تعيش العاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، جنوبي البلاد، احتقانا شديدا وحراكا عسكريا من قبل الانفصاليين المدعومين من دولة الإمارات، على وقع سجال نشب عقب تصريحات رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي قبل أيام، بشأن القضية الجنوبية.
وأفاد مصدر محلي أن قوات تابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، عززت انتشارها في عدد من المناطق داخل عدن، وبالقرب من قصر المعاشيق الرئاسي.
"إغلاق القصر الرئاسي"
وقال المصدر لـ"عربي21" مفضلا عدم ذكر اسمه، إن قوات الانتقالي استحدثت عددا من الحواجز في خور مكسر وكريتر، ونشرت دوريات تجوب شوارع العاصمة المؤقتة للبلاد.
وأضاف المصدر أن القوات ذاتها، أغلقت قصر المعاشيق الرئاسي، الذي يتخذه رئيس المجلس الرئاسي مقرا له، ومنعت الموظفين، صباح الأحد، من الدخول إلى المقر الرئاسي في مدينة كريتر، جنوبي عدن.
ولم تصدر سلطات المجلس الرئاسي والحكومة المعترف بها التابعة له أي بيان أو توضيح بشأن ما حدث في العاصمة المؤقتة، عدن، الأحد.
وكان العليمي قد قال في حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، الخميس، إنه يؤمن أن القضية الجنوبية قضية عادلة، وأن الحديث عنها في هذه اللحظة أو نقاش حلها في هذا الوقت قد يكون غير مناسب، وهو ما قوبل برفض من المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال جنوب البلاد عن شماله.
وأكد رئيس المجلس الرئاسي على أن معالجة القضية الجنوبية يجب أن تكون في إطار حلول النظام السياسي، ومضمون الدولة، وشكل النظام السياسي المستقبلي.
وأضاف رئيس المجلس الرئاسي: "عندما نستعيد الدولة، سنضع كل شيء على طاولة الحوار والنقاش ونضع المعالجات بالحوار وليس بالعنف، أو بالفرض".
"عدم جدية الشراكة"
وقد أبدى المجلس الانتقالي رفضه لتصريحات العليمي، حيث قال المتحدث باسم المجلس، علي الكثيري، إن تصريحات رئيس مجلس القيادة الرئاسي غير دقيقة، ولا تشير إلى جدية الشراكة والتوافقات التي انبثقت عن مشاورات مجلس التعاون الخليجي.
واتهم الكثيري العليمي بعرقلة إصدار قرار تشكيل الوفد التفاوضي المشترك الذي تم التوافق عليه وهو المعني بالتفاوض حول شكل الدولة والنظام السياسي للفترة الانتقالية والضمانات المطلوبة.
"مستفزة ومدمرة"
من جانبه، قال الصحفي والناشط السياسي اليمني، صلاح السقلدي، إنه لا يرى أي تصعيد من جانب المجلس الانتقالي تجاه العليمي، مضيفا أن ردود الانتقالي كانت عادية قياسا بالخطاب الاستفزازي والخطوات الأحادية التي يتخذها العليمي إلى درجة أن المجلس الانتقالي يواجه انتقادات لاذعة من كثير من الجنوبيين ومن داخله أيضا.
وتابع السقلدي في حديثه لـ"عربي21" بأن ما يسميه البعض تصعيدا، في إشارة إلى رد الانتقالي على تصريحات العليمي، يأتي أصلا على خلفية الأزمة المتصاعدة بين الطرفين (الانتقالي والعليمي).
وأشار الناشط السياسي الجنوبي إلى أن العليمي اتخذ مؤخرا قرارات خطيرة تستهدف القضية الجنوبية وتنسف وجود المجلس الرئاسي القائم على مبدأي الشراكة والتوافق، على حد تعبيره.
وأردف قائلا: "وما تصريحاته الأخيرة بشأن اعتراضه عن أي حديث وحل للقضية الجنوبية بالوقت الراهن إلا القشة التي قصمت ظهر المجلس الرئاسي ووضعت الجميع على فوهة المواجهة والاحتراب".
وحسب الصحفي السقلدي فإن العليمي استفز المجلس الانتقالي بتصريحاته التي قال إنها تفتقر للكياسة، وهو يتحدث عن ترحيل القضية الجنوبية، بل ويمنع الحديث عنها بالوقت الراهن.
ولفت الصحفي والناشط اليمني إلى أن مشاورات الرياض التي أتت بالعليمي إلى قمة الرئاسة أكدت على ضرورة إشراك الطرف الجنوبي بمرحلة حوارات وقف إطلاق النار لوضع إطار سياسي لها قبل الذهاب إلى مفاوضات التسوية النهائية.
كما أكد أن هذا الموقف من العليمي، جاء أيضا، في وقت يتم تجاهل مجلسه الرئاسي من قبل التحالف (تقوده السعودية) الذي يتحاور مع الحوثيين في صنعاء بمعزل عن المجلس الرئاسي والمجلس الانتقالي أيضا.
ويهدف المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله والرجوع إلى ما قبل إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب عام 1990، بدعم من حكومة أبوظبي، بعدما مكنته من السيطرة على محافظات جنوبية، هي عدن وشبوة وسقطرى ومعظم أبين.
وعلى الرغم من صعود المجلس الانتقالي الذي تشكل في العام 2017 وتصدره للمشهد جنوب اليمن، إلا أن هذا الأمر، وفق مراقبين، أماط اللثام عن الانقسامات التي تعتري القوى الجنوبية، كون هذا المجلس لم يكن محل إجماع كامل بين جميع الجنوبيين، ولا يوافق الكثير من الفرقاء السياسيين الجنوبيين على أجندته.
"تصور خاطئ"
أما الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، فقد أرجع التصعيد من قبل المجلس الانتقالي الانفصالي إلى "التصور الخاطئ الذي يهيمن على المجلس وأنصاره الذين توهموا أن انتقال السلطة إلى مجلس قيادة رئاسي قد وضع السلطة والإمكانيات في المناطق المحررة عامة والجنوب خاصة تحت وصايتهم، وسهل عليهم الطريق نحو تحقيق هدف الانفصال بإمكانيات الدولة اليمنية".
وقال التميمي في حديث لـ"عربي21": "لذلك لم يستوعب الانتقالي أن فظاظته في التعبير عن الهيمنة قد أدخلت مجلس القيادة الرئاسي في حالة شلل، مما ترتب عليه إجراءات سعودية لدعم الرئيس سياسيا وعسكريا وأخيرا مالياً".
وأضاف أنه من غير المعقول أن الانتقالي وأنصاره كانوا ينتظرون هذا التصريح من الرئيس رشاد العليمي، لكي يعودوا بعدن إلى أجواء صيف 2019.
وأكد الكاتب اليمني أن أكثر ما أثار مخاوف الانتقالي "هو التوجه السعودي لإحداث تغيير في المنظومة المسلحة التي يهيمن عليها الانتقالي، لصالح الرئيس رشاد العليمي".
وقال: "وقد تبين ذلك من خلال تأسيس قوات درع الوطن".
كما لفت التميمي إلى أن الاحتقان يعود إلى التغير في الموقف السعودي وبقاء قادة للانتقالي في الخارج، مشيرا إلى أن تصريحات الرئيس العليمي التي لم تخرج عن روح اتفاق الرياض إلا الذريعة التي توسلها الانتقالي لتعقيد المهمة السعودية في الجنوب.
التعليقات