تصاعدت وتيرة التهديدات المتبادلة بين الحكومة اليمنية وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، عقب الهجوم الحوثي الذي استهدف ميناءين لتصدير النفط اليمني الخام (في شبوة وحضرموت)، الأسبوع الماضي، في أول تصعيد عسكري لافت ينهي حالة الهدوء في البلاد بعد ثلاثة أسابيع من انتهاء الهدنة الأممية، في ظل دخول الحرب خلال الفترة المقبلة، مساراً جديداً من التصعيد بسيناريوهات متعددة.
وتأتي حالة التصعيد لتعيد ملف الحرب اليمنية إلى الواجهة، وهذه المرة تسير في سياق تهديدات سابقة للحوثيين باستهداف منشآت النفط في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وفي السعودية والإمارات، إذا لم تُنفذ شروطهم لتمديد الهدنة. وتتضمن هذه الشروط صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم، وتقاسم عائدات النفط والغاز، ضمن استغلال الحوثيين للحاجة الدولية والإقليمية لمنع أي تهديد لمنشآت النفط، في ظل أزمة الطاقة التي يشهدها العالم.
وتعثرت الجهود الدبلوماسية لتمديد الهدنة الأممية المنتهية في 2 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بسبب إصرار الحوثيين على الحصول على ضمانات وآلية تنفيذية لصرف الرواتب بمناطق سيطرتهم، على الرغم من أن تلك المفاوضات اتجهت لتكون ثنائية بين الحوثيين والسعودية بوساطة عمانية خلال الأيام الماضية وتمضي بسرية، ولم تعرف نتائجها.
وفي ظل حالة الجمود السياسي لتمديد الهدنة، أعلن الحوثيون يوم الجمعة الماضي، شنّ هجوم على ميناء الضبة في حضرموت (شرق اليمن)، تنفيذاً لتهديدات سابقة بمنع تصدير النفط الخام الذي يعتبرونه "نهباً لثروة اليمنيين". وقال مصدر حكومي لـ"العربي الجديد"، إن هناك توقفاً مؤقتاً في تصدير النفط من محافظتي شبوة وحضرموت، بسبب المخاوف الأمنية من استهداف الحوثيين للناقلات.
إجراءات تصعيدية وتهديدات
ورداً على الهجوم الحوثي، أعلن مجلس القيادة الرئاسي اليمني، اتخاذ قرارات وصفها بـ"الحازمة لردع الاعتداءات"، ومن ضمنها تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية. ووجّه المجلس الحكومة اليمنية، بالتنفيذ الفوري لهذه القرارات، وفق ما ذكر أنها "خطة دفاعية ودبلوماسية واقتصادية مزمنة لحماية مصالح الشعب اليمني، وإفشال المحاولات التخريبية للمشروع الإيراني". ولوّح المجلس بالانسحاب من اتفاق الهدنة المنتهية واتفاق استوكهولم، وفق ما نقلت وكالة "سبأ" الحكومية.
وخلال اليومين الماضيين، تحركت الدبلوماسية للحكومة اليمنية في اتصالات مكثفة مع عدد من سفراء الدول الغربية والعربية ومسؤولي الأمم المتحدة، لإطلاعهم على خطوة الهجوم الحوثي وتداعياته على الملاحة الدولية والاقتصاد وأمن المنطقة واستقرارها. وطالبت الحكومة بموقف رادع ضد جماعة الحوثيين وضغوط فعلية على إيران الداعمة لهم، وفق تصريحات متفرقة لوزير الخارجية اليمني، أحمد عوض بن مبارك.
ولاقى الهجوم الحوثي إدانات دولية وعربية واسعة. وقالت جامعة الدول العربية، إن الهجوم الحوثي "استهتار وتحدّ للجهود الدولية الرامية إلى تجديد تمديد الهدنة". واعتبره المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، "تصعيداً عسكرياً مقلقاً للغاية". كما أشارت بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن، إلى أنه "تهديد صارخ وغير مقبول للتجارة البحرية الدولية"، في حين قالت السفارة الأميركية في اليمن: "نذكّر الحوثيين بأن العالم يراقب أفعالهم، وأن الطريق الوحيد هو خفض التصعيد ومضاعفة جهود التسوية السياسية التفاوضية".
وتعليقاً على تلك الإدانات، قال القيادي في جماعة الحوثيين، محمد البخيتي، إن العملية الأخيرة "كانت تحذيرية للسفينة المكلفة بسرقة نفط اليمن ولا تستهدف الميناء، والعملية المقبلة ستكون في السفينة نفسها حتى توقف (...) نهب ثرواتنا ويتم تخصيصها للمرتبات والخدمات، وأي تصعيد (..) سيواجه بالمثل بحراً وبرّاً".
وأضاف البخيتي، في تغريدات على حسابه في موقع "تويتر": "إذا كان القانون الدولي يبيح قتل اليمنيين وحصارهم ونهب ثرواتهم، فإننا نضع القانون الدولي تحت أقدامنا، كما سبق وفعلنا مع قرارات مجلس الأمن الدولي وإدانات ما يسمى بالمجتمع الدولي، ونمضي قدماً في ممارسة حق الدفاع عن النفس، وقد أعذر من أنذر".
من جهته، اعتبر وزير الخارجية في حكومة الحوثيين غير المعترف بها، هشام شرف، أن "رسالة التحذير ما هي إلا خطوة قابلة للتصعيد، ولن نقف مكتوفي الأيدي إزاء استمرار نهب ثروات الشعب اليمني"، في إشارة إلى تصدير النفط الخام من قبل الحكومة اليمنية.
وقال شرف في تصريح نقلته وسائل إعلام الحوثيين: "نمد أيدينا للسلام العادل، ومستعدون لتجديد الهدنة إذا كانت بهدف تهيئة الظروف للوصول إلى تسوية سياسية شاملة من خلال إنهاء العدوان ورفع الحصار الشامل، بما في ذلك دفع مرتبات موظفي الدولة من دون استثناء".
ماذا يعني تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية؟
أعلن المجلس الرئاسي اليمني تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، والتي جاءت امتداداً لدعوة سعودية إلى المجتمع الدولي في جلسة مجلس الأمن الدولي يوم الخميس 13 أكتوبر/تشرين الأول الحالي، بإعادة النظر في تصنيف الجماعة إرهابية، بعدما أعلنته إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في آخر أيامه في البيت الأبيض، قبل أن يلغيه الرئيس الحالي جو بايدن.
وعلى الرغم من حالة التفكك في الشرعية اليمنية والمعسكر المناهض لجماعة الحوثيين، إلا أن محللين مقربين من الحكومة اليمنية، يرون أن سيناريو التصعيد العسكري ضد الحوثيين قد يكون من ضمن الخيارات المطروحة، وربما استجابة للضغوط التي تصف الحكومة بأنها قدّمت تنازلات كثيرة وخسرت أوراق القوة في الحرب عندما توقفت عن الهجوم العسكري وتغيير واقع السيطرة على الأرض.
وقال رئيس مركز "أبعاد" للدراسات عبد السلام محمد، إن "تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية هو من أجل توسيع قانونية أي عملية عسكرية بحيث تأخذ بُعداً دولياً وإقليمياً، ويمكن للحكومة اليمنية طلب دعم دولي بأسلحة نوعية وتقنيات حديثة وحتى معلومات استخبارية ضمن اتفاقيات مكافحة الإرهاب".
وأضاف محمد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن هذا القرار مفترض أن ينهي أي عمليات تفاوض مع الحوثيين، ويغلق عليهم منافذ التمويل عبر المنظمات التي تعمل في مناطق سيطرتهم، بالإضافة إلى منع أي تواصل دولي معهم، خصوصاً أن بعض الدول كانت تخطط لفتح مكاتب لها في صنعاء.
وعن الأبعاد الدولية والإقليمية للقرار، قال عبد السلام: "كانت السعودية تطلب من بايدن إعادة تصنيف الحوثيين كجماعة إرهابية قبل الانتخابات النصفية، لكنه استغل ذلك لمطالب أخرى بالإضافة إلى تلميحات إيرانية بتسبّب السعودية في إفشال الاتفاق النووي". وتابع: "هذا جعل السعودية تتقدّم خطوة للأمام بالسماح للحكومة اليمنية بالتصرف وتصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، خصوصاً بعد رفضهم تمديد الهدنة ومحاولاتهم تحقيق مطالب مالية قد تجعلهم قوة اقتصادية تهدد أمن الإقليم والمجتمع الدولي".
واعتبر رئيس مركز "أبعاد" للدراسات أن "الحوثي ليست لديه القدرة لمواجهة كل هذه التداعيات، إلا أنه قد يستجيب لهدنة مؤقتة جديدة وتجميد هذا القرار، وإلا فإنه سيضطر لدخول المواجهة. وفي المحصلة، فإن الميدان يحدد من الطرف الأكثر تفوقاً باستخدام عوامل القوة، واستغلال عوامل الضعف، وبذلك تكون النتيجة لصالحه".
أهداف الحوثيين من الهجمات
في المقابل، يرى الحوثيون أن أهدافهم ومطالبهم واضحة من العملية التي أسموها بـ"الضربة التحذيرية"، ويضعون عدداً من السيناريوهات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، لمواجهة الضغط الدولي وردّ فعل الحكومة اليمنية والتحالف الذي تقوده السعودية، بعد مبادرتهم في البدء بالتصعيد العسكري.
وقال المحلل السياسي طالب الحسني، إن "الضربة التحذيرية ستقدم ثلاث نتائج استراتيجية: أولاً منع استمرار تمويل حكومة رشاد العليمي (رئيس مجلس القيادة الرئاسي) من إيرادات النفط والغاز، خصوصاً مع ارتفاع أسعار الطاقة، وبالتالي خلق مزيد من الضغط للتسليم أو على الأقل تقاسم الإيرادات ودفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين، وهذا يسرع في تمديد الهدنة".
وأضاف الحسني، في حديث مع "العربي الجديد"، أن صنعاء (أي الحوثيين) "ستنتقل إلى خطوة أخرى إذا لم يتم تمديد الهدنة، وتتعلق باستهداف أي تواجد عسكري أجنبي جنوب البلاد، وهذا يعطيها زخماً شعبياً كطرف رئيسي معني بكل أراضي اليمن".
أما السيناريو الثالث، بحسب الحسني، فهو "توجيه ضربة لمشروع تقسيم البلاد ومشروع التشطير، وسيمنع هذا المشروع بالقوة العسكرية، ومعركة التحرير حتمية". وتابع: "ربما تواجه هذه الخطوة بالتلويح بتصنيف حركة أنصار الله (الحوثيين) كمنظمة إرهابية أجنبية، ولكن هذا الموضوع يؤثر عليه التوتر السعودي الأميركي على خلفية قرار أوبك (خفض إنتاج النفط)".
مفاوضات ثنائية
وخلال الأسابيع الماضية ومنذ انتهاء الهدنة، يجري المبعوثان الأممي والأميركي إلى اليمن، هانس غروندبرغ وتيموثي ليندركينغ، محادثات من أجل تمديد الهدنة، بالتوازي مع ذلك تجرى مفاوضات غير معلنة بوساطة عُمانية بين السعودية والحوثيين، ونتج عنها تبادل للزيارات للتأكد من الأسرى لتنفيذ صفقة التبادل. وعلى الرغم من أن الحوثيين نفوا أن تكون الزيارات لها علاقة بالتفاوض السياسي، إلا أن المتحدث باسم التحالف تركي المالكي قال إنها من ضمن جهود تمديد الهدنة.
ولم تُكشَف أي تفاصيل عن تلك المحادثات الثنائية خلال الأيام الماضية، إلا أن تصعيد الحوثيين العسكري يكشف عن احتمال أن تكون جزءاً من الضغط لتحريك الملفات المعقدة التي يجري التباحث عليها بسرية، والتي لا يعرف في العادة على الفور طبيعتها أو الصفقات التي يتم الاتفاق عليها من أطراف التفاوض.
ورأى الباحث اليمني عبد الغني الارياني "أن هذا التصعيد يبيّن أن أنصار الله (الحوثيين) قد قرروا إنهاء الحرب بصفقة مع السعودية ستؤدي إلى تفكيك الدولة اليمنية". وقال، في حديث مع "العربي الجديد": "لم يعد هناك مجال لاستمرار الحرب بمستوى يمكن تحمّله، كما كان الحال منذ انهيار محادثات الكويت في 2016"، وأضاف بالقول: "هذه ساعة الحسم، وغالبية اليمنيين مغيبون فيها".
التعليقات