الخبر من عمق المحيط

تحقيق استقصائي: الإمارات موّلت نشاط المجلس الانتقالي في واشنطن للترويج للانفصال

تحقيق استقصائي: الإمارات موّلت نشاط المجلس الانتقالي في واشنطن للترويج للانفصال
سقطرى بوست -  متابعات الأحد, 06 نوفمبر, 2022 - 11:06 صباحاً

نشر موقع "ساسة بوست"، في تحقيق له، أن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات يكثف من مساعيه، في الولايات المتحدة، في محاولة إضفاء الشرعية على مشروعه الانفصالي، الذي ترفضه الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا.

 

وكشف التحقيق الاستقصائي للموقع أن، "مكتب المجلس الانتقالي تعاقد مع منظمات وشركات وسياسيين أمريكيين وعقد أكثر من ندوة سياسية بعضها سرية، للتأثير على السياسة الأميركية تجاه مشروع المجلس المطالب بانفصال جنوب اليمن عن شماله".

 

وأوضح التحقيق، أن "الأموال التي صرفتها الإمارات لنشاط الانتقالي في أمريكا منذ تأسيس المجلس وحتى الانسحاب العسكري للإمارات والقوات الموالية لها من الحديدة، وحتى بعد التوقيع على اتفاق الرياض بين المجلس والحكومة اليمنية كانت أموال ضخمة".

 

وجاء التحقيق في سياق مشروع الموقع تحت عنوان "الحج إلى واشنطن"، وذلك ضمن محاولة لفهم الصورة الأكبر، والسياق المتكامل لما يجري في أروقة عاصمة الدولة الأقوى في العالم، وعلاقة ذلك بما يجري في المنطقة.

 

وقال التحقيق، إنه منذ اندلاع الحرب في اليمن، والإعلان عن "التحالف العربي لاستعادة الشرعية" تحت قيادة السعودية عام 2015، لم تكن رغبة الإمارات واضحة لدى العالم في مد نفوذها الخاص والموازي على الأراضي اليمنية، فقد أظهرت سنوات الحرب استراتيجية الإمارات؛ السيطرة على المدن الساحلية والموانئ، ودعم الكيانات الانفصالية لحفظ هذه المصالح الاستراتيجية.

 

وأضاف التحقيق، إلى أنه منذ دعم الإمارات إنشاء المجلس الانتقالي في جنوب اليمن، أسس رئيسه عيدروس الزبيدي، ونائبه هاني بن بريك، أسسا بتمويل إماراتي مكتبا للمجلس في واشنطن، بهدف التمثيل الرسمي للمجلس والتواصل مع الحكومة الأمريكية، والتعاقد مع شركات الضغط السياسي والعلاقات العامة، وكانت خطوات الإمارات في اليمن تنعكس على عمل المجلس الانتقالي.

 

وكشفت وثائق وزارة العدل التابعة لقانون «فارا» عن تعيين عبد السلام قاسم مسعد، مديرًا لمكتب الإدارة العامة للشؤون الخارجية للمجلس الانتقالي في أمريكا وكندا، في 8 يناير/ كانون الثاني 2018. ويعمل في المكتب أيضًا أحمد المثنى أمينًا للسر، وأحمد عاطف سكرتيرًا. وثلاثتهم يحملون الجنسية الأمريكية.

 

وافتُتح مكتب المجلس الانتقالي الجنوبي في العاصمة واشنطن رسميًا منتصف عام 2018، ويبعد عن البيت الأبيض 10 دقائق مشيًا على الأقدام، ويدفع المجلس – بأموالٍ إماراتية – 15 ألف دولار شهريًا مقابل تأجير المكتب، أي نحو 180 ألف دولار سنويًا.

 

وأنشأ المكتب موقعًا، وحسابًا على موقع "تويتر"، لينشر مستجدات الأنشطة والاجتماعات التي تخص المكتب، والبيانات الإعلامية الصادرة عنه. وينظم المكتب فعاليات للجالية الجنوبية اليمنية في الولايات المتحدة. ففي ما يسمى "عيد استقلال الجنوب"، اجتمعت مجموعة صغيرة من الجالية الموالية للمجلس للاحتفال بهذه الذكرى.

 

وأثناء افتتاح المكتب صرَّح مسعد قائلًا: "نأمل ونتوقع أنّ تكون هناك تطورات كثيرة جدًا في العلاقات بين المجلس الانتقالي والإدارة الأمريكية، وقريبًا جدًا سيحدث تغيُّر نوعي في هذه العلاقة".

 

وبعد تعيين عبدالسلام مسعد، تعاقد المكتب مع شركة "جراسروتس بوليتيكال للاستشارات – Grassroots Political Consulting”" في 1 يناير (كانون الثاني) 2018، مقابل خدمات ضغط سياسي في الكونجرس وحملات علاقات عامة، وفقاً لتحقيق ساسة بوست.

 

ووفقاً للتحقيق، فإن المدير التنفيذي لشركة "جراسروتس" هو دانيل فاراسي، الذي قدمت شركته سابقًا خدمات ضغط سياسي للجنرال الليبي خليفة حفتر. ولم يكن حساب تويتر الخاص بفاراسي ينشر أي تغريدات عن الشأن اليمني، ولكنّ منذ استئجار المجلس الانتقالي لشركته، أصبح يغرد عن أهمية وجود المجلس الانتقالي على طاولة المفاوضات، وبعد انتهاء علاقته مع المكتب توقَّف التغريد عن اليمن تمامًا.

 

وفي الأسبوع نفسه الذي تأسس فيه المكتب، ووسط جهود تحرير محافظة الحديدة من الحوثيين، أعلنت الإمارات عن عملية "الرعد الأحمر" في 14 مايو/ أيار 2018، للسيطرة على مديريتي الجراحي وزبيد في الحديدة، وجاء الهجوم ضمن إطار عمليات التحالف، وبمشاركة قوات جنوبية مثل ألوية العمالقة والتهامية.

 

وحسب تحقيق ساسة بوست، فإن اهتمام الإمارات في الحديدة، ناتج من أهمية الاستراتيجية التي تحتلها المدينة حيث تقع في منطقةٍ استراتيجية بسبب إطلالتها على البحر الأحمر، وقربها من خطوط الملاحة البحرية.

 

وخلال ثلاثة أسابيع، باتت الإمارات على وشك السيطرة على ميناء الحديدة، الذي كان هدفًا لها منذ بداية المعركة. لكنّ تحرك واستعجال الإمارات أقلق الحلفاء الدوليين من التبعات الإنسانية جراء العمليات العسكرية، مما جعل واشنطن توجه تحذيرًا مباشرًا للإمارات بعدم شن هجوم على الميناء.

 

في هذه الفترة، كان اللوبي الإماراتي في أمريكا يروج لمساعداته الإنسانية في الحديدة، وينشر مقالات إعلامية عن أهمية تحريرها من الحوثيين، بالتوازي، انضم مكتب الانتقالي في واشنطن إلى هذه الحملة، عندما نشر مسعد مقالة عن معركة الحديدة على موقع “ديفينس بوست» تحت عنوان: «بالنسبة إلى المقاومة الجنوبية في اليمن: المعركة القادمة هي معركة الاستقلال»، وقام المكتب بالترويج لهذه المقالة، التي تحدث مسعد فيها عن المعركة في الحديدة، وطالب الولايات المتحدة الاعتراف السياسي بالمجلس الانتقالي.

 

ولضرب عدو الإمارات الوجودي، روج المكتب لمقالة كتبها أمين صندوق المكتب أحمد مثنى عن ارتباط القاعدة بالحكومة اليمنية، بسبب العلاقات بين الحكومة وحزب الإصلاح المحسوب على الإخوان المسلمين.

 

وفي 25 سبتمبر/ أيلول 2018، نسَّقت شركة “جراسروتس” ندوة لمكتب الانتقالي، ودَعت لها وليد فارس خبير الأمن القومي ومستشار دونالد ترامب، الذي تحدَّث عن الحرب الأهلية في اليمن، ورؤيته للحلول الممكنة لإنهاء الأزمة، بينما تحدث مسعد عن رؤية المجلس الانتقالي للمشروع الجنوبي. ولإيجاد قاعة مناسبة، تواصلت الشركة مع موظفين في مكتب النائب الجمهوري جون روثفورد، طلبًا للمساعدة في اختيار غرفة مناسبة.

 

وسعيًا وراء الاعتراف الأمريكي، أرسل المكتب رسالة موجهًا للكونجرس يعرض فيها رؤية المجلس الانتقالي السياسية، وبعد الوصول إلى لحظة التوازن في الحديدة، لم تستطع الإمارات تحقيق مرادها، وتبين أنّ استراتيجية المفاجأة العسكرية لم تؤت ثمارها على أرض الواقع. وخضعت في النهاية للضغط الدولي وتوقفت عن العمليات العسكرية في الحديدة.

 

استمرت علاقة المجلس مع شركة «جراسروتس» حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) 2018، وبلغت المدفوعات 135 ألف.

 

ووسط مساعي المجلس الانتقالي لنيل اعتراف دولي يضعهم على طاولة المفاوضات حين تبدأ محادثات السلام، سجّل المجلس الانتقالي عقدًا مع منظمة “الدبلوماسي المستقل – Independent Diplomat”، في 30 سبتمبر (أيلول) 2018. وتُعرف المنظمة بدعمها للحركات الانفصالية في منطقة الشرق الأوسط، مثل جنوب السودان، والصحراء الغربية.

 

وقع العقد مقابل خدمات توفير المنظمة تدريبًا دبلوماسيًا للمجلس الانتقالي، مما يشمل الأساليب والأدوات في مجال التواصل الاستراتيجي، وتقديم استشارات في أي عملية تفاوضية للمجلس، كما تشبك المنظمة المجلس مع المنظمات المدنية والحقوقية، كما تقدم له «معلومات استخباراتية» بخصوص القضايا التي تهم المجلس، ويضف العقد مرافقة المنظمة رحلات المجلس في بعثاتها الدبلوماسية في الأمم المتحدة. تأتي كل تلك الخدمات ضمن دعم المجلس في سعيه لتحصيل «حقوق الجنوب المشروعة والحق في تقرير المصير،  وفقًا للتعاقد.

 

انسحاب الإمارات بعد معركة الحديدة

 

تكشف الوثائق التي نشرها تحقيق موقع “سياسة بوست”، تواصل المكتب الانتقالي مع موظفين في وزارة الخارجية الأمريكية، مثل ماريا دافيدينكو مسؤولة ملف اليمن، لينقل المكتب لهم رؤيتهم للمستجدات على أرض الواقع، خاصة في عدن.

 

وعلى مدار الأعوام الماضية، بمساعدة شركة جراسروتس كان المكتب يتواصل مع فانيسا دي بروين، وهي موظفة في قسم اليمن في وزارة الخارجية، وعملت قبلها مسؤولة ملف اليمن في البنتاجون، كل هذا بالطبع بمساعدة شركة جراسروتس.

 

وفي منتصف يونيو/ حزيران 2019، كان المكتب يحاول تنسيق اجتماع مع كريستوفر هينزيل السفير الأمريكي لليمن، ولكنّ فانيسا أخبرتهم بأنّ هينزيل سيلتقي مع قيادة المجلس في أبوظبي؛ عيدروس وابن بريك.

 

في 13 ديسمبر (كانون الأول) 2018، استطاع مبعوث الأمم المتحدة لليمن، مارتن جريفيث التوصل إلى هدنة بين الحكومة اليمنية والحوثيين فيما سمي «اتفاق الحديدة» أو «اتفاقية ستوكهولم». ومع بداية يناير (كانون الثاني) 2019، نُشرت قوات تابعة للأمم المتحدة في المدينة لدعم الاتفاق، ما دفع المجلس الانتقالي إلى سحب قواته التي كانت مشاركة في معركة الحديدة إلى العاصمة المؤقتة عدن لزيادة تأمينها في منتصف عام 2019. وبعد اتفاقية ستوكهولم بأشهر قليلة، في يوليو (تموز) 2019، أعلنت الإمارات سحب قواتها من الحرب في اليمن.

 

وحلل البعض هذا الانسحاب على أنّه تغير في استراتيجية الإمارات من المواجهة العسكرية المباشرة إلى الحرب بالوكالة، وحفظ ما تبقى من نفوذٍ على الأرض. ولا شك أنّ إحدى الأسباب الرئيسية لهذا لإعلان، كان الضغط الدولي، وقرارات الكونجرس التي تدين الدعم الأمريكي للحرب في اليمن.

 

وكانت كل خطوات الإمارات تنعكس على عمل المجلس الانتقالي. ففي أغسطس (آب) 2019، جاءت معركة الحسم في عدن، عندما أعلن عن التمرد ضد قوات الحكومة اليمنية في العاصمة اليمنية المؤقتة، مدينة عدن. واندلعت الاشتباكات بين قوات الجانبين وانتهت المعركة بسيطرة المجلس الانتقالي على مدينة عدن.

 

وشارك أحمد، السكرتير في المكتب، أخبار المظاهرات التي اندلعت في عدن نهاية عام 2019 مع بعض الموظفين، وطلب استصدار تأشيرات للقيادة في مجلس الانتقالي في اليمن.

 

وفي الشهر نفسه، أرسل المجلس الانتقالي الجنوبي رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، ووزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، يدعو فيها لحل مستدام للأوضاع في الجنوب. وأرسل المكتب نسخة إلى ماريا بولا راموس، من مكتب النائب الجمهوري ماركو روبيو، وإلى كريستين سامويليان، التي عملت في مجلس الأمن الوطني بالبيت الأبيض مساعدةً لجون بولتون.

 

في نوفمبر/ تشرين الثاني، وقعت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي اتفاق الرياض، لإنهاء النزاع المسلح في اليمن، وانتهى الحال بسيطرة المجلس الانتقالي على عدن، وأجزاء من محافظتي شبوة وأبين.

 

نشاط مكتب الانتقالي بعد اتفاق الرياض

 

بعد اتفاق الرياض، لم تتغير الأوضاع كثيرًا على الأرض، وظل المجلس الانتقالي يسعى في مساره الانفصالي، واستمرت جهود الضغط لهذا الهدف. سجلت الوثائق حضور المكتب لبعض الندوات التي نظمها معهد واشنطن، ونشر مدير المكتب عبد السلام مسعد على موقع المعهد مقالة يتحدث فيها عن رؤية المجلس لاستقلال جنوب اليمن.

 

وخلال النصف الأول من عام 2020، تواصل المكتب مع عدة شيوخ في الكونجرس، أبرزهم السيناتور الجمهوري ماركو روبيو، الرئيس المؤقت للجنة الاستخبارات. وتواصل المكتب مع السيناتور الجمهوري ريتشارد شيلبي، رئيس لجنة المخصصات وعضو لجنة القواعد. وكان روبيو وشيلبي من الشيوخ الذين عارضوا قرارات سحب القوات الأمريكية من التحالف السعودي في اليمن.

 

ي يناير (كانون الثاني) 2020، تواصل المكتب مع الصحافي جاريد سزوبا من جريدة «ديفينس بوست» لطلب لقاء لنقاش الأوضاع في اليمن. وانتقل سزوبا مؤخرًا للعمل في موقع الموينتور المهتم بأخبار الشرق الأوسط، ويكتب بشكل دوري عن الأوضاع في اليمن، ويستخدم مصادر من المجلس الانتقالي.

 

نسقت منظمة الدبلوماسي المستقل للمجلس اجتماعات افتراضية مع منظمات غير حكومية، عن المجلس الانتقالي ورؤيته للأوضاع في اليمن، وتواصلت المنظمة مع بيتير بيلربيك، محلل سياسات بلجنة الخارجية مجلس النواب.

 

وفي أبريل (نيسان) 2020، عبر وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن قلقه جراء إعلان المجلس الانتقال الجنوبي إقامة «الحكم الذاتي» في الجنوب، وطالب المجلس بالانخراط في العملية السياسية وفق اتفاق الرياض. وعبر المجلس الانتقالي عن أنّ الحكومة اليمنية أصبحت غير شرعية، وفي أغسطس/ آب الماضي، علق المجلس الانتقالي مشاركته في اتفاق الرياض.

 

لكن الحكومة السعودية جددت مساعي إنجاح الاتفاق في ديسمبر/ كانون الأول 2020، فيما يبدو استعدادًا للضغط الذي سيجلبه الرئيس الأمريكي الجديد لحل الأزمة اليمنية.


مشاركة

كلمات مفتاحية

التعليقات