[ محافظة اب ]
شهد محافظة إب تدفقاً مستمراً للنازحين الذين وجدوا في هذه المدينة الخضراء وسكانها المسالمين ملجأً جيداً، وقد هربوا من المواجهات المسلحة في مناطقهم خلال السنوات الخمس الماضية، إلّا أنّ ارتفاع أسعار بدلات الإيجار وغلاء المعيشة وغيرهما أرهقت الأسر الفقيرة.
من بين هؤلاء محمد عبد الرحمن، وهو موظف حكومي من مدينة إب، يقول لـ"العربي الجديد" إن بدل إيجار المنزل الذي يعيش فيه أصبح عبئاً عليه وبالكاد يستطيع دفعه، لا سيما بعد قيام صاحب المنزل بزيادة قيمته نظراً للطلب المتزايد على البيوت وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
يضيف: "قبل بدء الحرب، كان بدل إيجار المنزل الذي أسكنه 25 ألف ريال يمني (نحو 40 دولاراً)، إلا أن مالك المنزل رفع قيمة بدل إيجار المنزل تدريجياً خلال السنوات الأربع الماضية، وبات الآن بـ50 ألف ريال يمني (نحو 80 دولاراً)، مستغلاً زيادة الطلب على المنازل والشقق من قبل العائلات التي نزحت إلى المدينة، والمغتربين العائدين من السعودية".
ويشير إلى أنه حاول مراراً شرح وضعه المادي المتدهور لمالك المنزل بهدف تخفيض بدل الإيجار، إلا أنه "رفض ذلك بحجة أن لديه التزامات، وهو ما زاد من معاناتي".
ويؤكّد عبد الرحمن أنّه يعمل ليل نهار بهدف توفير قيمة بدل إيجار المنزل والمتطلبات الأساسية للأسرة، على الرغم من ذلك، "أضطر للاستدانة من أقاربي لتلبية بعض الاحتياجات الأساسية"، مطالباً السلطات المحلية في محافظة إب ، بوضع حد لهذه المشكلة التي باتت كابوساً يؤرق جميع السكان في المدينة بحسب تعبيره.
ويعمد الكثير من أرباب الأسر، الذين عجزوا عن توفير بدلات إيجار المنازل في مدينة إب، إلى إرسال عائلاتهم إلى منازلهم الريفية، ليعيشوا وحدهم في المدينة، واضطر محمد العواضي إلى إرسال عائلته إلى ريف مديرية العدين الواقعة جنوب غربي مدينة إب (مركز المحافظة) بنحو 40 كيلومتراً، بعدما عجز عن توفير قيمة بدل إيجار الشقة التي يسكنها.
ويقول لـ"العربي الجديد": "قررت إرسال عائلتي إلى منزل والدي في القرية بعد فشلي في إيجاد عمل أستطيع من خلاله دفع بدل إيجار الشقة التي أسكنها بشكل منتظم، والبالغة قيمتها 30 ألف ريال يمني (نحو 48 دولاراً)، وتأمين المصاريف اليومية لأسرتي في ظل استمرار ارتفاع أسعار المواد الغذائية".
ويشير العواضي إلى أن أجواء محافظة إب الجميلة ونقاء أهلها، جعلتها قبلة لجميع الفارين من مناطق الاشتباكات المسلحة، منذ بدء الحرب في البلاد، ما أدى إلى ارتفاع بدلات إيجار البيوت، "لا يستطيع سكان المدينة بناء منازل جديدة من جراء ارتفاع أسعار مواد البناء منذ بدء الحرب خصوصاً بعد انهيار الريال اليمني أمام العملات الأجنبية".
ويصف العواضي أوضاع العائلات في البيوت المستأجرة في مدينة إب بـ"الصعبة للغاية".
وتزداد معاناة العائلات النازحة في إب، وتجد صعوبة كبيرة في إيجاد شقق سكنية للإيجار بأسعار تتناسب مع أوضاعها الاقتصادية الصعبة. رائد المشرقي هو أحد هؤلاء، وقد نزح مع أسرته من مدينة تعز (جنوب غربي البلاد)، إلى مدينة القاعدة التابعة لمحافظة إب (وسط)، لافتاً إلى أنه بقي مدة شهرين يبحث عن شقة مناسبة للإيجار من دون أن يجد ما هو مناسب، وأُجبر في النهاية على استئجار شقة صغيرة تفوق إمكانياته المادية، وتتكون من غرفتين بسعر 40 ألف ريال يمني (نحو 65 دولاراً أميركياً).
أما عمر عبد الله، الذي أجبر على النزوح مع أسرته في سبتمبر/ أيلول عام 2018، من محافظة الحديدة غربي البلاد إلى مدينة إب من جراء المواجهات المسلحة، فيقول إنه "لدى وصوله إلى مدينة إب، اضطر إلى استئجار منزل غير مُكتمل التشطيب (التجهيز)، عبارة عن غرفتين صغيرتين بسعر 25 ألف ريال يمني (نحو 40 دولاراً)، بعدما عجز عن إيجاد منزل يناسب إمكانياته".
يضيف: "بعد عملية بحث استمرت ثلاثة أشهر، استطعت إيجاد منزل صغير آخر للسكن بـ35 ألف ريال يمني (نحو 56 دولاراً)". وعن كيفية توفيره بدل إيجار المنزل الذي يسكنه إضافة إلى متطلبات أسرته، يوضح أنه يعمل مع أحد أبنائه في أعمال البناء، كما أن بعض المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني توزع سلالاً غذائية بين الحين والآخر لعائلته، كما "تصلنا مساعدات من فاعلي الخير من سكان المنطقة التي نعيش فيها".
بعض العائلات الفقيرة اضطرت إلى السكن في غرف صغيرة تسمى في اليمن "الدكاكين" كحلّ مؤقت، وهي غرفة واحدة لا تتجاوز مساحتها 10 أمتار مربعة مع دورة مياه. وسكنت عائلات أخرى في منازل صغيرة تُناسب إمكانياتها المادية خارج المدينة، على الرغم من افتقارها لمعظم الخدمات الأساسية، بحسب الناشط أسامة نعمان.
يقول: "تضطر أكثر من أسرة إلى السكن في منزل واحد من أجل تقاسم أجرته الباهظة، وهذا الأمر لم يحدث على الإطلاق قبل الحرب"، مشيراً إلى أن بدلات إيجارات المنازل ارتفعت هذا العام بنسبة 50 في المائة مقارنة بالعام الماضي، "كما أن بعض المؤجرين بدأوا يفرضون شروطاً تعجيزية على المستأجرين، منها دفع بدلات إيجار ستة أشهر مقدماً، وتأمين، وتوفير ضمانة تجارية".
ويؤكّد النعمان أن غالبية العائلات المستأجرة في المدينة تستغني شهرياً عن أشياء أساسية كثيرة، من أجل توفير قيمة الإيجار.
ولا يتقاضى أكثر من مليون موظف حكومي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين رواتبهم منذ توقفها في سبتمبر/ أيلول عام 2016، وتعيش اليمن أسوأ أزمة انسانية في العالم، ويحتاج 80 في المائة من سكانه (24 مليون شخص) إلى المساعدات الإغاثية العاجلة.
التعليقات