لا يوجد خلاف استراتيجي بين السعودية والإمارات… فلكل منهما مصالحه وأهدافه الخاصة التي يراعيها كل طرف انطلاقًا من ايمانهما المشترك بضرورة إبقاء الخلاف خارج السطر.
أي بلد يشهد حرباً لابد أن يكون مسرحًا لمفارقات يتعمد الفرقاء صناعتها ما يُصعب معها على المراقبين من جهة والمجتمع من جهة ثانية قراءة خريطة المصالح وبنك الأهداف وأجندة المشاريع.
من يتابع الإعلام اليمني غير الحكومي خلال الحرب يجد صعوبة في معرفة الحقيقة؛ فغالبية المنابر، إن لم تكن جميعها، تعمل ضمن أدوات المعركة، والتي لا تعمل ضمن منابر الإعلام الموجه لابد لها أن تكون قريبة من طرف ما، وبالتالي غالبية رسائل الإعلام اليمني مثقلة بحمولات زائدة.
على صعيد العلاقة بين السعودية والإمارات في جنوب اليمن لم يتوقف الإعلام اليمني غير الحكومي عن نشر أخبار تتحدث عن خلافات بين الدولتين يُساند ذلك وجود مستخدمين لمواقع التواصل من البلدين يؤكدون هذه الأخبار، لكن ما يجب فهمه هو أنه ليس هناك خلاف استراتيجي بين الجانبين مطلقًا؛ فثمة تنسيق مشترك واحترام لأهداف الطرف الآخر.
لا يوجد خلاف استراتيجي بينهما مع وجود اختلاف على التفاصيل، بدليل بقاء الإعلام الرسمي اليمني والسعودي والإماراتي خارج لعبة الخلاف المنشغل بها الإعلام اليمني غير الحكومي من خلال تسويق الشائعات، التي يبقى من خلالها المتابع اليمني كأنه يفضل طرفا على آخر، وهو ما يؤخر تفكيره الجدي بالمخاطر الاستراتيجية التي تتربت على مشاريعهما.
لماذا لا يوجد خلاف استراتيجي بينهما؟ لأن لكل منهما مصالحه وأهدافه الخاصة التي يراعيها كل طرف انطلاقًا من ايمانهما المشترك بضرورة إبقاء الخلاف خارج السطر. كما يدركان أنهما، في حال اختلافهما الاستراتيجي، سيتحول المشهد إلى ساحة معركة واضحة المعالم والمشاريع بين الجانبين، وسيتدخل الإعلام الرسمي بمستوى من المستويات المباشرة ضمن المعركة، وسيوظف الطرفان أدواتهما بوضوح؛ وبالتالي سيخسر الجانبان، ولن تكون نتائج ذلك في صالحهما، علاوة أن الواقع اليمني سيكون شاهدًا حيًا على ذلك؛ لأنه سيتأثر بشكل مباشر، وهنا سيتحول المجتمع اليمني في الجنوب من شاهد يعتمد شائعات إلى مشارك يشهد وقائع؛ وبالتالي حينها، سينحاز لبلده في مواجهة قوى خارجية، وهم يدركون ذلك جيدا، وبالتالي لن يصل بهما الخلاف إلى هذا المستوى.
الطرفان يعملان، الآن، باعتبارهما مؤسستان إغاثيتان لحماية المناطق التي يتواجدا فيها، على الرغم من أن الإمارات مثلا تنشئ قاعدة عسكرية في جزيرة ميون على البحر الأحمر، وقاعدة أخرى على جزيرة عبد الكوري في أرخبيل سقطرى المطلة على المحيط الهندي، علاوة على تشكيل ميليشيات متعددة الانتماءات الجهوية والمناطقية والدينية، إلا أن المجتمع هناك يرى باهتمام – فقط- ما ينشئه الإماراتيون في تلك الأماكن من مدن سكنية ومصالح خدمية باعتبارها تمس مصالح الناس بشكل مباشر، علاوة على أن تهديد الحوثيين يمثل غطاءً صريحًا لبقاء السعودية والإمارات للحماية من هذا التهديد؛ وبالتالي سيحرص الجانبان على إبقاء الحوثي تهديداً لضمان بقائهما، واستمرارهما في تنفيذ مشاريعهما.
الإمارات تعرف جيدًا ماذا تريد منذ البداية، وكذلك السعودية.
من مهمة الإمارات أن تشكل ميليشيات بنزعات جهوية انفصالية من جهة ممثلة في قوات الأحزمة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي وميليشيات بنزعات مناطقية أضيق من رؤية الانتقالي الجنوبي ممثلة في قوات النخبة الحضرمية والنخبة الشبوانية، التي صارت، لاحقا، قوات دفاع شبوة بالإضافة إلى ميليشيات بنزعات دينية سلفية متطرفة ممثلة في قوات العمالقة الجنوبية، وبينمها ميليشيات تؤمن بالوحدة ممثلة في قوات طارق صالح في الساحل الغربي…لاحظ معنا هذه النزعات المختلفة لهذه الميليشيات، التي تمثل مصدر تهديد لليمن وتفخيخًا لمستقبله.
مهمة هذه القوات إبقاء الواقع هناك ملتهبًا ضمن مخططات متناقضة تخدم في ذات الوقت أهدافا واحدة؛ ففي الوقت الذي تتجه قوات الانتقالي للسيطرة على أكبر مساحة من الجنوب طمعًا في السيطرة عليه كاملاً تبقي قوات النخبة الحضرمية على سيطرتها على ساحل حضرموت، وتستعد للتوغل والسيطرة على وادي وصحراء حضرموت؛ وهي المناطق التي يريد الانتقالي بسط نفوذه عليها، وإخراج ما تبقى من قوات الجيش اليمني في وادي وساحل حضرموت (المنطقة العسكرية الأولى) لكن سيبقى الوضع في محل التهديد؛ إذ لم يصدر قرار من الممول بالخطوة التالية، سواء لقوات النخبة الحضرمية أو قوات «الانتقالي» فهم يعملون تحت إدارة واحدة إماراتية هكذا يدار الوضع هناك من قبل الممولين.
ثمة تكهنات بهدف للسعودية والإمارات؛ وهو نشر قواتهما مكان ما تبقى من قوات الجيش اليمني أو وصول قواتهما على مستوى تسيطر، من خلاله، على كل تفاصيل المشهد الجنوبي اليمني، وابقاؤه مفرغا من أي عوامل قوة، منشغلا بالمشاريع الصغيرة.
فيما يتعلق بالسعودية فهي منذ البداية تشتغل سياسيًا بشكل واضح، وما زالت متحكمة بشكل كامل بقرار الحكومة اليمنية، كما تعمل إنسانيًا بشكل واضح ومكثف لاستلطاف المجتمع، وتقدّم نفسها كقارب نجاة، وفي نفس الوقت لها، مثل الإمارات، مشاريع عسكرية بجانب المشاريع الإغاثية. ولا يقتصر الحضور السعودي المسلح على قوات اليمن السعيد، التي تشكل منها عدة ألوية بقيت تقاتل الحوثيين في حدودها الجنوبية؛ وبقي منها قوات في الداخل الجنوبي، لكن بشكل غير واضح كما هي الميليشيات المدعومة إماراتيا.
وعندما قررت السعودية تشكيل قوات واضحة، تتواجد في الداخل بشكل مباشر، حيث أنشأت قوات أسمتها «قوات العمالقة الجديدة» بموازاة قوات العمالقة الجنوبية التابعة للإمارات. لكن هذا الأمر أثار حفيظة قوات العمالقة الجنوبية السلفية أيضًا، وطالبت الأخيرة بتغيير الاسم؛ وبسرعة وبدون أي خلاف تم تغيير الاسم في أيلول/سبتمبر 2022 إلى قوات درع الوطن.
عقب عودة رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، من الرياض أواخر كانون الثاني/يناير أصدر قرارًا رئاسيًا بتشكيل قوات تسمى «قوات درع الوطن» كقوات احتياطية تابعة له، وعيّن عليها نفس القيادة التي كانت تقودها بقرار سعودي قبل منح هذه القوات مظلة حكومية بقرار رئاسي يمني.
القرار الرئاسي بتشكيل هذه القوات مثل تغيرًا في نهج التحالف الميداني؛ حيث منحت السعودية هذه القوات إطارًا حكوميًا رسميًا بينما تمويلها وتدريبها وآلياتها سعودية، ورفدها بعشرات الآليات وتوزعت عشرات الآليات التي دخلت من منفذ الوديعة الحدودي يومي الأربعاء والخميس الفائتين، في محافظات شبوة وأبين وعدن.
الخلاف الذي يسوّق له الإعلام اليمني غير الحكومي ومواقع التواصل لا وجود له في الواقع، وإن كان للسعودية والإمارات أهداف تخص كل منهما، وهذا طبيعي في بلد يملك مقومات استراتيجية للنهوض في أي وقت، لكنه خلاف لا يتجاوز الرماد، لأنهما متفقان في الأهداف الاستراتيجية؛ التي تحافظ على تواجدهما كقوة أساسية في البلاد.
وزار عدن الأسبوع الماضي وفد عسكري سعودي ممثلا للتحالف، والتقى وزير الدفاع اليمني، في سياق ترتيب تبادل المواقع بين قوات درع الوطن وقوات الانتقالي، على صعيد السيطرة على عدن ستتقاسم القوات الموالية للإمارات والقوات والموالية للسعودية خريطة السيطرة، وسيكون لقوات درع الوطن مهام حماية المعاشيق بجانب القوات السعودية المحدودة المتواجدة هناك، وكذلك السيطرة على المطار والميناء ، وتعزيز قدرات الحماية الأمنية التي فشلت في إحكام القبضة عليها قوات الانتقالي، التي فشلت أيضًا في التعامل العقلاني مع الواقع هناك، ما أثار بعض النقمة الاجتماعية ضدها؛ فجاءت هذه القوات لتخفيف تلك النقمة، وتعزيز حضور التحالف في ذات الوقت، لكن هذه المرة من خلال قوات حكومية بتمويل وإدارة مباشرة من الشقيقة الكبرى. مما نفهمه أن السعودية والإمارات تعملان على تهيئة البلاد لواقع ما زال معظمه غير مقروء.
التعليقات