يعمل الآلاف في اليمن بما يشبه "السخرة" (عُمال اليومية)، يخضعون لساعات عمل طويلة ويصرفون تعسفياً من دون أي تعويض، تتناقص أجورهم بحيث لا تغطي التكاليف المعيشية الأساسية، ويُجبرون على القبول بأعمال قاسية، ولا يخضعون للتغطية الصحية ولا حتى لمقتضيات تأمين سلامتهم في مكان العمل.
هي الحرب، تُجير العمال على القبول بشروط عمل لا تحتمل، وتزيد من بطش أصحاب المال. ويتحدث الكثير من العمال عن تزايد عمليات الاستغلال بأشكاله المتعددة.
أما مبررات أصحاب العمل فتدور حول تأثير تبعات الحرب والصراع على قطاعات الأعمال، من بينها الخسائر التي يتكبدونها، ما يدفعهم إلى تغيير سياسات العمل المعتادة.
ويبرز عمال البناء والمطاعم والعاملون في القطاع الزراعي والصناعي ومشاريع الأشغال العامة، في طليعة الأيدي العاملة التي تتعرض للاضطهاد والمعاناة ومشقة الأعمال التي يقومون بها مقابل أجور زهيدة.
ظروف مأساوية
يشرح محمد عوفان رئيس جمعية الطهاة اليمنيين لـ"العربي الجديد"، ما تواجهه فئة عمالية كبيرة في اليمن والمتمثلة بعمال المطاعم من ظروف مأساوية، زادت أخيراً بشكل كبير من دون أن يلتفت أحد ليطلع على حجم المأساة التي يتعرضون لها والتي يضطرون للصمت وعدم البوح بها لحاجتهم للعمل وإعالة أسرهم. وهو وضع عام يشمل الكثير من عمال الأجر اليومي في مختلف قطاعات الأعمال.
ويشير عوفان إلى معاناة عمال المغاسل في المطاعم من أمراض الحساسية والتشققات في الأيدي والأقدام بسبب العمل المستمر في تنظيف الصحون والقدور بالمنظفات الكيميائية، إضافة إلى معاناة معظم العمال من العمل المتواصل على مدار الأسبوع في ورديتين صباحية ومسائية.
يضيف: "حتى أن البعض لا يرى أطفاله إلا يوماً أو يومين في الشهر وغالباً في حال المرض، لأن أصحاب المطاعم بغالبيتهم لا يسمحون للعامل بالحصول على إجازة للراحة، وحتى إذا أخذ إجازة فلا يستطيع توفير مبلغ جيد للترفيه عن أطفاله على أقل تقدير يوم في الأسبوع".
ويتحجج بعض ملاك المطاعم بارتفاع أسعار المواد الخام أو مواد التشغيل مثل الغاز والمواد الغذائية والزيوت، ما يدفعهم إلى مضاعفة ساعات العمل وخفض الأجور، كما يوضح رئيس جمعية الطهاة اليمنيين، ويرى أن على الجهات المختصة أن تضع حلا لهذه الإشكاليات لما فيه خدمة المجتمع وشريحة العاملين في المطاعم بشكل خاص، لأن معظم العمال غير متعلمين ولا يملكون سوى هذه المهنة التي يتقنونها ويقتاتون منها.
وتطالب جمعية الطهاة اليمنيين الجهات ذات الاختصاص إلزام ملاك المطاعم و"البوفيهات" بتحرير عقود عمل ذات صيغة محددة، بحيث لا تكون مجحفة بحق العاملين ولا بحق ملاك المطاعم و"البوفيهات".
وتحدد هذه العقود الفترة التجريبية للعمل، ومن ثم يتم تجديد العقد، بحيث يتضمن منح إجازات أسبوعية وشهرية وسنوية للعاملين وتأمينهم صحياً من الإصابات والأمراض التي يتعرضون لها بسبب عملهم.
أعمال شاقة
مازن نصر هو عامل بالأجر اليومي في قطاع النقل بميناء عدن يصف في حديثه لـ"العربي الجديد"، الوضع الراهن بالأصعب منذ بداية الحرب،
إذ يعملون في الميناء لساعات طويلة تزيد عن 15 ساعة يومياً، وذلك في أعمال شاقة وأجور ضئيلة يلتهمها التضخم الحاد في أسعار السلع الغذائية والاستهلاكية. ويضيف أنه يتم استدعاؤهم في أوقات خارج نطاق العمل اليومي الرسمي لإنجاز عمل مستعجل في تفريغ بضاعة من الميناء ونقلها إلى المخازن، أو نقلها بين المحافظات، من دون توفير أي بدلات مالية وغذائية ولا تغطية صحية ضرورية لمواصلة العمل وإنجازه في أوضاع وظروف معيشية صعبة.
ويقول العامل بالأجر اليومي في قطاع الزراعة في مأرب يوسف النقيب لـ"العربي الجديد"، إن اشتداد المعارك مؤخراً أثر بشكل كبير عليهم، وضيق فرص حصولهم على فرصة عمل يومية تمثل مصدرا رئيسا لهم كعمال أجر يومي.
وحسب تقارير اقتصادية رسمية، فقد أدى انخفاض الطلب على الأنشطة التجارية والخدمات العامة والأنشطة العقارية والعمالة المنزلية وأعمال البناء والزراعة إلى انخفاض العمالة بشكل كبير.
وأثرت التحديات التي يواجهها سوق العمل في اليمن على الأغلبية من الناس، لا سيما صغار المزارعين والرعاة والصيادين والعمالة اليومية، ففقدان سبل العيش وفرص العمل للعاملين بالأجر اليومي ترك في جميع المحافظات فجوة في كيفية قدرة الناس على تلبية احتياجاتهم الأساسية.
ويصف المحامي والمستشار القانوني في قضايا العمل وائل الحيفي في حديثه لـ"العربي الجديد"، ما يحدث في سوق العمل اليمني بالفوضى، نظراً لكونها بيئة مختلة تسودها العشوائية والعمالة غير المنظمة وقطاعات أعمال تفتقد للمعايير القانونية والتنظيمية الصحيحة والمناسبة، والتي يمكن أن تحفظ للعامل عمله وأجره وكرامته.
ويلفت إلى أن كثيرا من الأيدي العاملة في اليمن لا يرتبطون بعقود عمل موثقة مع الجهات التي يعملون فيها، وهو ما يجعلهم عرضة للاستغلال والابتزاز والاضطهاد والفصل من دون الحصول على أي حقوق.
تأثيرات على الفقر
وتبين بيانات مراقبة الأسواق وفق تقارير رسمية أن معدل الأجور يظهر اتجاهات تناقصية كبيرة، لجميع فئات العمالة اليومية الخاضعة للمراقبة، ويشمل ذلك العمالة الماهرة وغير الماهرة وشبة الماهرة والزراعية، وأصبحت لا تتناسب مع الوضع الحالي للزيادة السريعة في كلفة المعيشة، والتي تزداد بشكل يومي تقريبا.
والأسوأ من ذلك أن انخفاض الطلب الحالي في قطاعات الزراعة والخدمات والقطاعات الأخرى جعل فرص التحسن في الأجور ضعيفة بشكل عام، إذ إن المتوسط الوطني لأجور العمالة شبة الماهرة لا تزال تتصدر بقية الفئات بالأجر اليومي بنحو 8540 ريالاً في اليوم تليه بمتوسط أجر 5160 ريالاً في اليوم للعمالة المؤقتة بالأجر اليومي و4890 ريالاً في اليوم للعمالة الزراعية.
وبلغ سعر الدولار في عدن 1308 ريالات في السوق السوداء الجمعة، و600 ريال في صنعاء. وانخفضت فرص العمل للعاملين بالأجر اليومي بشكل حاد، وهي مصدر هام للدخل للكثير من العاطلين عن العمل والنازحين داخليا والفقراء المعدمين الذين ليس لديهم حيازات زراعية.
وتواجه غالبية الأسر مستويات منخفضة من الدخل، وقد يؤدي إلى زيادة الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي ومستويات الفقر المزمن، والتي تعد بمثابة إنذار مبكر للمجتمع الإنساني، حيث إن عبء الدعم يتزايد بمعدل ينذر بالخطر ويلزم باتخاذ تدابير لتخفيف الأزمة.
ويعاني قطاع الأعمال في اليمن من تبعات الحرب والصراع الدائر في البلاد والأزمات الاقتصادية المتلاحقة وانهيار العملة، عدا فيروس كورونا الذي انتشر منتصف العام الماضي في كثير من المدن الرئيسية اليمنية، وما رافق ذلك من قيام شركات الأعمال في القطاع الخاص بتخفيض العمالة وخفض الأجور.
(العربي الجديد)
التعليقات