الخبر من عمق المحيط

ثقب الانقسام يبتلع موارد اليمن: تجار الحرب ينشطون

ثقب الانقسام يبتلع موارد اليمن: تجار الحرب ينشطون
سقطرى بوست -  العربي الجديد - محمد راجح الثلاثاء, 12 أبريل, 2022 - 12:17 صباحاً

في الوقت الذي تتسارع فيه التحركات والاتفاقيات والحلول السياسية في اليمن، وأهمها تشكيل مجلس قيادة رئاسي مكون من سبعة أعضاء، يظل الملف الاقتصادي يراوح مكانه مع تفاقم أزماته بصورة تفوق قدرات وخطط مواجهتها، التي لم تحقق أي أثر للتخفيف من وطأتها على اليمنيين.

 

 

وتطلّب الأمر تغيير السلطة وإطاحة الرئيس الشرعي المعترف به، عبد ربه منصور هادي، ونائبه علي محسن الأحمر، لمنح اليمن مساعدة بوديعة مالية تقدر بنحو 3 مليارات دولار مقدمة من السعودية والإمارات بواقع ملياري دولار من الرياض ومليار دولار من أبوظبي، فيما تظل عملية استيعابها وتخصيصها والطريقة التي ستتاح بها لاستخدامها من قبل البنك المركزي اليمني مجهولة حتى الآن.

 

 

الأزمة أكبر من الوديعة

 

حسب مراقبين، فإن مشكلة اليمن أعمق من أن تُحَلّ بوديعة مالية، رغم أهميتها بالنظر إلى نفاد الاحتياطي النقدي من البنك المركزي الذي نُقل إلى عدن في سبتمبر/ أيلول من عام 2016.

 

وأكد خبراء اقتصاد لـ"العربي الجديد" أن الثقب الأسود للانقسام سيزداد اتساعاً والاقتصاد المجزأ بين أطراف الحرب التي تبلع كل الموارد المتاحة في البلاد سيتواصل، فيما لا تزال الهوة متسعة بين طرفي الحرب اللذين يتقاسمان المؤسسات المالية والإيرادات العامة مع تصدر الملف الاقتصادي واجهة الصراع في اليمن بشكل رئيسي منذ نحو ثلاث سنوات.

 

وفي المقابل، تقدر تقارير رسمية تكلفة إعادة الإعمار التي تحتاجها اليمن بنحو 120 مليار دولار.

 

ويرى الخبير الاقتصادي ونائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق، مطهر العباسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الحلول يجب أن تركز على الجانب الاقتصادي كمدخل رئيسي لإيقاف الحرب وإحلال السلام في اليمن، بالنظر إلى ما خلفه الصراع من تركة ثقيلة في الاقتصاد المنهار والمجزأ بين طرفي الحرب.

 

 

مخاطر متزايدة

 

 

ينتهج كل طرف سياسات وإجراءات مالية ونقدية وتجارية مناقضة للآخر، فالحكومة اليمنية تتبع سياسات مالية ونقدية غير منضبطة من طريق الإمعان في تمويل نفقاتها بالإصدار النقدي المتتابع، نتج منه تدهور مفزع في قيمة العملة الوطنية وتقلبات في سعر الصرف، مما زاد من المخاطر وعدم اليقين لدى القطاع الخاص المستثمر.

 

 

بينما تنتهج سلطة صنعاء سياسات مالية انكماشية قائمة على فرض الضرائب والزكاة بأضعاف مضاعفة وجباية جمارك إضافية وإتاوات ورسوم أخرى، وكلها عوامل خانقة للقطاع الخاص ويتحمل أعباءها في عموم المحافظات المواطن المسكين.

 

 

ويشير العباسي إلى تبعات الحرب وتكلفتها الثقيلة على القطاع المالي والمصرفي ومعاناة البنوك من ضعف الملاءة المالية والقروض المتعثرة وانكشاف حساباتها مع البنوك المراسلة بالخارج.

 

 

وفي الوقت الذي تعيش فيه العملة المحلية حالة اضطراب متواصلة، يتولى قطاع الصرافة مهام البنوك في كل المعاملات المصرفية التي بعضها من صميم أعمال البنوك مثل الإيداع والائتمان وتسهيل تمويل التجارة الخارجية والاستيراد، حسب العباسي.

 

 

تجار الحروب

 

لم تتطرق مخرجات مشاورات الرياض إلى كيفية التعامل خلال الفترة القادمة مع الخراب الاقتصادي الذي خلفه الصراع الدائر في اليمن والتدمير الذي لحق بمشاريع البنية التحتية من كهرباء ومياه وطرقات وجسور واتصالات وموانئ ومطارات، ومرافق التعليم والصحة. واكتفت بإعلان تشكيل لجنة اقتصادية لم تُحدَّد مهامها في مواجهة الأزمات الاقتصادية التي عصفت باليمنيين.

 

 

وفي هذا السياق، قال الباحث الاقتصادي عصام مقبل، لـ"العربي الجديد"، إن جميع الأطراف والمكونات السياسية عبارة عن تجار حروب يبحثون كثيراً عن مصالحهم، كما لاحظ الجميع في مشاورات الرياض أو في الاتفاقيات الثنائية المبرمة مع الحوثيين.

 

وأضاف أن أهم قضية لم يتطرق إليها أحد، ولم يهتم بها أي طرف، وهي المتمثلة بمرتبات الموظفين، إذ يجب أن تتصدر أي مباحثات سلام بين جميع الأطراف كمبادرة حسن نية تشعر اليمنيين بأن معاناتهم والتخفيف عنها ذات أولوية في أي مشاورات أو اتفاقيات يجري العمل عليها كما حدث في اتفاقية "الهدنة الإنسانية".

 

 

وعلى الرغم من مرور نحو أسبوع على الهدنة والسماح بمرور سفن الوقود إلى ميناء الحديدة غربي اليمن الخاضع لسيطرة الحوثيين، إلا أنّ الأزمة مستمرة وأسعار السوق السوداء انتقلت إلى محطات التعبئة التي تبيع الصفيحة الواحدة من البنزين بنحو 16 ألف ريال في صنعاء، و20 ألف ريال في عدن.

 

 

فيما يعمّ الاضطراب سوق صرف العملة المحلية التي عادت لتقترب من حاجز 1000 ريال للدولار الواحد في عدن ومناطق سيطرة الحكومة اليمنية بعد ارتفاع مفاجئ عقب إعلان تشكيل مجلس القيادة الرئاسي إلى أقل من 800 ريال للدولار الواحد، بينما يشهد سوق صرف الريال تحركاً وتغيراً نادراً منذ مطلع إبريل/ نيسان في صنعاء ومناطق نفوذ الحوثيين، مع وصول سعر صرف الدولار إلى ما يناهز 565 ريالاً.

 

 

توقعات بعودة العملة للتهاوي

 

 

يرجّح الخبير المصرفي محمود السهمي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "تعاود العملة المحلية عملية انهيارها بوتيرة أشد وأقسى حتى مع إعلان المساعدات المالية، لأن الوضع في السوق المصرفية اليمنية غير طبيعي ومضطرب كما يلاحظ الجميع في كيفية تحسنه المفاجئ بشكل كبير مع الإعلان عن الهدنة ومن ثم مخرجات مشاورات الرياض، وخلال ساعات يعود تدريجاً إلى وضعيته السابقة المضطربة والمتصاعدة".

 

 

ويرى السهمي أنه لا جدوى من أي حلول أو إصلاحات اقتصادية أو مساعدات مالية ما لم تحل المعضلة الرئيسية المتمثلة بالانقسام المالي في العملة والمؤسسات والإيرادات، وغير ذلك فإن ثقب الانقسام ومنافذ التربح والتكسب والهدر التي أوجدها سيستمر في ابتلاع كل الخطط الإصلاحية والجهود والحلول المحدودة لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي تعصف باليمن.

 

 

كذلك سبّب هذا الوضع وتداعيات الحرب تدمير فرص الاستثمار للقطاع الخاص وإيجاد بيئة طاردة ورؤوس الأموال والمستثمرين وغلق الآلاف من المشاريع الاستثمارية، والإضرار البالغ بفرص التشغيل للشباب وسوء حدة البطالة وتدهور مستوى معيشة العاملين في تلك المجالات والمشاريع وفقدان الدخل من قبل شريحة واسعة من السكان في اليمن.

 

 

وحسب مراقبين، يحتل مركزاً متأخراً في مؤشرات التنمية البشرية العالمية، ويُصنَّف ضمن قائمة الدول منخفضة التنمية ويحتل المركز الـ 168 من بين 188 دولة، وفقاً لتقرير التنمية البشرية العالمي 2016.

 

 

وحسب تقديرات سابقة لوزارة التخطيط والتعاون الدولي اليمنية، قدرت الخسائر المباشرة التي لحقت بالاقتصاد في الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو سبع سنوات، بحوالى 90 مليار دولار، وهذه التقديرات هي للخسائر المباشرة في الناتج المحلي اليمني، فضلاً عن الخسائر الناتجة من تدمير أجزاء كبيرة من البنية التحتية بسبب الحرب.

 

وقال البنك الدولي في بيان يوليو/ تموز الماضي إن اليمن "البلد الأشد فقراً في قائمة البنك الدولي لبلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، يشهد أسوأ أزمة إنسانية في العالم منذ عام 2015 بسبب الصراع".

 

 

ويواجه اليمن ضغوطا وصعوبات مالية واقتصادية غير مسبوقة ناتجة من ارتدادات الحرب الأهلية المدمرة على الاقتصاد، وتراجع عائدات النفط التي تشكل 70 بالمئة من إيرادات البلاد، وتوقف الاستثمارات الأجنبية وعائدات السياحة.

 

 

وحسب بيانات رسمية، سجل قطاع النفط والغاز أعلى انكماش تراكمي بلغ نحو 80.1% نتيجة توقف صادراته، فيما تفاقم وضع المالية العامة مع توقف النفقات الاجتماعية والتنموية، بما في ذلك مرتبات موظفي الدولة ونفقات التشغيل، مع تعطل العائدات المالية من مختلف القطاعات وتعليق دعم المانحين للموازنة وانكماش الإيرادات الضريبية.

 

 


مشاركة

كلمات مفتاحية

التعليقات