تشهد منظومة الحكم في الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا في اليمن انهيارات متتالية، خاصة في الفترة الأخيرة التي هندس فيها التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات، الإطاحة بالرئيس السابق عبدربه منصور هادي، واستبداله بمجلس القيادة الرئاسي المكون من 8 أعضاء برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي، وعضوية عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ذو التوجه الانفصالي برعاية دولة الإمارات.
ومنذ الثاني من نيسان/ابريل الماضي وهذا المجلس الذي نجح بالإطاحة بالرئيس السابق هادي، يشهد انهيارات يومية في صف الحكومة الشرعية، لصالح التوجه الانفصالي في البلاد، الذي يقوده المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يفترض أنه أصبح جزءا من السلطة الشرعية، بعد تشكيل المجلس الرئاسي، بالإضافة إلى تزامن ذلك مع استقرار الوضع السياسي والعسكري لدى الانقلابيين الحوثيين، منذ بدء سريان الهدنة الإنسانية التي ترعاها ودعت إليها الأمم المتحدة بالتزامن مع بدء تشكل المجلس الرئاسي.
وعلى الرغم من البداية المبشرة، مع تشكيل المجلس الرئاسي، التي أغلقت عهد الرئيس هادي الذي امتد لعقد من الزمن، شهد فيه انهيار الدولة، إثر عجزه عن إدارة الدولة وانقلاب الحوثيين على سلطته، انفرط عقد مجلس القيادة الرئاسي تدريجيا، مع تصاعد الخلافات السياسية بين أعضائه الثمانية المتشاكسون والذين يمثلون مختلف القوى السياسية والعسكرية في جبهات الشرعية.
واضطر أعضاء المجلس الرئاسي إلى مغادرة العاصمة المؤقتة عدن، واحدا بعد الآخر، وآخرهم الرئيس رشاد العليمي، فيما بقي فيها عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي، والذي هو رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بعد أن منحه العليمي صلاحيات سياسية ومالية واسعة تهيمن على كافة مقدرات الدولة، وأصبح الزبيدي حاليا يدير الأمور في عدن وكأنه الرئيس الفعلي في الحكومة الشرعية.
ومنذ منتصف الشهر المنصرم، أصبح الزبيدي هو الحاكم الفعلي للجنوب اليمني، كدولة انفصالية غير معلنة، ويعقد اجتماعاته الرسمية تحت العلم الانفصالي للجنوب، بينما الرئيس رشاد العليمي، الذي ينتمي إلى الشمال، أصبح في وضع وكأنه «تحت الإقامة الجبرية» في السعودية، كما كان يعيش هذا الوضع عندما كان في العاصمة الحكومية المؤقتة عدن قبل مغاردتها منتصف الشهر المنصرم، فارا من قبضة الانتقالي الجنوبي العسكرية، التي تسيطر على محافظة عدن وعلى أغلب المحافظات الجنوبية.
وغاب الرئيس العليمي تماما عن المشهد السياسي اليمني، في الوقت الذي طغى فيه الحضور اليومي للزبيدي، والذي استغل غياب الرئيس العليمي ليملأ الفراغ المقصود في السلطة، بنشاطه السياسي والعسكري والأمني في العاصمة عدن، والتي يلتقي فيها يوميا بكبار مسؤولي الدولة من وزراء ومسؤولي مؤسسات وجهات حكومية، بصفتة الحكومية والانفصالية على حد سواء.
وبدون أدنى شك أصبح هذا الوضع السياسي البائس، الذي آلت إليه الأمور بقوة في اليمن، يخدم الانقلابيين الحوثيين، الذين تنمّروا على الحكومة الشرعية وعلى التحالف العربي، الذين أبدوا مرونة كبيرة مع الحوثيين أثناء الموافقة على الهدنة الإنسانية، برعاية الأمم المتحدة، بهدف وقف مؤقت لإطلاق النار ومحاولة التوصل إلى حل نهائي نحو إغلاق ملف الحرب في اليمن في أقرب وقت ممكن.
وعلى الرغم من استجابة الحكومة الشرعية والتحالف العربي، لكافة المطالب الحوثية، التي تمحورت حول إعادة فتح مطار صنعاء أمام الرحلات الجوية التجارية، والسماح بدخول سفن الوقود عبر ميناء الحديدة، وتسيطر عليهما جماعة الحوثي، ما زال الحوثيون يرفضون الموافقة على رفع حصارهم لمدينة تعز، ويرفضون فتح الطرق الرئيسية إليها، على الرغم من أن هذا البند كان هو الشرط الأساسي المطلوب منهم مقابل الاستجابة لمطالبهم، واستغلوا مؤخرا الهدنة القائمة وانهيار منظومة الحكومة الشرعية، بالاستعدادات العسكرية الواسعة، وإجراء العروض العسكرية الكبيرة، في العديد من المدن التي تقع تحت سيطرتهم، في رسالة تمرد واضحة للحكومة الشرعية وللتحالف العربي وللأمم المتحدة، التي تمردت على كافة الاتفاقات معها، وآخرها تنصلهم من بنود اتفاق الهدنة الإنسانية الراهنة.
إلى ذلك قال الكاتب الصحافي الجنوبي فتحي بن لزرق في منشور له في حسابه بموقع التدوين المصغر «تويتر» في تعليقه على العروض العسكرية الحوثية إن «إعلان الحوثيين دمج اللجان الشعبية بالجيش (الحوثي) وعملية لم شتات القوى المتصارعة جنوباً تحت مظلة واحدة كلها إجراءات تؤكد ان القوى الدولية المتحكمة بالملف اليمني تسعى لإنهاء الحرب وأنها اتفقت على ذلك». موضحا أنه لم يتبق من هذا المشروع سوى «اظهار مشروع التسوية النهائية للحرب والذي سيكون ظاهراً للعلن قريباً».
وكانت جماعة الحوثي نظّمت عرضا عسكريا غير مسبوق في مدينة الحديدة، غربي البلاد، لميليشياتها المسلحة تحت مسمى قوات المنطقة العسكرية الخامسة وألوية النصر والقوات البحرية والجوية، حشدت فيه الآلاف من عناصرها من مختلف المناطق الواقعة تحت سيطرتها بالزي العسكري فضلا عن استعراض عشرات الآليات العسكرية والطائرات المسيرة التي شاركت في هذا العرض العسكري.
التعليقات