كأن الحرب والجوع الذي يهدد حياة ملايين اليمنيين لا يكفي، لتأتي حرب أوكرانيا وتزيد الطين بلة، فتلهب أسعار الوقود والمواد الأساسية المرتفعة أصلا. فكيف يتعامل اليمنيون مع تداعيات الأزمة الأوكرانية على حياتهم اليومية؟
وضعت تبعات أزمة الحرب الروسية الأوكرانيا، الطالبة الجامعية اليمنية عصماء حسين (22 عاماً)، أمام خياري التغيب عن الجامعة أو الوصول إليها سيراً على الأقدام، بعد أن وجدت أسرتها غير قادرة على دفع الفارق الناتج عن ارتفاع أسعار النقل، في بلدٍ تضيف إليه الأزمة العالمية المرتبطة بأوكرانيا، أزمة جديدة، تُضاف إلى وضع كارثي، تعيشه الغالبية العظمى من اليمنيين، جراء الحرب الدائرة منذ أكثر من سبع سنوات.
عصماء التي تدرس في السنة الثالثة بجامعة صنعاء الواقعة في الجزء الشمالي من العاصمة وتنتقل إليها من أحد الأحياء الجنوبية، بالكاد تمكنت من الالتحاق بالجامعة بسبب الوضع الاقتصادي الصعب لعائلتها، حيث الأب لا يتقاضى مرتبه الشهري منذ سنوات، واستطاعت أن تكيف النفقات مع الحد الأدنى المرتبط بتنقلها 200 ريال يومياً، تدفعها لباص النقل، ذهاباً وإياباً بين المنزل والجامعة.
هذه الأوضاع القسرية التي فرضتها الحرب وتأثيراتها الاقتصادية، كانت على موعد جديد، منذ الأسابيع الأولى للحرب الروسية في أوكرانيا، إذ ارتفعت أسعار الوقود، فتضاعف سعر التنقل من 100 ريال إلى 200 ريال يمني. هذا الارتفاع يفوق قدرة عصماء، لكنها تكافح لإكمال تعليمها الجامعي وتقول لـDW عربية، إنها اختارت "دفع قيمة مشوار الذهاب فقط"، فيما تقطع "مسافة العودة إلى المنزل سيراً على الأقدام"، ويستغرق طريقها "أكثر من ساعة ونصف".
ارتفاعات تفوق قدرة المواطنين
أسرة عصماء، ليست أفضل حالاً، من كثير من الأسر اليمنية التي تواجه تحدي الجوع وتوفير الوجبات الأساسية، كما هو بالنسبة لعبد الناصر الجماعي، وهو أربعيني أب لخمسة أبناء، اضطرت أسرته إلى تخفيض الوجبات الأساسية منذ أسابيع، عجزت خلالها عن توفير الغاز المنزلي للطهي، في وضع اقتصادي لا يسمح لها بشراء أرغفة الخبز من المخابز بعد أن ارتفع سعرها في الشهور الأخيرة وقل وزنها.
عبد الناصر الذي يعمل في أحد المتاجر براتب شهري لا يزيد عن 80 دولاراً، كما أغلب سكان الحي الذي يعيش فيه وسط صنعاء، يتملكه رعب متزايد من ارتفاع أسعار غالبية السلع الاستهلاكية، في ظرف يمس الحد الأدنى من الاحتياجات التي كانت الأسر قد تعودت عليها لتعيش. لكن "حتى ما كنا نقدر على شرائه قبل شهر أو شهرين، أصبح بعد ارتفاع الأسعار (مؤخراً) أكبر من دخلنا"، وفقاً لحديث عبد الناصر لـDW عربية.
"مستوى غير مسبوق" من الأزمة
حسب أحدث تقارير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، الصادر منتصف مارس/آذار 2022، تدهور الأمن الغذائي الحاد وسوء التغذية في اليمن بشكل أكبر في عام 2022، في ظل وجود 17,4 مليون شخص (المرحلة الثالثة وأعلى من التصنيف المرحلي المتكامل) بحاجة الى مساعدة فورية، ويتوقع البرنامج أن يرتفع العدد الى 19 مليون من بداية يونيو/ حزيران الى نهاية العام الجاري.
هذا الأزمة الإنسانية، والتي تتصدر تقارير ومؤشرات الأمم المتحدة المتصلة بالجوع وسوء التغذية، منذ سنوات، وبعد أن شهدت ارتفاعاً حاداً خلال عام 2021 بسبب تدهور سعر صرف العملة المحلية - الريال اليمني، بلغت مع تفجر الأزمة الأوكرانية "مستوىً غير مسبوق"، حسب تعبير بيان مشترك لوكالات الأمم المتحدة الإغاثية صدر منتصف مارس/ آذار، وأشار إلى أن هناك مخاوف من أن يمس ذلك، السلع الأساسية كالقمح، والتي تعتمد فيها البلاد على الواردات بشكل شبه كلي.
في السياق، تظهر بيانات التجارة العالمية، التي قام DW عربية بتحليلها، أن اليمن يستورد ما يزيد عن 38 بالمائة من القمح من من روسيا وأوكرانيا، حيث بلغت واردات القمح في الفترة 2010 إلى 2020 أكثر من 32 مليون طن، منها 30 بالمائة من روسيا و8 بالمائة من أوكرانيا، في حين أن نسبة الاستيراد لمادتي القمح والدقيق تصل إلى 95 بالمائة من احتياجات البلاد سنوياً، والمقدرة بـ3,8 مليون طن.ويحذر تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في اليمن، من أن تداعيات الحرب في أوكرانيا، سوف تعمق الازمة الإنسانية، إذ أن أسعار القمح بدأت بالارتفاع "بنسبة وصلت إلى 35 في المائة منذ بداية الحرب الروسية الأوكرانية رغم أن الحرب ما زالت في بداياتها".
ولا يقتصر ارتفاع الأسعار على القمح فقط، إذ طال معظم السلع، بعضها كنتيجة لارتفاع أسعار الوقود والذي يُلقي بظلاله على النقل، وأخرى أُثيرت الشكوك بشأنها، ما إذا كانت بالفعل ناتجة عن الأزمة الأوكرانية أم أن وراءها "جرعة" سعرية غير معلنة، بالإضافة إلى اتهامات للتجار، باستغلال الأزمة لرفع الأسعار. حيث أقدمت السلطات الموالية لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، على إغلاق شركات استيراد، على ضوء اتساع رقعة السخط الشعبي ضد ارتفاع الأسعار
بدائل مكلفة
في حديثه لـDW عربية، يقول أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة صنعاء، د. عدنان الصنوي: من المؤكد أن الكمية المستوردة من القمح إلى اليمن، من كل من روسيا وأوكرانيا، ستتأثر بشكل مباشر، وهذا سيدفع التجار الى البحث عن مصادر بديلة، عادة ما تكون أغلى وأكثر كلفة، وذلك "نتيجة لارتفاع أسعار القمح عالمياً"، كما أن ذلك "سيؤثر سلبياً على اليمن الذي يعتمد على الاستيراد في تأمين 90 بالمائة من احتياجاته من القمح".
ويضيف أن "التأثير الآخر لهذه الأزمة، هو سوق النفط الذي ألقت الأزمة بظلالها عليها منذ بداية مارس/ آذار"، حيث ارتفعت أسعار المشتقات النفطية الى ما يزيد عن 100 بالمائة، مع انعدام المعروض من المشتقات النفطية في الأسواق اليمنية، ومن المؤكد وفقاً للمتحدث أن "ارتفاع أسعار المشتقات النفطية يلقي بظلاله على ارتفاع أسعار كافة السلع نتيجة لارتفاع تكاليف النقل والشحن والتأمين".
ويشدد الصنوي، على أنه وفي ظل التغيرات الخارجية المضافة لأوجاع المواطن اليمني، من الضروري أن نوجه "نصيحة اقتصادية وهي: على المستهلك اليمني أن يستيقظ من العادات السلبية وأن يتبع الآلية التي تخفف من الأزمة وخاصة في شهر رمضان الذي تتغير سلوك المواطن اليمني فيه سلبيا، بالإسراف غير المبرر"، إذ أنه "في هذا الشهر "يلاحظ أن غالبية الطعام المُشترى يذهب إلى حاويات القمامة وخاصة لدى العائلات الثرية".
يشار إلى أن خطة الاستجابة الإنسانية السنوية التي تعدها الأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية، حصلت على نحو ثلث التمويل المطلوب وهو 1,3 مليار دولار فقط، من اصل 4,3 مليار دولار مطروحة للخطة، وقد وصفت المنظمة الدولية النتائج بأنها "مخيبة للآمال".
التعليقات