافيين اليمنيين المبعوث الأممي إلى اليمن مسؤولية استمرار معاناة الصحافيين المختطفين لدى الحوثيين، ودعت إلى إطلاق سراحهم سريعاً من دون قيد أو شرط، وإسقاط أحكام الإعدام الجائرة.
وأكدت النقابة، في بيان، موقفها الرافض مساعي الجماعة بإخضاع الصحافيين لصفقات تبادل الأسرى أو وضع قضيتهم محط المساومة والابتزاز. وطالبت بإعطائهم الأولوية والاهتمام “باعتبارهم مدنيين تعرضوا لأبشع أنواع التعذيب والتعسف”.
مقاتلون مقابل مدنيين
وترفض المنظمات الحقوقية إدراج المختطفين المدنيين في صفقات تشمل مقاتلين، بل إطلاق سراحهم بشكل كامل. وطالبت رابطة أمهات المختطفين اليمنية بإطلاق شامل وكامل لجميع المختطفين والمعتقلين والمخفيين قسراً، وفصل ملف المختطفين المدنيين عن المقاتلين.
ودعت إلى الخروج بحل جذري لهذا الملف، معتبرة في بيان، أول من أمس، “أن تحقيق هذه الخطوة هي أولى حلول السلام وإنهاء هذه الحرب”.
وأبدت الرابطة استعدادها لمشاركة المفاوضين بقوائم المختطفين المدنيين الموثقين لديها، كخطوة يمكن من خلالها حل الخلاف حول آلاف الأسماء، محمّلة طرفي المفاوضات المسؤولية الكاملة عن أي فشل. واعتبرت أن “أي إخفاق جديد لا تحتمله قلوب الأمهات ولا يحتمله أبناؤهن في السجون، جراء المعاناة المستمرة منذ سنوات والتي أفضت الى موت الكثير منهم”.
ورصدت رابطة أمهات المختطفين وفاة 153 مختطفاً ومعتقلاً في سجون مختلف الأطراف، خلال الفترة بين عامي 2018 و2022، في خمس محافظات يمنية (صنعاء، عدن، تعز، مأرب، ذمار). كما رصدت 1799 حالة اختطاف غالبيتهم في سجون الحوثيين، و440 مدنياً جرى إخفاؤهم قسراً.
من جانبه، رأى الصحافي الحقوقي هشام طرموم “أن هناك غيابا لحيثيات العدالة في المفاوضات، لأن جماعة الحوثي تختطف اليمنيين من منازلهم ومقار أعمالهم، ومن ثم تقوم بالمساومة مقابل مقاتلين من عناصرها أُسروا في جبهات القتال”.
وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “التفاوض القائم الآن هو امتداد لجولات سابقة تم في بعضها الاتفاق على الأسماء التي سيُفرج عن أصحابها من الجانبين، وهناك نقاشات واختلافات حول قوائم أخرى لم يتم الاتفاق عليها”.
وقال: “نتمنى الإفراج عن كل الأسرى والمختطفين والتعامل إنسانياً مع هذا الملف، وأن تكون هناك مفاوضات شاملة للإفراج عن الجميع، وتحييد هذا الملف وعدم مقايضته بملفات سياسية أو عسكرية على حساب معاناة الأسر اليمنية”.
التعليقات