أثارت زيارات سفير الولايات المتحدة الأمريكية في اليمن، ستيفن فاجن، المتكررة منذ تعيينه في حزيران/ يونيو من العام الحالي، إلى محافظة حضرموت شرق البلاد، أسئلة عدة بشأن الاهتمام الأمريكي بالمحافظة الأكبر في البلاد.
ولم تكن زيارة ستيفن فاجن، في وقت سابق من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، هي الأولى لمحافظة حضرموت، بل الثانية منذ تعيينه في يونيو الماضي، والتي باتت مثار جدل، وسط غياب أي توضيح رسمي من قبل السلطات المحلية أو الحكومة المعترف بها دوليا.
وما بات معلوما، أن زياراة الدبلوماسي الأمريكي للمحافظة اليمنية لم تكن الأولى من مسؤول أمريكي، بل سبق أن شهدت نشاطا غير عادي لفريق الشؤون المدنية في الجيش الأمريكي، وعقده لقاءات مع قيادات ومسؤولين محليين، وهو ما رفع من حدة التساؤلات عن سياق هذا النشاط الدبلوماسي والعسكري، ومدى اتساقه مع الاتفاقيات المبرمة بين البلدين.
"خطر حقيقي"
وفي هذا السياق، يرى الخبير الاستراتيجي في الشؤون العسكرية، علي الذهب، أن الاهتمام الأمريكي بحضرموت يشير إلى أن هناك ترتيبات مستقبلية لهذه المحافظة الغنية بالنفط، والتي تتمتع بإطلالة واسعة ومهمة على بحر العرب والمحيط الهندي.
وقال الذهب في حديث خاص لـ"عربي21": "هناك قضايا ذات صلة بهذه الأهمية، ومنها ملف الإرهاب، وارتباط حضرموت بأرخبيل سقطرى، إذ إنه من المتوقع مستقبلا أن يكون هناك ترتيبات معينة ربما تجعل منهما جسدا واحدا".
وأشار الخبير اليمني إلى أن الولايات المتحدة تولي حضرموت أهمية من الناحيتين العسكرية والاقتصادية في سياق مواجهة الصين ومبادرة الحزام والطريق.
كما أن النشاط الأمريكي في المحافظة يأتي في سياق "استغلال ضعف الدولة اليمنية وتهيئة لسوق حضرموت في المستقبل"، وفقا للذهب.
وقال إنه من الواضح أن هناك لعبة دولية يجري تنفيذها على المدى الطويل أو المتوسط في محافظة حضرموت، معتبرا أن "ذلك هو الخطر".
وأوضح الخبير اليمني في الشؤون العسكرية أن نشاط الولايات المتحدة له بعدان؛ الأول: "عسكري في إطار التطلعات الأمريكية من حيث الموقع الذي تتمتع به محافظة حضرموت، وارتباطها بجزيرة سقطرى، فضلا عن القوات الأمريكية في الأسطول الخامس في المنطقة، وفي جزيرة "دييغو غارسيا"، حيث تتواجد قاذفات بي 52 في المحيط الهندي.
أما البعد الثاني، فهو "أمني"، بحسب الخبير الاستراتيجي اليمني، والذي يتعلق بالإرهاب وتهديدات إيران وحضورها في بحر العرب، إضافة إلى التهديدات المتعلقة بالتنافس مع الصين في المنطقة وفي جيبوتي والسواحل اليمنية.
كما أن هناك بعدا سياسيا لذلك، حيث يكمن في "الترتيب لأن تكون حضرموت مع محافظتي المهرة المجاورة لها وجزيرة سقطرى، في إقليم واحد، متابعا القول: وبناء على ذلك، ستكون أكثر أجزاء اليمن أهمية وذات ثقل أو وزن عالمي وإقليمي.
كما لفت إلى أن الوجود الرمزي العسكري لواشنطن في المحافظة عن طريق "العمليات الاجتماعية في جيشها" موجودة في دول أخرى مثل العراق، لكنه استدرك قائلا: "إلا أن المخاوف في اليمن عديدة، وذلك ككون العلاقات لا توجد ضمن دولة ذات سيادة كاملة ولديها القوة للتحكم بهذه الزيارات وأبعادها والترتيبات المستقبلية لها وتأثيراتها".
وشدد الخبير الاستراتيجي العسكري على أن محافظات حضرموت والمهرة و سقطرى "في خطر حقيقي"، بناء على ما سبق، إضافة إلى الأدوار المشبوهة التي تقوم بها دولة الإمارات، أو التحالف الذي تقوده السعودية بشكل عام، ومن خلفهم القوى الكبرى، سيما الولايات المتحدة وبريطانيا.
"ثقل استراتيجي وآمنة"
من جهته، قال الكاتب والباحث في الشؤون الدبلوماسية، مصطفى ناجي، إن حضرموت هي المساحة الأكثر أماناً في اليمن بالنسبة للبعثات الدبلوماسية، ويمكن التحرك فيها على عكس المحافظات الأخرى أو عدن نفسها (العاصمة المؤقتة).
وأضاف ناجي في حديثه لـ"عربي21": "كما أن هذه المحافظة ذات ثقل استراتيجي ومرتكز لمصالح دولية في اليمن، إما في موضوع الطاقة أو مكافحة الإرهاب".
وأشار الكاتب اليمني إلى أنها أيضا كتلة سياسية واجتماعية، يمكن التواصل معها والوصول إلى توافقات عقلانية، على عكس الشطط لدى بقية المشاريع السياسية في اليمن.
"قاعدة عسكرية"
من جانبه، قال الكاتب والباحث اليمني، حسن عبدالله مغلس، إنه لم يمر أقل من شهر تقريبا على تعيين السفير الأمريكي "ستيفن فاجن" لدى اليمن، في حزيران/ يونيو الماضي، حتى قام بزيارة مفاجئة لمحافظة حضرموت في ظل غياب محافظ المحافظة أو حتى أي مسؤول رفيع المستوى يمثل الحكومة اليمنية.
وأضاف مغلس لـ"عربي21":"بل اقتصرت اللقاءات في هذه الزيارة مع مسؤولين محليين في المحافظة.. وكما قيل، ناقش معهم التحديات التي تواجه المحافظة، وأكد لهم ضرورة استمرار الهدنة".
وتابع: "كما التقى خلال زيارته في يونيو الماضي إلى حضرموت شركاء الوكالة الأمريكية للتنمية في المنطقة، واطلع على أنشطتها في مجال مصايد الأسماك والثروة الحيوانية والعسل والبستنة.
وبحسب الكاتب، فإن هذه هي الصورة الظاهرية لهذه الرحلة، التي استفزت المراقبين والناشطين اليمنيين، وفتحت لهم باب التساؤل والاستفهام حول حقيقة هذه الزيارة في مثل هذه الحالة، التي لا يوجد فيها حتى محافظ يرافق هذا السفير برحلته.
كما أنها أضحت مثار شكوك الشعب اليمني وأبناء حضرموت بشكل خاص، والذين تفاجأوا بهذه الزيارة، التي لا يعرف هل تم التنسيق لها مع المؤسسات الحكومية، أم أنه قرار أمريكي صرف لمحافظة تعد الأكبر مساحة والأكثر ثروة نفطية على الأقل حاليا، إضافة إلى امتلاكها أطول ساحل في بحر العرب والمحيط الهندي، ما يؤهلها للصدارة في التنمية الاقتصادية والمجتمعية.
وأكد أنه قبل هذه الزيارة الدبلوماسية كانت هناك زيارات أمريكية عسكرية لفريق الشؤون المدنية في الجيش الأمريكي، وسط شكوك أثارتها حول "اعتزام أمريكا بناء قاعدة عسكرية متقدمة على البحر العربي"، في وقت لم يُسمع أي تفسير حول تلك الزيارات من قبل الحكومة اليمنية أو مجلس رئاسة الدولة.
وأشار الكاتب والباحث اليمني إلى أنه وبعد مرور 134 يوما من الزيارة الأولى التي قام بها هذا السفير ستيفن فاجن، عاود الزيارة يوم الثلاثاء الماضي.
وقال: ولكن هذه المرة في ظل وجود محافظ حضرموت، مبخوت بن ماضي، الذي ترأس الفريق الذي قابل السفير الأمريكي، في ظل غياب أي شفافية.
لكن هذه المرة، الزيارة كانت في وجود محافظ حضرموت، في لقاء غابت عنه الشفافية، ولم تصدر سوى تصريحات من "فاجن"، الذي أكد أن هذا الاجتماع هو حول الدعم في المجال الأمني، ومكافحة الإرهاب، ودعم القطاعات الحيوية المرتبطة بالمواطن والتنمية.
كما ذكر المتحدث ذاته أن زيارة السفير الأمريكي إلى حضرموت أتت بعد الهجمات الحوثية على موانئ التصدير للنفط الخام، التي أدانها الرجل ذاته، وجدد دعم بلاده لليمن بشكل عام وحضرموت بشكل خاص، مشيرا إلى أن الزيارة جاءت بعد إعلان الكثير من أبناء حضرموت رغبتهم في الاستقلال ضمن إقليم واحد.
وتساءل: ماذا تريد الولايات المتحدة من محافظة حضرموت على وجه الخصوص؟ وأين هي السلطة الحاكمة في اليمن المتمثلة بمجلس الرئاسة، الذي لم يكاشف الشعب بما يدور في هذه المحافظة وغيرها؟
وقال: "هل هذه الحالة هي رغبة أمريكية وبقية الدول الطامعة في هذه المنطقة حتى يتم ترتيب أوضاعهم من السيطرة العسكرية المحكمة على اليمن وتقاسم مناطق النفوذ؟".
وأكد الكاتب والباحث حسن مغلس أن ما نراه اليوم هي تحركات أمريكية وفرنسية وبريطانية في اليمن، وتدخلها في كل صغيرة وكبيرة في شؤونها، في ظل غياب مجلس الرئاسة الذي تم فرضها على اليمنيين والذين لا يعولون الذي عليه في تغيير حياته نحو الأفضل.
وقال إن استمرار تهديدات الحوثي ربما يأتي برغبة الطامعين، وذلك لإيجاد مبررات تواجدهم؛ بحجة حماية المنطقة من هجمات الجماعة، التي حولوها إلى "بعبع" ليتمكنوا من التواجد في دول جزيرة العرب لحمايتهم من البعبع الإيراني، على حد قوله.
ومنذ أكثر من 7 سنوات، يشهد اليمن حرباً مستمرة بين القوات الموالية للحكومة الشرعية، مدعومةً بالتحالف العسكري العربي بقيادة السعودية، والحوثيين المدعومين من إيران والمسيطرين على عدة محافظات، بينها العاصمة صنعاء، منذ أيلول/ سبتمبر 2014.
التعليقات