عطلت المواجهات الدائرة شرق محافظة أبين جنوب اليمن بين القوات الحكومية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، عمليات الإنتاج الزراعي من المزارع الواسعة للخضروات والفواكه والحبوب في دلتا أبين الشهير والغني بالمنتجات الزراعية.
وتغذي هذه المزارع معظم أسواق المحافظات. ويشكو مزارعون من مضايقات وعبث القوات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي بمزارعهم وعرقلة نقاطهم العسكرية مرور منتجاتهم ومحاصيلهم إلى الأسواق.
وتسببت المواجهات الدائرة منذ منتصف مايو/ أيار في خنق الزراعة في دلتا أبين وعطلت الحركة التجارية وعملية الإمداد السلعي من المحاصيل الزراعية إلى المحافظات المجاورة في عدن التي تعاني من تفش كبير لفيروس كورونا ونقص في المعروض من السلع الغذائية والاستهلاكية، إضافة إلى تقويض المجلس الانتقالي الجنوبي للسلطات المحلية الحكومية بعد إعلانه الإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية من اليمن.
وتتميز أبين بتنوع محاصيلها الزراعية من خضروات وفواكه وحبوب وغيرها لخصوبة التربة التي ساعدت في تنوع الزراعة وإنتاج مختلف المحاصيل. وتقدر بيانات زراعية رسمية إنتاج أبين من المنتجات الزراعية بنحو 120 ألف طن سنوياً من الخضروات والفواكه والحبوب.
إلا أن المواجهات المسلحة خفضت الإنتاج وأثرت كثيراً على الإمدادات إلى المحافظات، حيث لوحظ شح كبير في المعروض من المنتجات الزراعية في الأسواق المحلية، خصوصاً الخضروات التي ارتفعت أسعارها بنسبة 200 في المائة.
وأفاد أحد المزارعين في دلتا أبين "العربي الجديد" أنه لم ينقصهم سوى هذه المواجهات التي ضاعفت مشاكلهم منذ بداية الحرب، وبعد أزمة الكهرباء مؤخراً يؤكد هذا المزارع أن قوات المجلس الانتقالي تستبيح أراضيهم ومزارعهم، حيث تعمدت التمركز في بعض المزارع والعبث فيها ووضعت مواقع في بعض الطرقات التي يستخدمها التجار والمزارعون في نقل منتجاتهم للأسواق.
بينما يعدد المزارع عبد الحميد البوادي، مجموعة من الأزمات التي عانت منها مزارعهم وكبدتهم خسائر كبيرة، مثل أزمات الوقود والكهرباء ونفاذ الأصناف الهامة من الأسمدة وكثير من مدخلات الإنتاج الزراعي. لكن أزمات الكهرباء الأخيرة كانت مؤثرة للغاية إضافة إلى تبعات مكافحة فيروس كورونا.
وينفذ "الانتقالي" منذ إعلانه الإدارة الذاتية سلسلة من الإجراءات الاقتصادية، بحجة مكافحة الفساد وإيقاف العبث بالموارد العامة وتوجيهها لتوفير الخدمات العامة مثل الكهرباء والمياه، ووضع يده على مختلف المؤسسات والإيرادات العامة في إطار الإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية.
وأكدت الحكومة اليمنية رفضها الكامل لأي تدخل في أداء وعمل مؤسسات الدولة والسطو على الموارد العامة، وأعربت عن تطلعها إلى إجراءات من قبل التحالف، لوقف ما يقوم به المجلس الانتقالي.
وقال مسؤول حكومي رفض الكشف عن هويته، إن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، ينفذ منذ إعلانه الرسمي بالتمرد في 25 إبريل/نيسان الماضي سلسلة إجراءات استفزازية بعد تقويضه للسلطات الحكومية الرسمية ومضايقتها من أداء عملها في ظروف صعبة واستثنائية تعيشها عدن، التي تشهد انتشارا متسارعا لفيروس كورونا، إضافة إلى مختلف محافظات جنوب اليمن.
وأضاف المسؤول في حديث مع "العربي الجديد" أن المجلس حاول اقتحام البنك المركزي في عدن الذي تحرسه قوات عسكرية سعودية بحجة تنفيذ توجيهات من قبل ما يسمى برئيس الإدارة الذاتية في المجلس لصرف مرتبات أفراد عسكريين غير نظامين. إضافة إلى محاولة قواته اعتراض شاحنات محملة بأموال حكومية من العملة الجديدة المطبوعة أثناء نقلها من ميناء عدن إلى البنك، المركزي إضافة إلى عرقلة إجراءات الحكومة لصرف رواتب الموظفين المدنيين في عدن.
وتمر الأسواق اليمنية بمرحلة صعبة بسبب الحرب الدائرة في البلاد منذ ما يزيد على خمس سنوات وما رافقها من صراعات متعددة، إلى جانب تفشي وباء كورونا في عدد من المدن اليمنية ومحدودية التدخلات الرسمية لمكافحته.
إذ تعاني الأسواق من نفاذ العديد من السلع الغذائية والاستهلاكية والخضروات والمحاصيل الزراعية والأدوات المتعلقة بالحماية والوقاية من الفيروس.
ويعتمد أغلب المزارعين على الكهرباء في عملية الري بسبب ارتفاع أسعار الوقود وعدم قدرتهم على تحمل نفقاته وما يواجهونه من صعوبة في تغطية عائدات منتجاتهم الزراعية للنفقات الباهظة ليس فقط بسبب أسعار الوقود ولكن ما فرضته الحرب الدائرة والصراع والتوترات الراهنة في أبين من تكاليف مرتفعة وصعوبة نقل السلع من مواقع الإنتاج إلى الأسواق.
وتشهد الأسواق اليمنية تباطؤاً شديداً في عرض الاحتياجات من السلع الغذائية والاستهلاكية والخضروات والفواكه التي ارتفع الطلب عليها خلال شهر رمضان وأيام العيد. وتلعب الصعوبات والمشاكل في عملية النقل بين المحافظات والمناطق اليمنية لتعدد السلطات ووعورة بعض الطرق المستحدثة بسبب الحرب، دوراً في نقص توافر السلع، وكذا نقاط الاحتجاز التي وضعتها السلطات المعنية في إطار الإجراءات الوقائية لمكافحة فيروس كورونا.
كما ارتفعت أسعار بعض أصناف الفواكه مثل الموز بشكل كبير، حيث تغطي مزارع أبين نحو 60 في المائة من احتياجات الأسواق المحلية من هذه الفاكهة، ما أدى إلى توقف إمداد الأسواق من ناحية ومن ناحية أخرى يبرز ما يشكو منه المزارعون من مصادرة بعض النقاط العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي لهذا المنتج الزراعي بشكل خاص وللمنتجات الزراعية الأخرى بشكل عام.
وحسب ياسر محسن موزع خضروات، فإن المواجهات الراهنة ستكون تبعاتها باهظة على القطاع الزراعي والمعروض من منتجات الخضروات التي سترتفع أسعارها بشكل كبير في ظل أوضاع صعبة يمر بها اليمنيون خصوصاً في المدن التي تعاني من انتشار فيروس كورونا مثل عدن.
ويؤكد لـ “العربي الجديد" أن منتجات الخضروات والفواكه قد ينخفض عرضها تدريجياً من الأسواق المحلية في عدن والمحافظات الأخرى في جنوب اليمن التي تعتمد على الإمدادات القادمة من مزارع أبين، وبالتالي ارتفاع الأسعار بشكل يفوق قدرات الناس.
يأتي ذلك بعد أن كانت هذه المحاصيل من أهم المنتجات الزراعية التي لا يعاني المستهلك اليمني في تلبية احتياجاته منها لتوفرها بكميات كبيرة وكانت أسعارها مناسبة لكل الشرائح المجتمعية. إذ كانت الأسواق اليمنية تعتمد على المنتجات الزراعية المحلية بنسبة تتعدى الـ 70 في المائة.
وتنتج اليمن كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية خصوصاً الخضروات مع اكتفائها الذاتي من منتجاتها في هذا المجال منذ سنوات وتصدير كميات كبيرة للخارج، إذ يعد البطاطس في طليعة الخضروات المنتجة بنحو 281 ألف طن، وذلك من مساحة زراعية تبلغ 15.5 هكتاراً.
ويرى خبراء أن تفاقم الحرب وما فرضه التحالف السعودي الإماراتي من حصار بري وبحري شامل، أثر على الصادرات اليمنية الزراعية ووصولها إلى الأسواق الخارجية وعلى وجه التحديد الأسواق الخليجية، لذا يسوق المزارعون منتجاتهم في الأسواق المحلية والتي تخضع لضغط العرض والطلب واختلاف الأسعار بصورة مستمرة.
التعليقات